المقالة السابعة
محمد عبد الجبار الشبوط
البعث بعد صدام
يتلخص القصد من هذا المقال البحث في كيفية تمهيد الارضية لاعادة اندماج البعثيين (بشرط عدم ارتكاب الجرائم بحق العراقيين وعدم الاثراء غير المشروع، وعدم انطباق احكام الاجتثاث عليهم) في الحياة السياسية للمجتمع العراقي.
من حقي ان اعرف كيف ينوي البعثيون العودة الى السلطة، او المشاركة فيها؟ هل سوف يعتمدون على صوتي الانتخابي، وهذا ما يفرض عليهم الانتظار الى موعد الانتخابات البرلمانية القادمة، ام انهم سوف يلجأون الى السلاح لفرض انفسهم على المعادلة السياسية القائمة وشق طريقهم الى السلطة، كما فعلوا في عامي 1963 و1968؟
ومن حقي ان اعرف ان كان البعثيون يريدون اعادة الماضي، كما كان حتى بغياب صدام حسين، أي العودة الى نمط الحكم السابق الذي اتبعوه على مدى 35 سنة، ام انهم يحملون تصورا جديدا مغايرا للدولة والسلطة والحكم؟ وما هو هذا التصور المغاير؟ وهل سوف يراعون التغييرات التي حدثت في العراق وفي العالم، وفي مقدمتها امران: سقوط النظام البعثي وتحول الديمقراطية الى نمط عالمي انساني في الحكم؟
ومن حقي ان اعرف هل سيبقى البعثيون متمسكين بالمقولات الفكرية والسياسية لحزب البعث التي تمت صياغتها اصلا في اربعينيات القرن الماضي، و اخذت صيغتها الصارخة على يد صدام، على مستوى النظرية وعلى مستوى الممارسة، وفي مقدمتها فكرة الحزب الواحد-القائد، والقائد الضرورة، واحتكار السلطة، او دكتاتورية الحزب الواحد، بقائده الملهم، وجواز اللجوء الى العنف والاكراه في التعامل مع المعارضين والمنافسين السياسيين واعتماد الاعدام كعقوبة وحيدة لهؤلاء وسياسة التمييز الطائفي والعنصري ضد فئات من الشعب العراقي وشن الحروب العدوانية على دول الجوار، مثل ايران والكويت؟ او مثل القول بان"الوطن العربي للعرب، ولهم وحدهم حق التصرف بشؤونه وثرواته وتوجيه مقدراته"، ماذا بشأن الكرد والتركمان والبربر والقوميات الاخرى التي تشاركنا العيش في ارض واحدة؟ هل يتم التخلص منهم، عبر تصفيتهم جسديا وتعريب مناطقهم، او دفعهم الى الانفصال عن الوطن العربي؟
ومن حقي ان اعرف هل سيتصرف البعثيون على اساس شعارات عامة مثل "لا حرية لاعداء الشعب"، و"القضاء على الرجعية" وما شابه من ذلك من العبارات السياسية الايديولوجية التي تحمل ضمنا الاتهام وتوحي مسبقا بالعقوبة التي كانت تستخدم لضرب معارضي الحزب من الشيوعيين والاسلاميين وغيرهم؟
امام البعثيين، في سياق الاجابة عن اسئلتي اعلاه، طريقان:
الطريق الاول: التمسك بارثهم السياسي والفكري بما في ذلك ارث الممارسة العملية للنظام السابق. وفي هذه الحالة لن اصوت لهم في الانتخابات البرلمانية ولا الانتخابات في المحافظات ولن اتمنى لهم أي دور في الحياة السياسية العراقية الحالية.
الطريق الثاني: الشروع من نقطة انطلاق جديد، يتم تحديدها بعد اجراء مراجعة شاملة للفكر والمنطلقات والممارسات وتعديلها او تغييرها او اضافة افكار جديدة تتناسب مع دخول العالم ومعه العراق والعرب القرن الحادي والعشرين، الذي جاء بمتغيرات هائلة عزلهم عنها صدام في السنوات الخمس والثلاثين الاخيرة، بفعل الحصار السياسي والفكري والثقافي الذي فرضه على العراقيين جميعا من بعثيين وغيرهم.
وافترض ان هذه التغييرات سوف تجعل البعثيين حزبا عراقيا، وليس حزبا قوميا، وحزبا ديمقراطيا، ما يفتح الباب امامهم لدخول العملية السياسية من بابها الطبيعي.
في الحديث عن "عودة" البعثيين، يجب التفريق بين امرين:
الاول: حزب البعث، بوصفه كيانا سياسيا حكم العراق على فترتين، الاولى من شهر شباط 1963 واستمرت لمدة تسعة اشهر، وكان ابرز ما علق منها في ذاكرة العراقيين الحرس القومي، والصراعات المريرة بين البعثيين انفسهم. والثانية، من عام 1968 الى عام 2003. وفيه الكثير مما علق في اذهان العراقيين من الخبرات المؤلمة مثل الانفال وحلبجة والاهوار والاعدامات العشوائية والحروب العدوانية وغير ذلك.
