السلوك السياسي للمرجعية الشيعية في العراق (الجزء الثاني )
ثانياً : دور المرجعية في مرحلة تكوين الدولة الحديثة في العراق .
مرحلة ( المجابهة والاحتواء – الاسلمة ) عاش الشيعة طيلة تاريخهم في ظل اضطهاد من السلطة السياسية بسبب مواقفهم في مناهضة الحكم الجائر الذي استمر منذ انتهاء الخلافة الراشدة وهو ما عرف في سائر الفقة الاسلامي بالملك الغصوض ، حيث كانت البيعة تؤخذ من الناس بالاكراه والقوة وبشكل صوري ، وهو ما نظر له بعض الفقهاء من وعاظ السلاطين في نظرية الاستيلاء والتغلب ، واستمر هذا الاضطهاد الطائفي خلال العهد العثماني بشكل اكبر خاصة في ظل الصراع بين العثمانيين والصفويين حول السيطرة على العراق .
وفي مطلع القرن العشرين كانت الامبراطورية العثمانية في طور التحلل وتصاعد النفوذ الاوربي في انحاءها من خلال ما عرف بالمسألة الشرقية او دولة الرجل المريض .
وخلال هذه المرحلة ولدت ارهاصات بناء الدولة الحديثة في العراق كما في المنطقة ، وكان للشيعة ومرجعيتهم الاثر الواضح في التكوين السياسي والاجتماعي الداخلي لهذه الدولة ، لكن هذا الاثر لم ينطلق من تلك الخلفية الاليمة وانما ارتفع فوق مستوى المظلمة التاريخية التي احاقت برموز واتباع هذا المذهب وفوق مستوى الاحداث بل والعقلية والذكر السائد في مرحلتها سوءاَ على صعيد السلطة الحاكمة او الواقع الاجتماعي الذي افرزته هذه السلطة وعززته التراكمات والصراعات الطائفية .
ان الشواهد التاريخية في هذا الصدد عديدة ، ويمكن ان نعزو تبلور الاتجاه السياسي المعاصر للمرجعية الى مرحلة مجابهة التغلغل الاستعماري في نهاية القرن التاسع عشر ، ومحاولات احتواء الطروحات التغريبية خاصة على الصعيد السياسي – وهو موضوع بحثنا – برؤية اسلامية معاصرة وهو ما اشرنا له بالاسلمة التي مثلت احد السمات الرئيسية التي ستمتد حتى يومنا الحالي ، ومن ابرز تلك المواقف فتوى التنباك المعروفة التي اعلنها المرجع الميرزا حسن الشيرزاي في كربلاء عام 1891 ضد احتكار تجارة التنباك في ايران من قبل شركة بريطانية مما شكل تحدي لسلطة الشاه ناصر الدين والدولة الايرانية التي كانت تعتبر المؤازر والداعم الرئيسي للمذهب الشيعي في الداعم الرئيسي للمذهب الشيعي في العراق بل والعالم انذاك ، مما اضطر الشاه الى التراجع والغاء الاتفاقية .
الا ان بلوغ النجف ذروتها كمركز للوعي الاسلامي – السياسي انذاك حدث اثناء حركة المشروطة في تركيا وايران ابتداءاَ من العام 1906 حيث اصبح علماء الشيعة الاداة الرئيسية في النشاط والتحريك السياسي فقد انقسموا بين فريق مؤيد وفي مقدمتهم المجتهدين البارزين " السيد محمد تقي الشيرازي في سامراء ، الشيخ فتح الله شيخ الشريعة الاصفهاني في النجف " ، فيما التزم فريق اخر موقفاً سلبياً متحفظاً ومن ابرزهم السيد كاظم اليزدي
وتحول النقاش من أوساط ونخب المثقفين ورجال الدين الى صفوف العامة في الجوامع والمدارس والمقاهي يثير الاذهان ويشكل احد عوامل اليقظة الفكرية والسياسية (5) .
وفي العام 1911 اعلن علماء العراق بما فيهم المرجع الاعلى السيد كاظم اليزدي الجهاد للدفاع عن طرابلس الغرب ( ليبيا ) ضد الاحتلال الايطالي بالرغم من كون ليبيا كانت تابعة للدولة العثمانية ويعتنق ابناءها من المسلمين المذهب السني .
ولم تكن تلك المواقف والاحداث الا بوادر لحركة الجهاد ضد الاحتلال الانكليزي في العام 1914 والتي استجاب فيها علماء الشيعة في العراق لفتوى الجهاد التي أصدرتها مشيخة الاسلام في اسطنبول ضد الحلفاء في الحرب العالمية الاولى (6) . ولم تكن اغلب عشائر العراق راغبة في الاستجابة لدعوة الدولة العثمانية وخاصة عشائر الفرات الاوسط بسبب سياسة هذه الدولة في اغتصاب اراضي العشائر وسجن العديد من شيوخها .
الا ان جهود رجال الدين وفتاواهم ومن ابرزهم السيد محمد سعد الحبوبي ، والشيخ عبد الكريم الجزائري والمرجع شيخ الشريعة الاصفهاني والسيد محسن الحكيم والشيخ محمد مهدي الخالصي وغيرهم ، وتقدم هذه النخبة الى ساحة القتال دفع بالعشائر الى الخروج الى الجبهة ومساندة الاتراك وخاصة في موقعة الشعيبة .
وبعد ان تمكن الانكليز من احتلال العراق وتواصل دور المرجعية في اتجاهات عديدة وعلى مستويات شتى ، من بينها محاولة المندوب السامي البريطاني في العراق السير ارنولد ولسن لاجراء استفتاء 1918-1919 بين عينة من الاقطاعيين والاعيان الموالين كتفويض شكلي للحكم الاجنبي المباشر .
