خارج العاصمة
محمد خضير
تتجه النيّة في مجلس النوّاب لمناقشة مشروع (البصرة عاصمة اقتصادية), ويأتي هذا المشروع بعد إعلان وزارة الثقافة (البصرة عاصمة ثقافية).
تحتشد النوايا على أبواب البصرة في ذروة الاستعداد لجولات انتخابية جديدة لحكم المركز السياسي والاقتصادي والثقافي في البلاد
فكأن الانتقال من عاصمة إلى عاصمة تحليق في فضاء خال من العوائق على مناطق شاسعة لا تحظى بنظرة متأملة لمساحاتها, ولا بسفرة طويلة تخترق المشاقّ على أديمها. تمتد هذه المناطق حول العاصمتين شمالاً وجنوباً, يغطي طبيعتها الهادئة الجميلة ستار من الإهمال والجفاف, ولا يعني إيقاظ وجودها الطبيعي والثقافي أحداً من مخططي المستقبل وهواة السفر في أجواء العواصم. ما زال البحث النظري للثقافة والتخطيط الاقتصادي في المكاتب المغلقة داءً مثالياً ابتُليت به النخبة العراقية طيلة عقود من تحولات المناخ السياسي, ما عدا محاولات ميدانية قليلة جديرة بالاعتبار, كمحاولة الدكتور شاكر مصطفى سليم للإقامة في منطقة (الجبايش) والبحث في أنثروبولوجيتها الغزيرة بالكنوز المعرفية والجمالية, حتى أصبح كتابه عنها موئلاً مقارناً للسفر الداخلي والإقامة في مدن عذراء كالشطرة وعلي الغربي والسماوة وسنجار والزبير والقرنة والفاو, وغيرها من مدن الذاكرة المرمية وراء الأفق الأدخن لعواصم النخبة الكسلى.
إن فكرتنا عن تعاضد الاقتصاد والثقافة لإنشاء مواقع جديدة للإنتاج خارج العاصمة, تقوم أساساً على عملية تفكيك التضخم الأيديولوجي والتراكم الرأسمالي في مركز العاصمة, وتوزيع ثروتيهما على الفراغات الأنثروبولوجية والإثنولوجية العاطلة من الإنتاج الثقافي والاقتصادي في مختلف أنحاء البلاد. وبدفع من هذه الفكرة صرت أحث نفسي على تخطيط محطات إنتاج ثقافي ومراكز بحث ميداني واستراحات سفر عند ملتقيات الأنهار وفي وديان الجبال, كما أمهد لخيالي السبيل كي يقيم أكاديمية فلكية في وسط الصحراء. لكني حين أرخي لخططي العنان يأخذني العجب من اتساع مساحة (الجمهورية) التي تراجعت أنوارها إلى داخل الأسوار, وتعطلت رحلات أبنائها البعيدة فاستبدّ بلغتهم الوحيدة الكسل والعنت ولم تدرّ عليهم بسوى قراطيس مقروءة في بقعتهم المنكمشة.
من جهة ثانية, قلما سمعنا من داخل أفقنا المحدود بسفارات بعيدة السفر, يحمل فيها رجال النخبة المرموقون رسائل تفاهم وحوار ووئام إلى أهرام الحكم في الدول المجاورة للعراق, التي تسبّبَ سحرُها الأسود في تدمير الروح العراقية المسالمة, ولم يعمل أولئك المشهورون بألقابهم الجامعية وشهاداتهم العلمية الكبيرة ومزاياهم السياسية المتنفّذة (وكان عددهم كبيراً في العراق) على إيصال صوت الرأي العام الخافت إلى ساحات الرأي العام العالمي من أجل كسب تضامنه وزرع بذور التقارب والتعايش السلمي بين الأطراف المتحاربة على حدود جغرافية وهمية ومطامع إقليمية زائلة, بل انطوى كل نخبويّ في موقعه وركنه في بلده, أو طلب السلامة في الهجرة إلى بلاد أخرى. بينما واصل هذا السعي الإيجابي دعاة سلام ورجال رأي وأدباء عالميون معروفون بيقظة ضمائرهم ونشاط سفاراتهم إلى العراق أمثال القس جيسي جاكسون وفارغاس يوسا والرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر.
