[size=24]عسكرة المجتمع نخر في بناء الدولة الحديثة
عدنان الصالحي/ مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث
تعيش اغلب الشعوب الشرق اوسطية والعالم الثالث مفهوم العسكرة بثقافتها وسلوكياتها واساليب تفكيرها منذ مئات السنين، والعسكرة بمفهومها الفني المحض إستراتيجية تعبوية وتدابير احترازية لا غبار عليها قد تلجأ لها الدول في حالة الطوارئ او لمواجهة عدوان خارجي او اختلال في الوضع الامني الداخلي، الا انها تبقى حالة طارئة تنتج بوجود المؤثر وتنتهي بزواله وبانقشاع الظروف التي شكلت تواجده في دولة واوجدته في وضع معين.
والعسكرة رغم اهميتها في بعض الاحيان الا انها تبقى ضيف غير مرحب به على الجسد المدني للمجتمع يرغب برحيلها باسرع الاوقات، حيث يرى اكثر الباحثين بان المفهوم بشموليته، كمنظومة فكرية ومؤسساتية، هو امتداد للنموذج (الاسبارطي)، وهو النظام الاول من نوعه، على المستوى التنظيمي والتعبوي والفكري.
لا نقصد بالعسكرة هو ان يكون الجميع في حالة خضوع للماكنة العسكرية ومنظومتها الاستخبارية بل ان العسكرة قد تنتج بشيء تتابعي ناتج من خضوع الدولة بسائر مؤسساتها لقرار المنظومة العسكرية تخطيطا وتنفيذا، وهذا ما يحدث في عموم دول العالم الثالث تقريبا حيث يعيش حالة من التسلط المقيت للاجهزة الامنية وتدخلها السافر في جميع نواحي الحياة، بحيث ان المواطن البسيط لايمكن تعيينه او توظيفه في دائرة ما الا بموافقة اجهزة الامن والاستخبارت وكذا الحال في الترشح لمنصب معين او حتى التنافس على مقعد دراسي وغير ذلك، بل ويصبح الفرد في مثل تلك الدول لايخاف من اي جهاز قضائي ورقابي بقدر خوفه من الاجهزة الامنية والاستخبارية بعنوانها القمعي لا القانوني.
ان الاجهزة الامنية في الانظمة العربية تعتبر صاحبة القرار النهائي الذي تبنى عليه الحكومات سياساتها، ولاعجب في ذلك فالكثير من رؤساء تلك الدول هم جزء طبيعي من المنظومة العسكرية وهو يحمل رتبة معينة فيها، بل ان الكثير منهم جاءت به تلك المنظومة المرعبة الى سدة الحكم ولم يكن للشعب اي دور في تنصيبه او اقالته.
لقد شكلت العسكرة في اكثر الدول الشرق اوسطية حالة من الكبت النفسي للشعوب وطوقته باسوار متعددة اولها التنصت السري والمتابعة (الظلية) واخرها الاعتقال التعسفي لتكون بذلك ثقافة مستشرية وحالة معاشة يوميا، اما شعارات الاجهزة الامنية المنفذة لمفهوم العمل العسكري من خدميتها للمجتمع وحفظها لامنه فهي اصبحت لدى المواطن العربي لاتتعدى كلمات توضع على الجدران لتغازل مشاعر المسؤولين المهمين على اساس انهم يملكون دولة مثالية الحكم والادارة.
الحديث بهذا الاتجاه ليس الغاية منه التهجم على المنظومة العسكرية بمعناها المهني ووظيفتها المقدسة بالدفاع عن ارواح الابرياء وسلامتهم فهي مؤسسات وطنية في انشائها وتكوينها الا ان اغلبها انحرف عن مهمته الاصلية ليكون اداة بيد الدكتاتورية لقمع الشعوب ووأد الحريات، فبدلا من أن تكون في خدمة المجتمع وحمايته أصبحت عبئا عليه، وينخر جسدها، فترى اغلب المنتسبين فيها يخجل من أن يكشفوا وجوههم للناس، وبشكل خاص بعد انتهاء مدة الخدمة، مما يعني أنهم في قرارة أنفسهم يعلمون أن المجتمع لا يقبل بسلوكياتهم.
