احتفالنا بالدخول (عيد النوروز) ايام زمان >>
بقلم ..د. عصمت
كنا صغارا في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات من القرن الماضي، نحتفل والأهل والعشيرة بعيد الدخول أو عيد دورة السنة الجديدة في الفرات الأوسط، كما يحتفل في هذا العيد جنوب العراق،
يقال بأن الأحتفال في هذا العيد تراث موروث منذ زمن السومرين والبابلين حيث اقاما حضارتيهما في ارض السواد (الأرض الخصبة) في وسط وجنوب العراق، فهم اول الأقوام التي احتفلت باليوم الأول من فصل الربيع يوم 21 من شهر آذار حيث يقوم الكهنة بالصلاة للأله مردوخ من اجل أن تعم الخضرة والأزهار سطح الأرض، كما يحتفل في هذا العيد الفرس والأفغان والكورد في ايران وتركيا وسوريا ولبنان وبعض دول الخليج كنتيجة حتمية لتفاعل ثقافات الشعوب المتجاورة والدليل على ذلك تشابه الكثير من طقوس الأحتفالات في هذه المناطق أو الدول.
في ذلك الوقت لا توجد كهرباء أو أسالة ماء في الناحية، يجلب الماء من نهر الدغارة أو من الجدول الواقع شرق القرية بواسطة أناء مخروطي الشكل يسمى المسخنة (بالهجة الدارجة يسمى المصخنه) مصنوع من القصدير أو من النحاس، عادة يكون الماء عكر لأحتوائه على الطمي الناتج من ذوبان الثلوج والفيضان في شهر آذار، توضع قطعة من ملح الشب في الماء وتحرك فيه فيصبح صافيا، يسكب قسم من الماء بعد تدفئته في حوض دائري مصنوع ايضا من القصدير أو من النحاس يسمى الطست (بالدارجة طشت) يبلغ قطره حوالي المتر، يجلس الواحد بعد الآخرفي وسطه فتقوم الوالدة يرحمها الله بغسل الشعر والرأس بصابون ابو الهيل (الركي) المصنوع من زيت الزيتون ومن ثم تقوم بتدليك الجذع والأطراف بليفة خشنة مصنوعة من ليف النخيل وتدعك القدمين بحجر اسود مثقب، واخيرا تصب الماء من ابريق على الرأس ونحن قيام وتلفنا بالمنشفة (الخاولي)، تقوم الوالدة قبل المنام وعلى ضوء الفانوس الخافت بوضع الحناء في ايدينا وتلف كل يد بخرقة من القماش ومن ثم ننام على مخدة يوضع تحتها اكياس من الجلوى والمكسرات ونبات اخضر (كصيل) عشب اوراقه عريضة ينمو مع نبات القمح (الحنطة) أو توضع الأوراق الطرفية من قصب البردي.
وفي صباح يوم 21 ننهض من النوم ونهنأ الوالدة بالعيد ونلبس الملابس الجديدة ونأخذ الحلوى والمكسرات الموضوعة تحت المخدة كما نأخذ البيض المسلوق الملونة قشرته، يخرج بعض افراد العائلة والصغار وعوائل القرية الى مقام ابو الفضل وبعض العوائل تذهب الى مقام نبي الله عون، يرقص الرجال الدبكة (الجوبي) والبعض منهم يشارك في سباق الخيل وسط زغاريد النسوة، تستمر الأحتفالات بعد تناول طعام الغداء الى مغيب الشمس ومن ثم تعود العوائل الى بيوتها.
تخرجنا من ثانوية الديوانية الوحيدة في اللواء سنة 1956، تم قبولنا في كلية الزراعة –أبو غريب- في نفس العام حيث قابلنا وتعرفنا على طلبة كورد من لواء السليمانية واربيل وكركوك وطلبة من الموصل والرمادي وبقية الألوية وكانت مفاجئة لنا وهي الأستماع للغة الكوردية واللهجة المصلاوية لأول مرة، اسكنونا في قاعات طويلة (قواويش) يتسع القاووش لأكثر من 40 طالب، لكل طالب سرير ودولاب حديدي، ينام العربي بجنب الكوردي والمسيحي بجنب المسلم ويتوسط الصابئي الشيعي والسني.