ثمة موقفان دستوريان متعلقان بالمسألة لا يجوز اهمالها وتجاهلها.
الموقف الاول: الحزب
ان حزب البعث محظور في العراق بموجب الدستور الدائم الذي اقر باستفتاء عام. وتقول الفقرة الاولى من المادة (7) منه "يحظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الارهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه وتحت اي مسمى كان، ولا يجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون"
ومن الواضح ان هذه المادة تشكل قيدا للمادة (39) من الدستور التي تقول في فقرتها الاولى: "حرية تأسيس الجمعيات والاحزاب السياسية، أو الانضمام اليها مكفولة، وينظم ذلك بقانون."
فهذه الكفالة لا تشمل حزب البعث. الثاني: ان الدولة تتبنى سياسية اسمها "اجتثاث البعث"، التي فصلت احكامها المادة (135) من الدستور ضمن فصل "الاحكام الانتقالية" كما يلي:
أولاً ـ تواصل الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث اعمالها بوصفها هيئة مستقلة بالتنسيق مع السلطة القضائية والاجهزة التنفيذية في اطار القوانين المنظمة لعملها وترتبط بمجلس النواب.
ثانياً ـ لمجلس النواب حل هذه الهيئة بعد انتهاء مهمتها بالاغلبية المطلقة.
ثالثاً ـ يشترط في المرشح لمنصب رئيس الجمهورية ورئيس واعضاء مجلس الوزراء ورئيس واعضاء مجلس النواب ورئيس واعضاء مجلس الاتحاد والمواقع المتناظرة في الاقاليم واعضاء الهيئات القضائية والمناصب الاخرى المشمولة باجتثاث البعث وفقا للقانون ان يكون غير مشمول باحكام اجتثاث البعث.
رابعاً ـ يستمر العمل بالشروط المذكورة في البند (ثالثا) من هذه المادة ما لم تحل الهيئة المنصوص عليها في البند "اولا" من هذه المادة.
خامساً ـ مجرد العضوية في حزب البعث المنحل لا تعد أساساً كافياً للإحالة إلى المحاكم، ويتمتع العضو بالمساواة أمام القانون والحماية ما لم يكن مشمولاً بأحكام اجتثاث البعث والتعليمات الصادرة بموجبه.
سادساً ـ يشكّل مجلس النواب لجنة نيابية من أعضائه لمراقبة ومراجعة الإجراءات التنفيذية للهيئة العليا لاجتثاث البعث ولأجهزة الدولة لضمان الموضوعية والشفافية والنظر في موافقتها للقوانين. وتخضع قرارات اللجنة لموافقة مجلس النواب." الموقف الثاني: الافراد المنتسبون الى الحزب
ا. المنتسبون الى حزب البعث مواطنون كاملو الاهلية، يتمتعون بنفس الحقوق التي يتمع بها المواطنون الاخرون، بموجب الفقرة الخامسة من المادة 135 من الدستور التي تقول في شطر منها:" ويتمتع العضو بالمساواة أمام القانون والحماية ما لم يكن مشمولاً بأحكام اجتثاث البعث والتعليمات الصادرة بموجبه"
ومن هذه الحقوق حسب مواد الدستور العراقي الدائم على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر:
المادة (14): العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الاصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي.
المادة (15): لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية، ولايجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها إلا وفقاً للقانون، وبناءً على قرار صادر من جهة قضائية مختصة.
المادة (20): للمواطنين، رجالاً ونساءً حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح. المادة (37):أولاً: أ ـ حرية الانسان وكرامته مصونة.
ثانياً : تكفل الدولة حماية الفرد من الاكراه الفكري والسياسي والديني. المادة (38): تكفل الدولة وبما لايخل بالنظام العام والاداب:
اولاًـ حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.
ثانياً ـ حرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر.
ثالثاً ـ حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون. المادة (39): اولاً ـ حرية تأسيس الجمعيات والاحزاب السياسية، أو الانضمام اليها مكفولة، وينظم ذلك بقانون. ثانياً ـ لايجوز اجبار احد على الانضمام إلى اي حزب أو جمعية أو جهة سياسية، أو اجباره على الاستمرار في العضوية فيها. ب. لم يعتبر الدستور مجرد الانتماء الى حزب البعث جريمة يحال مرتكبها الى المحاكم. والمقصود الانتماء الى الحزب قبل صدور الحظر، لانه الانتماء بعده يشكل مخالفة دستورية. وهذا صك براءة اولي لجميع البعثيين، فالاصل هي البراءة واشتغال الذمة هو الاستثناء. والبعثي بريء من جرائم صدام حتى تثبت ادانته عن طريق المحاكم.
