المقالة الرابعة
محمد عبد الجبار الشبوط
ضرورة المصالحة الوطنية ودور الاحزاب في انجازها
نوفمبر 2006
نوفمبر 2006
القسم الاول:
في مفهوم المصالحة
1. مقدمة
دخل مصطلح المصالحة الوطنية الفضاء السياسي العراقي منذ فترة ليست بالطويلة. ولم يلق قبولا في البداية من بعض الاطراف، لكنه تحول الى مفردة اساسية في الحياة السياسية العراقية الراهنة.
والمصطلح جديد حتى على المستوى العالمي، ولهذا لا نجد الكثير من الدراسات النظرية او البحوث الامبريقية حوله. والتجارب العالمية التي تمت فيها عمليات مصالحة وطنية ليست بالكثيرة هي الاخرى. مع اننا نجد في التاريخ الاسلامي حالات يمكن ان تطبيق المصطلح عليها مع اخذ الفارق التاريخي بنظر الاعتبار. ويقفز الى الذهن في هذا المجال صلح الحديبية الذي عقده النبي محمد ص مع قريش، وصلح الامام الحسن الذي عقده مع معاوية بن ابي سفيان. لكني على وعي بالمسافة الزمنية والموضوعية الفاصلة بين ما نتحدث عن الان وبين هذه الشواهد التاريخية ولهذا فسوف اتجنب الوقوع في وهم الاسقاط والاستدعاء والاحالة. اسقاط الماضي على الحاضر، واستدعاؤه الى الحاضر ومن ثم الاحالة اليه.
ورغم عدم وجود الكثير من الادب السياسي حول المصطلح الا انه صار من المفردات المتداولة بكثرة في الحياة السياسية العالمية عند الحديث عن بناء الشراكة السياسية في المجتمعات المنقسمة اثنيا. وثمة توجه متعاظم، في الدوائر الاكاديمية العالمية، الى بلورة نظرية متكاملة لمفهوم المصالحة الهادفة الى دعم استراتيجية شاملة لبناء السلام والتوافق السياسي في المجتمع التعددي. وفي هذا السياق يأتي العمل الذي قدمه Brandon Hamber and Grainne Kelly ضمان كتاب Power Sharing الذي سيشكل احد اهم مصادر هذه الورقة.
ولذا فالمجال مازال خصبا للبحث والتأمل والدراسات والتنظير في مفهوم المصالحة الوطنية ودواعيها وطبيعتها والياتها وما الى ذلك.
والمفهوم السائد ان المصالحة عملية يتم الاخذ بها في المجتمعات الخارجة حديثا من نزاع داخلي بين فئاتها المختلفة.
وتفترض المصالحة وجود اطراف متخاصمة او متنازعة بحيث تهدف المصالحة الى الجمع بين هذه الفئات ومصالحتها، وحل مشكلاتها الخلافية.
وربما امكن تصور الحالات التالية للمصالحة:
الحالة الاولى: مصالحة تكوينات او فئات اجتماعية متنازعة فيما بينها كما كان الحال في لبنان الذي دخل حربا اهلية استمرت حوالي 15 عاما ولم تتوقف الا بعد انجاز مصالحة وطنية برعاية خارجية في اطار اتفاق الطائف المعروف. وكما هو الحال في ايرلندا الشمالية.
الحالة الثانية: مصالحة بين فئة اجتماعية متسلطة، غالبا ما تكون من طبيعة اثنية عرقية او مذهبية واحدة، واخرى محكومة، غالبا ما تكون من طبيعة اثنية عرقية او مذهبية مغايرة، كما كانت الحالة في جنوب افريقيا.
[ولسنا متأكدين من مدى انطباق هاتين الحالتين على الوضع في العراق]
الحالة الثالثة: مصالحة بين اطراف داخل الحكم وبين اطراف خارجه. يمكن ان تكون هذه هي الحالة في العراق، بتصور يقول ان الحكومة الحالية تمثل فئات اجتماعية، اثنية، وسياسية مختلفة، مقابل فئات اخرى لم تنخرط في العملية السياسية التي توجت بتشكيل الحكومة، لأسباب خلافية، لا تخرج عن المحاور الاربعة التقليدية في الخلاف بين الفئات الاجتاعية وهي: هوية الدولة، وبناء السلطة الحكومية، وتقسيم الثروة، والارض. والمصالحة تستهدف دعوة الفئات الخارجية الى الانضمام الى العملية السياسية وفق تسوية معينة لمواضع الخلاف في المحاور المذكورة.