لا أحسب أن الفضاء المدني لعواصم البلاد الثلاث (بغداد والبصرة والموصل) يصلح في الوقت الراهن لانطلاق سفارات داخلية وخارجية لتمثيل مصالح الرأي العام الثقافية والاقتصادية, ما لم تلغِ النخبة المتمركزة في أركانها الصُمّ عطلتها الطويلة, وتخرج إلى فضاءات المدن المقطوعة في طابو الحكم والثقافة والثروات الطبيعية. لنُقِمْ حكمنا الافتراضي أولاً على بقعة صغيرة لم يُؤشَر اسمها في خارطة السفر والإقامة, ثم لننطلق. ليسُق المثقف العراقي عربته أو حماره, كما فعل (جون شتاينبك) عندما قرر اكتشاف الولايات الأميركية بصحبة كلبه, ثم لننظر حولنا ولنكتسب هوية العالم بورقة مرور كما اكتسبها هاروكي موراكامي وحنيف قريشي وعتيق رحيمي والطاهر بن جلون وأهداف سويف. وأنت أيها الكاتب العراقي المهاجر, تستطيع أن تفعل ما تشاء, ما دمت سفيراً لذكرى تنّور مضطرم على حافة الأهوار
محمد خضير
تتجه النيّة في مجلس النوّاب لمناقشة مشروع (البصرة عاصمة اقتصادية), ويأتي هذا المشروع بعد إعلان وزارة الثقافة (البصرة عاصمة ثقافية).
تحتشد النوايا على أبواب البصرة في ذروة الاستعداد لجولات انتخابية جديدة لحكم المركز السياسي والاقتصادي والثقافي في البلاد
فكأن الانتقال من عاصمة إلى عاصمة تحليق في فضاء خال من العوائق على مناطق شاسعة لا تحظى بنظرة متأملة لمساحاتها, ولا بسفرة طويلة تخترق المشاقّ على أديمها. تمتد هذه المناطق حول العاصمتين شمالاً وجنوباً, يغطي طبيعتها الهادئة الجميلة ستار من الإهمال والجفاف, ولا يعني إيقاظ وجودها الطبيعي والثقافي أحداً من مخططي المستقبل وهواة السفر في أجواء العواصم. ما زال البحث النظري للثقافة والتخطيط الاقتصادي في المكاتب المغلقة داءً مثالياً ابتُليت به النخبة العراقية طيلة عقود من تحولات المناخ السياسي, ما عدا محاولات ميدانية قليلة جديرة بالاعتبار, كمحاولة الدكتور شاكر مصطفى سليم للإقامة في منطقة (الجبايش) والبحث في أنثروبولوجيتها الغزيرة بالكنوز المعرفية والجمالية, حتى أصبح كتابه عنها موئلاً مقارناً للسفر الداخلي والإقامة في مدن عذراء كالشطرة وعلي الغربي والسماوة وسنجار والزبير والقرنة والفاو, وغيرها من مدن الذاكرة المرمية وراء الأفق الأدخن لعواصم النخبة الكسلى.
إن فكرتنا عن تعاضد الاقتصاد والثقافة لإنشاء مواقع جديدة للإنتاج خارج العاصمة, تقوم أساساً على عملية تفكيك التضخم الأيديولوجي والتراكم الرأسمالي في مركز العاصمة, وتوزيع ثروتيهما على الفراغات الأنثروبولوجية والإثنولوجية العاطلة من الإنتاج الثقافي والاقتصادي في مختلف أنحاء البلاد. وبدفع من هذه الفكرة صرت أحث نفسي على تخطيط محطات إنتاج ثقافي ومراكز بحث ميداني واستراحات سفر عند ملتقيات الأنهار وفي وديان الجبال, كما أمهد لخيالي السبيل كي يقيم أكاديمية فلكية في وسط الصحراء. لكني حين أرخي لخططي العنان يأخذني العجب من اتساع مساحة (الجمهورية) التي تراجعت أنوارها إلى داخل الأسوار, وتعطلت رحلات أبنائها البعيدة فاستبدّ بلغتهم الوحيدة الكسل والعنت ولم تدرّ عليهم بسوى قراطيس مقروءة في بقعتهم المنكمشة.