الامثلة والقرائن على السير في سلوك الجانب العسكري المشدد وتغييب الواقع المدني، كثيرة الا انها بقيت في حالة بعيدة عن الاضواء في كثير من الدول النامية غير المهتمة بجانب التعددية والحرية، الا في العراق حيث اخذت طابعا مميزا جعلت اسمه بحد ذاته مرتبطا ارتباطا وثيقا بحالة العسكر حكما ونظاما.
هذا الفكر والطريقة المستخدمة بشتى الاعذار من قبل الانظمة المتعاقبة في العراق جعلت منها ثقافة ملازمة لمفهوم الحكومة وغيبت وابعدت سيادة القانون المدني والتعايش الحضاري وابدلته بثقافة الخوف من شخوص العسكر ودوائر الامن ايا كان نوعها، وهذا بدوره ولّد خوفا مستشريا حتى في قمة الهرم لدى الحكومات من الانقلابات العسكرية.
ولتسليط الضوء بصورة مختصرة على اسباب ونتائج ظاهرة العسكرة يمكن استخلاص مايلي:
الاسباب:
1- التاريخ الطويل من استخدام الالة العسكرية في الاستحواذ على الحكم والمتمثلة بالانقلابات والمؤامرات والاغتيالات وغير ذلك من تصفيات جسدية وشخصية.
2- السياسات اللامنضبطة وغير المحسوبة من قبل الانظمة المتعاقبة على سدة الحكم في التاريخ الحديث والمعاصر والتي تجعل هدفها الاول محاربة العدو الخفي المتمثل بـ(المؤامرات) التي رافق اسمها جميع الحكومات المعاصرة والسابقة والسياقات العسكرية المتبعة في ادارياتها.
3- الخطاب المتشدد والمعزز بالقوة المفرطة المستخدم في ادارة امور الدولة الامنية منها والخدمية على طول الفترات السابقة، بحيث ينظر الكثير من الموظفين والمواطنين لمدير الدائرة على انه جزء من منظومة عسكرية.
4- خوض الحروب المتتالية وجعل المجتمع عجلة تدور في فلكها، بدون اي دور له في ايقادا او ايقافها.
5- تقديم الجوانب العسكرية والامنية ووضعها على امتداد السنوات السابقة بالمرتبة الاولى قبال الجوانب التثقيفية والقانونية والاقتصادية ومؤسسات المجتمع المدني، مما حدا بالاغلب بالاتجاه نحو ايجاد فرص العمل داخل السلك الامني والعسكري طلبا للمال والسلطة.
6- عدم الجدية في معاقبة ومحاسبة القيادات الامنية في حال تجاوزها على المواطنين حتى لو خرقت تلك القيادات القوانين والانظمة.
7- منح الرتب الفخرية لمرات متتالية لشخصيات لاتجيد ابجدية العمل العسكري والامني وتسنمها مناصب ذات حساسية عالية بامن الدولة عموما والمواطن خصوصا،مع عدم مراعاة السيرة والسلوك لمن يمنح تلك الرتب.
عدنان الصالحي/ مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث
تعيش اغلب الشعوب الشرق اوسطية والعالم الثالث مفهوم العسكرة بثقافتها وسلوكياتها واساليب تفكيرها منذ مئات السنين، والعسكرة بمفهومها الفني المحض إستراتيجية تعبوية وتدابير احترازية لا غبار عليها قد تلجأ لها الدول في حالة الطوارئ او لمواجهة عدوان خارجي او اختلال في الوضع الامني الداخلي، الا انها تبقى حالة طارئة تنتج بوجود المؤثر وتنتهي بزواله وبانقشاع الظروف التي شكلت تواجده في دولة واوجدته في وضع معين.
والعسكرة رغم اهميتها في بعض الاحيان الا انها تبقى ضيف غير مرحب به على الجسد المدني للمجتمع يرغب برحيلها باسرع الاوقات، حيث يرى اكثر الباحثين بان المفهوم بشموليته، كمنظومة فكرية ومؤسساتية، هو امتداد للنموذج (الاسبارطي)، وهو النظام الاول من نوعه، على المستوى التنظيمي والتعبوي والفكري.
