المقالة السادسة
محمد عبد الجبار الشبوط
الاحتلال والمقاومة والانسحاب
يثير وجود القوات الاميركية خلافا سياسيا وتباينا واسعا في الموقف بين التكوينات السياسية العراقية، الى درجة قد يعده البعض من اسباب وعوامل الحرب الاهلية والاقتتال الداخلي في العراق
وثمة ثلاثة مواقف اساسية ازاء هذا الموضوع:
الموقف الاول، الذي يعتبر هذه القوات "صديقة" وليست عدوة، ويعزو اليها الفضل في مساعدة الشعب العراقي على التخلص من نظام صدام المقبور. وهذا هو موقف الاحزاب الكردية قاطبة، والمجلس الاعلى، والكتلة العراقية. وتمثل الحكومة العراقية هذا الموقف بصورة رسمية، حيث يعزى الى طلبها الان وجود القوات الاميركية تحت عنوان القوات المتعددة الجنسيات.
الموقف الثاني، الذي يعتبرها قوات احتلال، دون ان يصل الى اعتبارها "معادية"، لكنه لا يعمل بمنطق "المقاومة المسلحة"، ويدعو سلميا الى انسحابها، او جدولة هذا الانسحاب، وهذا هو الموقف الذي عبر عنه مؤخرا التيار الصدري على لسان زعيمه مقتدى الصدر، وكذلك الاحزاب السنية المشاركة في الحكومة، مثـــل كتلة التوافق.
الموقف الثالث، الذي يعتبرها قوات احتلال معادية، ويرفع السلاح بوجهها، في حرب هدفها المعلن اجبارها على ترك العراق. وهذا هو موقف كل الميليشيات المسلحة السنية، فضلا عن القاعدة، وهي تنظيم غير عراقي، ومن ارتبط بها من العراقيين. ورغم ما يقال عن وجود مفاوضات بين بعض هذه الميليشيات من جهة والحكومة العراقية والاميركية من جهة ثانية، فلا يبدو ان هذه المفاوضات اثرت على النشاط العسكري لهذه الجماعات.
اولاً: معنـى الاحتلال
الاحتلال مصطلح قانوني عالجه القانون الدولي و يشير الى حالة تكون فيها ارض معينة تحت سيطرة وسلطة جيش اجنبي يصنف بانه "عدو". فالاحتلال عبارة عن سلطة جيش اجنبي معاد.
وعرفت المادة 42 من لائحة لاهاي لعام 1907 الاحتلال كما يلي : " تعتبر أرضٌ محتلةً حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو. ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي أقيمت فيها مثل هذه السلطة ويمكن أن تمارس فيها".
وتشكل لوائح لاهاي لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 وبعض أحكام البروتوكول الأول لسنة 1979 الإضافي لاتفاقيات جنيف لسنة 1949 المصادر الأساسية لقانون الاحتلال الحديث.
وتتبنى المراجع الاميركية الرسمية هذا التعريف وكذلك البريطانية مع التشديد على أنه لا بد للقوات الغازية من أن تكون قد حلت محل سلطات البلد في ممارسة السيطرة الفعلية على أراضيه.
ويُستمد المعيار الوحيد لتحديد مدى انطباق القانون على الاحتلال العسكري من الحقائق التالية، كما تقول احدى الدراسات في هذا الشأن: السيطرة الفعلية والفعالة على الأراضي من جانب قوات مسلحة أجنبية مقرونة بإمكانية إنفاذ قراراتها، والغياب الفعلي لسلطة حكومية وطنية تتمتع بسيطرة فعلية. فإذا تم استيفاء هذه الشروط بالنسبة لمنطقة معينة، ينطبق عليها قانون الاحتلال العسكري. ومع أن هدف الحملة العسكرية قد لا يكون السيطرة على الأراضي، فإن مجرد وجود مثل هذه القوات في وضع مسيطر يجعل قانون حماية السكان منطبقاً. ولا تستطيع دولة الاحتلال التملص من المسؤوليات المترتبة عليها، ما دامت حكومة البلاد غير قادرة على أداء مهامها الاعتيادية.
والطريقة العادية لانتهاء الاحتلال هي أن تنسحب القوة المحتلة من الأراضي أو تدفع إلى الخروج منها.