الا ان ابرز الموقف في افشال هذا الاستفتاء هو ادوار ملائية كربلاء والنجف والكاظمية واهم من ذلك فتوى الامام الشيرازي في 23/1/1919 " عدم انتخاب غير مسلم للأمارة على السلطنة على المسلمين " (7) .
وفي شباط عام 1919 أرسل الشيرازي وشيخ الشريعة الاصفهاني برقية الى رئيس الولايات المتحدة الامريكية ترودو ويلسون الذي اعلن مبادئه في الديمقراطية وحق تقرير المصير تضمنت البرقية ( اختيار دولة جديدة عربية مستقلة اسلامية وملك مسلم مقيد بمجلس وطني ) .
وفي الاول من مارس 1920 اصدر المرجع الاعلى الشيخ محمد تقي الشيرزاي فتوى تحريم توظيف المسلمين في الادارة البريطانية .
وكانت تلك الخطوات مقدمات لثورة العشرين التي فجرت في 30 حزيران من منطقة الرميثة الى مناطق الفرات الاوسط وعموم العراق ، وكانت تلك الثورة بقيادة الامام الشيرازي الذي أفتى " مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين ..ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية اذا امتنع الانكليز عن قبول مطالبهم "
وشكل الامام الشيرازي ثلاثة مجالس لقيادة الثورة " العلمي ،الملي ، الحربي " ، الا ان الانكليز استطاعوا من اغتيال الشيرازي عبر السم في 17/8/1920 ، لتؤول المرجعية بعده الى شيخ الشريعة الاصفهاني .
واستمر الموقف السياسي للمرجعية في رفض الانتداب والدعوة الى الاستقلال وتشكيل حكومة مقيدة ، وقد اصدر " الاصفهاني ، النائيني ، الخالصي " في عام 1922 فتاوى في رفض المعاهدة العراقية – البريطانية ورفض المشاركة في الانتخابات المجلس التأسيسي مما ادى الى قرار الحكومة العراقية بأيعاز من البريطانيين الى تسفير عدد كبير من علماء ومجتهدي الحوزة عام 1923 ، ولم يسمح لهم بالعودة الا في العام 1924 بعد ان فرض عليهم التعهد خطياً بعدم التدخل في الشؤون السياسية ( .
ان اهم ادوار المرجعية لهذه المرحلة تتمثل في تشكيل الوعي السياسي الوطني لدى شرائح واسعة من القطاعات التي ستلجأ لها وتنبثق عنها كل الحركات الاستقلالية والتيارات السياسية ، وبذلك اخرجت المجتمع العراقي من حالة الركود والخواء الفكري والسلبية التي كان عليها في التيارات السياسية وبذلك اخرجت المجتمع العراقي من حالة الركود والخواء الفكري والسلبية التي كان عليها في العهد العثماني ، كذلك سعت المرجعية الى تجاوز الانقسامات المذهبية والولاءات الفئوية الى الاسس المعاصرة للتمايز والاختلاف حول القضايا الفكرية والسياسية العامة .
السبت يناير 21, 2017 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» قصيده بعنوان كافي
الجمعة ديسمبر 19, 2014 7:50 am من طرف عدنان المعموري
» عن لسان ام الشاعر الراحل رحيم المالكي
الأحد يوليو 06, 2014 1:52 pm من طرف عدنان المعموري
» القصيدة التي أغضبت سلاطين المنطقة الخضراء
الثلاثاء أكتوبر 02, 2012 12:44 pm من طرف عدنان المعموري
» قصة مؤثرة عن غيرة النساء
الجمعة يونيو 29, 2012 1:06 am من طرف عدنان المعموري
» أبن شقيق الجعفري يكشف تفاصيل الاعتداء عليه بالضرب من قبل أبن شقيقة المالكي وأقربائه
الأربعاء مايو 23, 2012 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب / صاحب الضويري
السبت مايو 12, 2012 12:24 am من طرف عدنان المعموري
» خانقين..الوردة البيضاء..مدينة التآخي والسلام
الخميس فبراير 16, 2012 12:16 pm من طرف حسين:خانقين
» هدية لكم جميعا..مع باقات من النرجس من على سفوح جبال كردستان
الخميس فبراير 16, 2012 5:21 am من طرف حسين:خانقين
» الأشعة..منافعها واضرارها وهذا الحديث مع طبيبة اختصاصية في م. خانقين
الخميس فبراير 16, 2012 5:06 am من طرف حسين:خانقين
» دعوة للمشاركة
الخميس أكتوبر 06, 2011 9:22 am من طرف د.مسلم بديري
» قصص قصيرة جدا
الإثنين يوليو 18, 2011 5:00 pm من طرف د.مسلم بديري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:47 am من طرف عدنان المعموري
» زعلتك صدك
الثلاثاء يونيو 21, 2011 1:22 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب /للشاعر صاحب الضويري
الإثنين يونيو 13, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» أكميله للشاعر عارف مأمون
الإثنين أبريل 04, 2011 8:17 am من طرف عدنان المعموري
» كل ساعة انذبح من عرست لليوم وكل ساعة انسحك بجدام تذكارك
الإثنين أبريل 04, 2011 8:13 am من طرف عدنان المعموري
» قراءة الواقع الثقافي في العراق
السبت مارس 12, 2011 1:13 pm من طرف قاسم المعموري
» اشعل فتيلها الكادحون والرافضون للظلم
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:05 pm من طرف قاسم المعموري