لا نقصد بالعسكرة هو ان يكون الجميع في حالة خضوع للماكنة العسكرية ومنظومتها الاستخبارية بل ان العسكرة قد تنتج بشيء تتابعي ناتج من خضوع الدولة بسائر مؤسساتها لقرار المنظومة العسكرية تخطيطا وتنفيذا، وهذا ما يحدث في عموم دول العالم الثالث تقريبا حيث يعيش حالة من التسلط المقيت للاجهزة الامنية وتدخلها السافر في جميع نواحي الحياة، بحيث ان المواطن البسيط لايمكن تعيينه او توظيفه في دائرة ما الا بموافقة اجهزة الامن والاستخبارت وكذا الحال في الترشح لمنصب معين او حتى التنافس على مقعد دراسي وغير ذلك، بل ويصبح الفرد في مثل تلك الدول لايخاف من اي جهاز قضائي ورقابي بقدر خوفه من الاجهزة الامنية والاستخبارية بعنوانها القمعي لا القانوني.
ان الاجهزة الامنية في الانظمة العربية تعتبر صاحبة القرار النهائي الذي تبنى عليه الحكومات سياساتها، ولاعجب في ذلك فالكثير من رؤساء تلك الدول هم جزء طبيعي من المنظومة العسكرية وهو يحمل رتبة معينة فيها، بل ان الكثير منهم جاءت به تلك المنظومة المرعبة الى سدة الحكم ولم يكن للشعب اي دور في تنصيبه او اقالته.
لقد شكلت العسكرة في اكثر الدول الشرق اوسطية حالة من الكبت النفسي للشعوب وطوقته باسوار متعددة اولها التنصت السري والمتابعة (الظلية) واخرها الاعتقال التعسفي لتكون بذلك ثقافة مستشرية وحالة معاشة يوميا، اما شعارات الاجهزة الامنية المنفذة لمفهوم العمل العسكري من خدميتها للمجتمع وحفظها لامنه فهي اصبحت لدى المواطن العربي لاتتعدى كلمات توضع على الجدران لتغازل مشاعر المسؤولين المهمين على اساس انهم يملكون دولة مثالية الحكم والادارة.
الحديث بهذا الاتجاه ليس الغاية منه التهجم على المنظومة العسكرية بمعناها المهني ووظيفتها المقدسة بالدفاع عن ارواح الابرياء وسلامتهم فهي مؤسسات وطنية في انشائها وتكوينها الا ان اغلبها انحرف عن مهمته الاصلية ليكون اداة بيد الدكتاتورية لقمع الشعوب ووأد الحريات، فبدلا من أن تكون في خدمة المجتمع وحمايته أصبحت عبئا عليه، وينخر جسدها، فترى اغلب المنتسبين فيها يخجل من أن يكشفوا وجوههم للناس، وبشكل خاص بعد انتهاء مدة الخدمة، مما يعني أنهم في قرارة أنفسهم يعلمون أن المجتمع لا يقبل بسلوكياتهم.
الامثلة والقرائن على السير في سلوك الجانب العسكري المشدد وتغييب الواقع المدني، كثيرة الا انها بقيت في حالة بعيدة عن الاضواء في كثير من الدول النامية غير المهتمة بجانب التعددية والحرية، الا في العراق حيث اخذت طابعا مميزا جعلت اسمه بحد ذاته مرتبطا ارتباطا وثيقا بحالة العسكر حكما ونظاما.
هذا الفكر والطريقة المستخدمة بشتى الاعذار من قبل الانظمة المتعاقبة في العراق جعلت منها ثقافة ملازمة لمفهوم الحكومة وغيبت وابعدت سيادة القانون المدني والتعايش الحضاري وابدلته بثقافة الخوف من شخوص العسكر ودوائر الامن ايا كان نوعها، وهذا بدوره ولّد خوفا مستشريا حتى في قمة الهرم لدى الحكومات من الانقلابات العسكرية.
ولتسليط الضوء بصورة مختصرة على اسباب ونتائج ظاهرة العسكرة يمكن استخلاص مايلي:
الاسباب:
1- التاريخ الطويل من استخدام الالة العسكرية في الاستحواذ على الحكم والمتمثلة بالانقلابات والمؤامرات والاغتيالات وغير ذلك من تصفيات جسدية وشخصية.