لكن رئيس الوزراء نوري المالكي قال ان الدولة ليست طرفا في المصالحة، انما هي طرف راع لها. وبنص عبارته "أن الدولة هي الراعية لمشروع المصالحة ، وأنها ليست فصيلاً سياسيا". ولي ملاحظتان على هذا النص: اولاهما، اني غير متأكد من ان المالكي يقصد التمييز بين الدولة والحكومة، حيث يشكل عدم التمييز مشكلتين، فيما يشكل التمييز مشكلة واحدة. المشكلة الواحدة ان التصريح يعقد عملية المصالحة من حيث خلقه صعوبة اضافية في البحث عن الجهات او الاطرف التي يمكن ان تكون اطرافا في المصالحة، خاصة اذا تذكرنا ان "الدولة" في العراق ما زالت موضوع نقاش وانها لم تأخذ بعد شكلها النهائي. انها قد تكون جزء من المشكلة وليست جزء من الحل. ربما قصد المالكي الحكومة، و المشكلة هنا ان الحكومة عندنا ائتلافية ومشكلة من قوى سياسية تدعي انها تمثل تكوينات وفئات اثنية، ربما كان عليها ان تكون طرفا في المصالحة لتفعيلها وتحركيها ودفعها الى الامام. اضافة الى ان الحكومة ستكون جزء اساسيا من أي اجراءات تنفيذية سوف تتطلبها المصالحة. مع العلم ان رئيس هيئة المصالحة هو وزير في الحكومة، وتضم الهيئة عددا من الوزراء ايضا.
اذا استبعدنا الحالتين الاولى والثانية، وشككنا في الحالة الثالثة، فان ذلك يبقينا في حيرة من الناحية البحثية والنظرية في تشخيص الى أي مدى يمكن ان ينطبق هذه المصطلح على الحالة العراقية. فالعراق لم يشهد حربا اهلية بين مكوناته الاجتماعية وخاصة بين العرب الشيعة والعرب السنة، قبل سقوط النظام. ومع ان النظام كان يمارس تمييزا عنصريا ضد الاكراد وتمييزا مذهبيا ضد الشيعة، الا انه ليس من الممكن القول انه كان نظام عربيا مقابل الاكراد او نظاما سنيا ضد الشيعة؛ بل انه كان نظاما دكتاتوريا مضطهدا لكل فئات الشعب العراقي بصورة تكاد تكون "عادلة"! ولهذا فان السؤال الذي طرحه البعض "مع من نتصالح؟" يحمل الكثير من المشروعية، فضلا عن عدد اخر من الاسئلة المفصلية التي سوف اذكرها بعد قليل.
لكن الواضح ان اعمال العنف التي انطلقت بعد تفجير مرقدي الامامين العسكريين في سامراء في شهر شباط فبراير فجرت الكثير مما ربما كان مكبوتا في النفوس، مما انعكس على كلام الناس في الفضائيات وعلى اندفاعهم الى تشكيل ميليشيات ذات صبغة طائفية او مذهبية، وقيامهم باخذ زمام المبادرة بحماية انفسهم وحماية مناطقهم من هجمات متوقعة يقوم بها الطرف الاخر عليهم، خاصة في ظل فقدان الثقة بالحكومة لتوفير الحماية الضرورية، اضافة الى بروز ظاهرة القتل او التشريد او الاختطاف او التهجير على الهوية، مما يقرب الحالة العراقية من حالة البوسنة، احدى جمهوريات يوغسلافيا التي شهدت حربا اهلية بين فئاتها الاجتماعية، واحتاجت الى عملية مصالحة وطنية واقامة نوع من الشراكة السياسية مثلت تسوية للخلاف والنزاع في المحاور الاربعة.
وبغض النظر عن هذه الملاحظات المنهجية، فان مصطلح المصالحة تمكن من الانتشار وتحصيل القبول من قبل الرأي العام العراقي الرسمي والشعبي واصبح عنوانا لهيئة رسمية وحملات اذاعية ما يحمل الباحثين المتخصصين عن العزوف عن البحث عن الدواعي العلمية والموضوعية لأستخدامه، معتبرين ان تقبل الرأي العام له عاملا كافيا لتداوله، والتعاطي معه بوصفه احد مكونات الثقافة السياسية السائدة.
2. في طبيعة المصالحة
اولا، ليست المصالحة عملا ولا هدفا، انما هي عملية وصيرورة process. ولهذا فهي لا تنتهي بعمل محدد و في فترة زمنية معطاة. مرة اخرى يأتي تصريح للمالكي ليعقد الصورة حين يقول ان عملية المصالحة يجب ان تنتهي خلال سنة. والسؤال الذي يثيره هذا التحديد هو: ما الذي ينبغي ان ينتهي خلال سنة، هل هو المؤتمرات والفعاليات التي سوف تجري باسم المصالحة ام ماذا؟ ان تحديد زمني للمصالحة يكشف عن القائمين عليها يتعاملون معها وكانها عمل محدد وليس صيرورة وعملية مستمرة. ان المصالحة، كعملية وصيرورة، لا تتحقق بمجرد التوقيع على اتفاقات ورقية، بل انها تنطوي على عملية طويلة لا يمكن التنبوء بكل تفاصليها، كما تنطوي على الكثير من المتغيرات في المواقف والسلوكيات والاتجاهات ومستوى الاداء الحكومي والبيئة الاجتماعية والاقتصادية والهياكل والمؤسسات.