ج. يمكن تصور ثلاث شرائح من البعثيين:
الشريحة الاولى: البعثيون الذين تلطخت ايديهم بدماء ابناء الشعب العراقي قبل وبعد سقوط نظام صدام، او الذين اثروا على حساب الشعب عن طريق توظيف مراكزهم الحزبية والرسمية لنهب الدولة العراقية، ويجب اثبات ذلك بالطرق الاصولية والقضائية. ومن المفروض ان يتولى القضاء النظر في الدعاوى المرفوعة في هذا الصدد، وان تأخذ العدالة مجراها الطبيعي. وقد يرغب العراقيون بالعمل وفق اسلوب العدالة الانتقالية، التي تنطوي على عنصر الاعتذار والقبول والتسامح، وهذا امر ممكن تم تطبيقه في جنوب افريقيا وحقق نجاحا.
الشريحة الثانية: تتألف من العروبيين الذين امنوا بافكار البعث التي كان يجري التبشير بها منذ اواخر الاربعينيات حول بعث الامة العربية ونهضتها، واعتقدوا بثلاثية الوحدة والحرية والاشتراكية، بوصفها الاهداف العليا للامة العربية، وحافظوا بعد ذلك على نظافتهم الحزبية والسياسية، وربما دفع بعضهم ثمنا باهضا لهذا، امثال عبد الخالق السامرائي الذي اعدمه صدام.
الشريحة الثالثة: تتألف من اولئك المواطنين العراقيين الذين وجدوا ان الانتساب الى حزب البعث الطريق الوحيد المتاح امامهم لدخول جامعة او الحصول على وظيفة او درجة وظيفية اعلى. ولربما لم يعودوا يعتبرون انفسهم بعثيين بعد سقوط النظام النظام البعثي. وبذا ينقسم البعثيون الى ثلاث شرائح.
د. الشريحة الاولى يؤول امرها الى القضاء العادل والقانون النزيه. وليست مقصود بهذا المقال. وكذلك الشريحة الثالثة. فالكلام فقط مخصص للشريحة الثانية. لا يجوز دستوريا وسياسيا حرمان افراد هذه الشريحة من كافة الحقوق التي ضمنها الدستور الدائم للمواطن العراقي بما في ذلك المشاركة في الحياة العامة، حسب المادة 20، وبما في ذلك الحق في الانتماء الى احزاب او تشكيل احزاب. لكن عليهم، كما هو الحال مع غيرهم، الالتزام بنصوص الدستور الدائم، بما في ذلك المادة التي تحظر حزب البعث رسميا. هذا هو الذي افهمه من عودة البعثيين الى الحياة السياسية، ومن اعادة اندماجهم فيها.
عدل سابقا من قبل الاداره في الأربعاء مارس 18, 2009 1:06 am عدل 5 مرات
السبت يناير 21, 2017 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» قصيده بعنوان كافي
الجمعة ديسمبر 19, 2014 7:50 am من طرف عدنان المعموري
» عن لسان ام الشاعر الراحل رحيم المالكي
الأحد يوليو 06, 2014 1:52 pm من طرف عدنان المعموري
» القصيدة التي أغضبت سلاطين المنطقة الخضراء
الثلاثاء أكتوبر 02, 2012 12:44 pm من طرف عدنان المعموري
» قصة مؤثرة عن غيرة النساء
الجمعة يونيو 29, 2012 1:06 am من طرف عدنان المعموري
» أبن شقيق الجعفري يكشف تفاصيل الاعتداء عليه بالضرب من قبل أبن شقيقة المالكي وأقربائه
الأربعاء مايو 23, 2012 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب / صاحب الضويري
السبت مايو 12, 2012 12:24 am من طرف عدنان المعموري
» خانقين..الوردة البيضاء..مدينة التآخي والسلام
الخميس فبراير 16, 2012 12:16 pm من طرف حسين:خانقين
» هدية لكم جميعا..مع باقات من النرجس من على سفوح جبال كردستان
الخميس فبراير 16, 2012 5:21 am من طرف حسين:خانقين
» الأشعة..منافعها واضرارها وهذا الحديث مع طبيبة اختصاصية في م. خانقين
الخميس فبراير 16, 2012 5:06 am من طرف حسين:خانقين
» دعوة للمشاركة
الخميس أكتوبر 06, 2011 9:22 am من طرف د.مسلم بديري
» قصص قصيرة جدا
الإثنين يوليو 18, 2011 5:00 pm من طرف د.مسلم بديري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:47 am من طرف عدنان المعموري
» زعلتك صدك
الثلاثاء يونيو 21, 2011 1:22 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب /للشاعر صاحب الضويري
الإثنين يونيو 13, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» أكميله للشاعر عارف مأمون
الإثنين أبريل 04, 2011 8:17 am من طرف عدنان المعموري
» كل ساعة انذبح من عرست لليوم وكل ساعة انسحك بجدام تذكارك
الإثنين أبريل 04, 2011 8:13 am من طرف عدنان المعموري
» قراءة الواقع الثقافي في العراق
السبت مارس 12, 2011 1:13 pm من طرف قاسم المعموري
» اشعل فتيلها الكادحون والرافضون للظلم
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:05 pm من طرف قاسم المعموري