من جهة ثانية, قلما سمعنا من داخل أفقنا المحدود بسفارات بعيدة السفر, يحمل فيها رجال النخبة المرموقون رسائل تفاهم وحوار ووئام إلى أهرام الحكم في الدول المجاورة للعراق, التي تسبّبَ سحرُها الأسود في تدمير الروح العراقية المسالمة, ولم يعمل أولئك المشهورون بألقابهم الجامعية وشهاداتهم العلمية الكبيرة ومزاياهم السياسية المتنفّذة (وكان عددهم كبيراً في العراق) على إيصال صوت الرأي العام الخافت إلى ساحات الرأي العام العالمي من أجل كسب تضامنه وزرع بذور التقارب والتعايش السلمي بين الأطراف المتحاربة على حدود جغرافية وهمية ومطامع إقليمية زائلة, بل انطوى كل نخبويّ في موقعه وركنه في بلده, أو طلب السلامة في الهجرة إلى بلاد أخرى. بينما واصل هذا السعي الإيجابي دعاة سلام ورجال رأي وأدباء عالميون معروفون بيقظة ضمائرهم ونشاط سفاراتهم إلى العراق أمثال القس جيسي جاكسون وفارغاس يوسا والرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر.
لا أحسب أن الفضاء المدني لعواصم البلاد الثلاث (بغداد والبصرة والموصل) يصلح في الوقت الراهن لانطلاق سفارات داخلية وخارجية لتمثيل مصالح الرأي العام الثقافية والاقتصادية, ما لم تلغِ النخبة المتمركزة في أركانها الصُمّ عطلتها الطويلة, وتخرج إلى فضاءات المدن المقطوعة في طابو الحكم والثقافة والثروات الطبيعية. لنُقِمْ حكمنا الافتراضي أولاً على بقعة صغيرة لم يُؤشَر اسمها في خارطة السفر والإقامة, ثم لننطلق. ليسُق المثقف العراقي عربته أو حماره, كما فعل (جون شتاينبك) عندما قرر اكتشاف الولايات الأميركية بصحبة كلبه, ثم لننظر حولنا ولنكتسب هوية العالم بورقة مرور كما اكتسبها هاروكي موراكامي وحنيف قريشي وعتيق رحيمي والطاهر بن جلون وأهداف سويف. وأنت أيها الكاتب العراقي المهاجر, تستطيع أن تفعل ما تشاء, ما دمت سفيراً لذكرى تنّور مضطرم على حافة الأهوار
السبت يناير 21, 2017 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» قصيده بعنوان كافي
الجمعة ديسمبر 19, 2014 7:50 am من طرف عدنان المعموري
» عن لسان ام الشاعر الراحل رحيم المالكي
الأحد يوليو 06, 2014 1:52 pm من طرف عدنان المعموري
» القصيدة التي أغضبت سلاطين المنطقة الخضراء
الثلاثاء أكتوبر 02, 2012 12:44 pm من طرف عدنان المعموري
» قصة مؤثرة عن غيرة النساء
الجمعة يونيو 29, 2012 1:06 am من طرف عدنان المعموري
» أبن شقيق الجعفري يكشف تفاصيل الاعتداء عليه بالضرب من قبل أبن شقيقة المالكي وأقربائه
الأربعاء مايو 23, 2012 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب / صاحب الضويري
السبت مايو 12, 2012 12:24 am من طرف عدنان المعموري
» خانقين..الوردة البيضاء..مدينة التآخي والسلام
الخميس فبراير 16, 2012 12:16 pm من طرف حسين:خانقين
» هدية لكم جميعا..مع باقات من النرجس من على سفوح جبال كردستان
الخميس فبراير 16, 2012 5:21 am من طرف حسين:خانقين
» الأشعة..منافعها واضرارها وهذا الحديث مع طبيبة اختصاصية في م. خانقين
الخميس فبراير 16, 2012 5:06 am من طرف حسين:خانقين
» دعوة للمشاركة
الخميس أكتوبر 06, 2011 9:22 am من طرف د.مسلم بديري
» قصص قصيرة جدا
الإثنين يوليو 18, 2011 5:00 pm من طرف د.مسلم بديري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:47 am من طرف عدنان المعموري
» زعلتك صدك
الثلاثاء يونيو 21, 2011 1:22 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب /للشاعر صاحب الضويري
الإثنين يونيو 13, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» أكميله للشاعر عارف مأمون
الإثنين أبريل 04, 2011 8:17 am من طرف عدنان المعموري
» كل ساعة انذبح من عرست لليوم وكل ساعة انسحك بجدام تذكارك
الإثنين أبريل 04, 2011 8:13 am من طرف عدنان المعموري
» قراءة الواقع الثقافي في العراق
السبت مارس 12, 2011 1:13 pm من طرف قاسم المعموري
» اشعل فتيلها الكادحون والرافضون للظلم
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:05 pm من طرف قاسم المعموري