ثانيا، المصالحة عملية شاملة، وعلى اولئك الاشخاص الذين يتولون التفاوض من اجل تحقيقها، وبعضهم الان اعضاء في الهيئة الوطنية، ان يدركوا الحاجة الى بناء عملية مصالحة شاملة وليست جزئية، وان يحرصوا على توفير الترتيبات المالية والمؤسساتية والهيكلية اللازمة لتحقيق المصالحة.
ثالثا، تحتاج الاتفاقات التي تبرم على مستوى القيادات والنخب، في اطار المصالحة، الى اجراء تغييرات اساسية على المستويات الاجتماعية والفئوية والفردية، لتوفير بيئة حاضنة لهذه الاتفاقات تساعد بل تؤدي الى ادامتها وصيانتها، لأن المصالحة تتطلب انخراط كل مستويات المجتمع فيها، بوصفها مسؤولية اجتماعية عامة.
وينبغي ان يدرك القائمون على عملية المصالحة ان تجاهل هذه المتطلبات والسعي فقط من اجل اتفاقات شكلية وسطحية ونفعية ومطلبية من شأنه ان يخلق مشاكل في المستقبل ويهدد بالخطر قضية استقرار الشراكة السياسية وترسخها على المدى البعيد.
رابعا، ان المصالحة قبل كل شيء عملية طوعية، لا يمكن فرضها على الاشخاص والفئات والمجتمعات. والافراد و الفئات و الكيانات لا تقبل المصالحة طوعا الا عندما تدرك ان مصالحها متوقفة عليها، وان الطرق الاخرى، غير المصالحة، لا تحقق لها هذه المصالح. ويربط الافراد والكيانات بين مصالحهم وبين المصالحة اذا تمكنوا من رؤية هذه المصالح ضمن اطار المصالحة. و لانتوقع منهم ان يتقبلوا المصالحة اذا بقيت نظرتهم لمصالحهم خارج نطاقها. وقد يتطلب تحقيق هذه الرؤية
عدل سابقا من قبل الاداره في الأربعاء مارس 18, 2009 1:14 am عدل 1 مرات
السبت يناير 21, 2017 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» قصيده بعنوان كافي
الجمعة ديسمبر 19, 2014 7:50 am من طرف عدنان المعموري
» عن لسان ام الشاعر الراحل رحيم المالكي
الأحد يوليو 06, 2014 1:52 pm من طرف عدنان المعموري
» القصيدة التي أغضبت سلاطين المنطقة الخضراء
الثلاثاء أكتوبر 02, 2012 12:44 pm من طرف عدنان المعموري
» قصة مؤثرة عن غيرة النساء
الجمعة يونيو 29, 2012 1:06 am من طرف عدنان المعموري
» أبن شقيق الجعفري يكشف تفاصيل الاعتداء عليه بالضرب من قبل أبن شقيقة المالكي وأقربائه
الأربعاء مايو 23, 2012 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب / صاحب الضويري
السبت مايو 12, 2012 12:24 am من طرف عدنان المعموري
» خانقين..الوردة البيضاء..مدينة التآخي والسلام
الخميس فبراير 16, 2012 12:16 pm من طرف حسين:خانقين
» هدية لكم جميعا..مع باقات من النرجس من على سفوح جبال كردستان
الخميس فبراير 16, 2012 5:21 am من طرف حسين:خانقين
» الأشعة..منافعها واضرارها وهذا الحديث مع طبيبة اختصاصية في م. خانقين
الخميس فبراير 16, 2012 5:06 am من طرف حسين:خانقين
» دعوة للمشاركة
الخميس أكتوبر 06, 2011 9:22 am من طرف د.مسلم بديري
» قصص قصيرة جدا
الإثنين يوليو 18, 2011 5:00 pm من طرف د.مسلم بديري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:47 am من طرف عدنان المعموري
» زعلتك صدك
الثلاثاء يونيو 21, 2011 1:22 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب /للشاعر صاحب الضويري
الإثنين يونيو 13, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» أكميله للشاعر عارف مأمون
الإثنين أبريل 04, 2011 8:17 am من طرف عدنان المعموري
» كل ساعة انذبح من عرست لليوم وكل ساعة انسحك بجدام تذكارك
الإثنين أبريل 04, 2011 8:13 am من طرف عدنان المعموري
» قراءة الواقع الثقافي في العراق
السبت مارس 12, 2011 1:13 pm من طرف قاسم المعموري
» اشعل فتيلها الكادحون والرافضون للظلم
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:05 pm من طرف قاسم المعموري