2- السياسات اللامنضبطة وغير المحسوبة من قبل الانظمة المتعاقبة على سدة الحكم في التاريخ الحديث والمعاصر والتي تجعل هدفها الاول محاربة العدو الخفي المتمثل بـ(المؤامرات) التي رافق اسمها جميع الحكومات المعاصرة والسابقة والسياقات العسكرية المتبعة في ادارياتها.
3- الخطاب المتشدد والمعزز بالقوة المفرطة المستخدم في ادارة امور الدولة الامنية منها والخدمية على طول الفترات السابقة، بحيث ينظر الكثير من الموظفين والمواطنين لمدير الدائرة على انه جزء من منظومة عسكرية.
4- خوض الحروب المتتالية وجعل المجتمع عجلة تدور في فلكها، بدون اي دور له في ايقادا او ايقافها.
5- تقديم الجوانب العسكرية والامنية ووضعها على امتداد السنوات السابقة بالمرتبة الاولى قبال الجوانب التثقيفية والقانونية والاقتصادية ومؤسسات المجتمع المدني، مما حدا بالاغلب بالاتجاه نحو ايجاد فرص العمل داخل السلك الامني والعسكري طلبا للمال والسلطة.
6- عدم الجدية في معاقبة ومحاسبة القيادات الامنية في حال تجاوزها على المواطنين حتى لو خرقت تلك القيادات القوانين والانظمة.
7- منح الرتب الفخرية لمرات متتالية لشخصيات لاتجيد ابجدية العمل العسكري والامني وتسنمها مناصب ذات حساسية عالية بامن الدولة عموما والمواطن خصوصا،مع عدم مراعاة السيرة والسلوك لمن يمنح تلك الرتب.
السبت يناير 21, 2017 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» قصيده بعنوان كافي
الجمعة ديسمبر 19, 2014 7:50 am من طرف عدنان المعموري
» عن لسان ام الشاعر الراحل رحيم المالكي
الأحد يوليو 06, 2014 1:52 pm من طرف عدنان المعموري
» القصيدة التي أغضبت سلاطين المنطقة الخضراء
الثلاثاء أكتوبر 02, 2012 12:44 pm من طرف عدنان المعموري
» قصة مؤثرة عن غيرة النساء
الجمعة يونيو 29, 2012 1:06 am من طرف عدنان المعموري
» أبن شقيق الجعفري يكشف تفاصيل الاعتداء عليه بالضرب من قبل أبن شقيقة المالكي وأقربائه
الأربعاء مايو 23, 2012 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب / صاحب الضويري
السبت مايو 12, 2012 12:24 am من طرف عدنان المعموري
» خانقين..الوردة البيضاء..مدينة التآخي والسلام
الخميس فبراير 16, 2012 12:16 pm من طرف حسين:خانقين
» هدية لكم جميعا..مع باقات من النرجس من على سفوح جبال كردستان
الخميس فبراير 16, 2012 5:21 am من طرف حسين:خانقين
» الأشعة..منافعها واضرارها وهذا الحديث مع طبيبة اختصاصية في م. خانقين
الخميس فبراير 16, 2012 5:06 am من طرف حسين:خانقين
» دعوة للمشاركة
الخميس أكتوبر 06, 2011 9:22 am من طرف د.مسلم بديري
» قصص قصيرة جدا
الإثنين يوليو 18, 2011 5:00 pm من طرف د.مسلم بديري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:47 am من طرف عدنان المعموري
» زعلتك صدك
الثلاثاء يونيو 21, 2011 1:22 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب /للشاعر صاحب الضويري
الإثنين يونيو 13, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» أكميله للشاعر عارف مأمون
الإثنين أبريل 04, 2011 8:17 am من طرف عدنان المعموري
» كل ساعة انذبح من عرست لليوم وكل ساعة انسحك بجدام تذكارك
الإثنين أبريل 04, 2011 8:13 am من طرف عدنان المعموري
» قراءة الواقع الثقافي في العراق
السبت مارس 12, 2011 1:13 pm من طرف قاسم المعموري
» اشعل فتيلها الكادحون والرافضون للظلم
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:05 pm من طرف قاسم المعموري