وإذا تم نقل السلطة إلى حكومة محلية نقلاً فعلياً فان هذا يؤدي عادة إلى انتهاء الاحتلال. إلا أن قانون الاحتلال قد يصبح قابلاً للتطبيق من جديد إذا ما تغير الوضع على الأرض أي إذا عادت الأراضي من جديد "تحت السلطة الفعلية لجيش العدو" (المادة 42 من لائحة لاهاي)- أي بكلمات أخرى تحت سيطرة قوات أجنبية بدون موافقة السلطات المحلية.
ويسري مفعول النظام القانوني الدولي الخاص بالاحتلال العسكري حالما تحقق القوات المسلحة لدولة أجنبية السيطرة الفعالة على أراضٍ ليست تابعة لها. وينتهي عندما تتخلى قوات الاحتلال عن سيطرتها على تلك الأراضي.
وقد يُطرح سؤال بشأن ما إذا كان القانون الخاص بالاحتلال يظل مطبقاً إذا ما كانت سلطات مدنية جديدة شكلتها دولة الاحتلال من صفوف مواطني الأراضي المحتلة تدير الشؤون اليومية للأراضي المحتلة. والجواب هو نعم، طالما ظلت قوات الاحتلال موجودة في تلك الأراضي وتمارس السيطرة النهائية على أفعال السلطات المحلية.كما هو الحال عندما شكلت سلطة الائتلاف المؤقتة مجلس الحكم في العراق.
إلا أن استمرار تواجد قوات أجنبية لا يعني بالضرورة أن الاحتلال مستمر حيث ان وجود قوات اجنبية في بلد ما لا يعني انه محتل اذا كان هذا الوجود تم بموافقة الحكومة الشرعية للبلد، ودون ان تتخلى الدولة عن وظائفها السيادية.
وهذا نشاهده في عدد من دول العالم التي توجد على اراضيها قوات اجنبية، لكنها لا تعتبر بموجب القانون الدولي محتلة، مثل المانيا حيث يوجد فيها ما يقارب من 70 ألف جندي اميركي و كوريا الشمالية حيث يوجد فيها 37 ألف جندي اميركي و اليابان حيث يوجد فيها 4 الاف جندي اميركي.
ويرى رائد فهمي ان الدولة تستعيد سيادتها وتنتفي عنها صفة الاحتلال اذا:
1- استعادة الحق في عقد الاتفاقيات الدولية.
2- تتبادل التمثيل الدبلوماسي مع الدول الأخرى.
3- أن تمتلك حق إعلان الحرب.
4- أن يكون لها حق التعامل مع الهيئات الدولية وبشكل خاص محكمة العدل الدولية.
وهذه الشروط متوافرة في الحكومة العراقية الحالية.
ثانياً: الاحتلال في العراق
دخلت القوات الاجنبية العراق، واسقطت النظام السياسي السابق، في 9 نيسان، وفرضت سيطرتها الكاملة عليه.
وقد مر الوضع القانوني لوجود هذه القوات في العراق بثلاث مراحل.
المرحلة الاولى، (منذ سقوط النظام في 9 نيسان حتى 22 مايو 2003) ولنسمها بمرحلة التحرير، أي تحرير العراق من نير النظام الدكتاتوري، على يد القوات الاميركية والقوات المتحالفة معها. وقد استبشر عموم العراقيين بهذا الحدث، بغض النظر عن الحرب، واعتبروه بداية جديدة لبلدهم. وفي هذه الايام انتعشت الامال باقامة نظام ديمقراطي حر في العراق. وكان ينظر الى القوات الاميركية بوصفها قوات صديقة ساعدت الشعب العراقي على التخلص من الدكتاتورية. ولم تستمر هذه المرحلة سوى مدة وجيزة، حيث بدأت المرحلة الثانية في 22 مايو من العام نفسه.
المرحلةالثانية، (من 22 مايو 2003 الى 28 حزيران 2004 ). سنسمي هذه المرحلة بمرحلة الاحتلال عملا بنص قرار مجلس الامن الدولي المرقم 1483 الصادر في 22 من شهر مايو من عام 2003 والذي نص على اعتبار الولايات المتحدة وبريطانيا "دولتين قائمتين بالاحتلال". وكان هذا القرار صدمة بالنسبة لعموم العراقيين، حيث لم يكونوا يتصورون ان الاحتلال سيكون ثمن اسقاط النظام الدكتاتوري، وبدأت مشاعر العراقيين بالتغير ازاء القوات الاميركية. وكان التغير تدريجيا، ولم يظهر دفعة واحدة. وفي هذه المرحلة انطبقت كل معايير الاحتلال على الحالة العراقية، حيث قام جيش اجنبي بفرض سيطرته وسلطته على البلاد، واقامة ادارة تابعة له ممثلة في مجلس الحكم، الذي كان من الناحية العملية فاقدا للصلاحيات التي تركزت بيد الحاكم المدني العام رئيس سلطة الائتلاف السفير بول بريمر. استمرت هذه المرحلة الى يوم 28 حزيران من عام 2004. الاستثناء الوحيد تمثل في ان القوات المحتلة لم تكن تعتبر قوات "عدوة"، بل قوات حليفة او صديقة.
المرحلةالثالثة: استعادة السيادة، اعتبارا من 28 حزيران 2004 الى الان، بموجب قرار مجلس الامن الدولي المرقم 1546 الذي نص على نقل السيادة من القوات الأجنبية إلى الحكومة العراقية المنتخبة بنهاية شهر حزيران (يونيو) من ذلك العام، وأطلق على القوات الأجنبية وصفاً جديداً هو "القوات المتحالفة مع الحكومة العراقية" او القوات المتعددة الجنسيات.
في المرحلة الثالثة تغيرت طبيعة القوات الاميركية من الناحية القانونية.
فمن جهة اولى، لا يمكن اعتبارها قوات معادية.
وهي، ثانيا، موجودة في البلد بناء على موافقة الحكومة الوطنية، الحائزة على الشرعية الانتخابية والدستورية. اضافة الى انه ليس من الصحيح نسيان وتجاهل حقيقة ان هذه القوات انجزت ما لم يتمكن الشعب العراقي من انجازه خلال السنوات الثلاثين الماضية وهو اسقاط النظام الدكتاتوري.
وهي ثالثا، لا تمارس سلطات الحكومة الوطنية التي لم تتخل عن سلطاتها السيادية.
عدل سابقا من قبل الاداره في الأربعاء مارس 18, 2009 1:08 am عدل 1 مرات
السبت يناير 21, 2017 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» قصيده بعنوان كافي
الجمعة ديسمبر 19, 2014 7:50 am من طرف عدنان المعموري
» عن لسان ام الشاعر الراحل رحيم المالكي
الأحد يوليو 06, 2014 1:52 pm من طرف عدنان المعموري
» القصيدة التي أغضبت سلاطين المنطقة الخضراء
الثلاثاء أكتوبر 02, 2012 12:44 pm من طرف عدنان المعموري
» قصة مؤثرة عن غيرة النساء
الجمعة يونيو 29, 2012 1:06 am من طرف عدنان المعموري
» أبن شقيق الجعفري يكشف تفاصيل الاعتداء عليه بالضرب من قبل أبن شقيقة المالكي وأقربائه
الأربعاء مايو 23, 2012 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب / صاحب الضويري
السبت مايو 12, 2012 12:24 am من طرف عدنان المعموري
» خانقين..الوردة البيضاء..مدينة التآخي والسلام
الخميس فبراير 16, 2012 12:16 pm من طرف حسين:خانقين
» هدية لكم جميعا..مع باقات من النرجس من على سفوح جبال كردستان
الخميس فبراير 16, 2012 5:21 am من طرف حسين:خانقين
» الأشعة..منافعها واضرارها وهذا الحديث مع طبيبة اختصاصية في م. خانقين
الخميس فبراير 16, 2012 5:06 am من طرف حسين:خانقين
» دعوة للمشاركة
الخميس أكتوبر 06, 2011 9:22 am من طرف د.مسلم بديري
» قصص قصيرة جدا
الإثنين يوليو 18, 2011 5:00 pm من طرف د.مسلم بديري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:47 am من طرف عدنان المعموري
» زعلتك صدك
الثلاثاء يونيو 21, 2011 1:22 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب /للشاعر صاحب الضويري
الإثنين يونيو 13, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» أكميله للشاعر عارف مأمون
الإثنين أبريل 04, 2011 8:17 am من طرف عدنان المعموري
» كل ساعة انذبح من عرست لليوم وكل ساعة انسحك بجدام تذكارك
الإثنين أبريل 04, 2011 8:13 am من طرف عدنان المعموري
» قراءة الواقع الثقافي في العراق
السبت مارس 12, 2011 1:13 pm من طرف قاسم المعموري
» اشعل فتيلها الكادحون والرافضون للظلم
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:05 pm من طرف قاسم المعموري