كان نشاط الطلبة الشيوعيين والبعثيين واضحا حيث يتم تبادل جريدة الحزب الشيوعي (القاعدة) وجريدة البعث (الرسالة) بين الطلبة، ويقوم بالنشاطات الطلابية اتحاد الطلبة العام من سفرات واعتصامات أو تظاهرات بمناسبة العدوان الثلاثي على مصر علما بأن تنظيم الطلبة هذا سري يتعرض نشطائه للملاحقة والسجن.
كان اتحاد الطلبة العام ينظم الأحتفالات والسفرات الى الصدور في ديالى أو الى عكركوف أو يقوم بحفلات داخل القسم الداخلي بمناسبة عيد النوروز العيد القومي لشعبنا الكوردي ويستذكر المحتفلون اسطورة كاوا الحداد الذي قاد ثورة الشعب ضد الطاغية الملك الضحاك حيث قام كاوا بأشعال النار على قمم الجبال اشارة لأنطلاق الثورة في يوم 21 آذار لهذا تعتبر النار رمزا لعيد النوروز.
فبعد 49 عاما من التخرج من كلية الزراعة و34 عاما من فراق جامعة السليمانية و30 عاما في الغربة لابد من تهنئة زملائي الكورد الأحياء منهم والترحم على الأموات بهذه المناسبة وأخص من الأموات د. كمال خوشناو ود. خسرو غني شالي ود. ناظم عبد القادر وكل من مات وأنا في الغربة، اللهم ادخلهم فسيح جناتك وتغمدهم برحمتك الواسعة، نهنئ كمال رمزي وعبد القادر احمد والدكاترة علي العسكري وهلكوت مصظفى وطارق العمادي وفرهاد امين وشيروان المفتي وصلاح الميراني وزوجته وكل احبتي الباقين الذين لم يرد ذكرهم كما اتمنى لشعبنا الكوردي التقدم والأزدهار.
تورونتوفي 19-3-2009.
بقلم ..د. عصمت
كنا صغارا في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات من القرن الماضي، نحتفل والأهل والعشيرة بعيد الدخول أو عيد دورة السنة الجديدة في الفرات الأوسط، كما يحتفل في هذا العيد جنوب العراق،
يقال بأن الأحتفال في هذا العيد تراث موروث منذ زمن السومرين والبابلين حيث اقاما حضارتيهما في ارض السواد (الأرض الخصبة) في وسط وجنوب العراق، فهم اول الأقوام التي احتفلت باليوم الأول من فصل الربيع يوم 21 من شهر آذار حيث يقوم الكهنة بالصلاة للأله مردوخ من اجل أن تعم الخضرة والأزهار سطح الأرض، كما يحتفل في هذا العيد الفرس والأفغان والكورد في ايران وتركيا وسوريا ولبنان وبعض دول الخليج كنتيجة حتمية لتفاعل ثقافات الشعوب المتجاورة والدليل على ذلك تشابه الكثير من طقوس الأحتفالات في هذه المناطق أو الدول.
في ذلك الوقت لا توجد كهرباء أو أسالة ماء في الناحية، يجلب الماء من نهر الدغارة أو من الجدول الواقع شرق القرية بواسطة أناء مخروطي الشكل يسمى المسخنة (بالهجة الدارجة يسمى المصخنه) مصنوع من القصدير أو من النحاس، عادة يكون الماء عكر لأحتوائه على الطمي الناتج من ذوبان الثلوج والفيضان في شهر آذار، توضع قطعة من ملح الشب في الماء وتحرك فيه فيصبح صافيا، يسكب قسم من الماء بعد تدفئته في حوض دائري مصنوع ايضا من القصدير أو من النحاس يسمى الطست (بالدارجة طشت) يبلغ قطره حوالي المتر، يجلس الواحد بعد الآخرفي وسطه فتقوم الوالدة يرحمها الله بغسل الشعر والرأس بصابون ابو الهيل (الركي) المصنوع من زيت الزيتون ومن ثم تقوم بتدليك الجذع والأطراف بليفة خشنة مصنوعة من ليف النخيل وتدعك القدمين بحجر اسود مثقب، واخيرا تصب الماء من ابريق على الرأس ونحن قيام وتلفنا بالمنشفة (الخاولي)، تقوم الوالدة قبل المنام وعلى ضوء الفانوس الخافت بوضع الحناء في ايدينا وتلف كل يد بخرقة من القماش ومن ثم ننام على مخدة يوضع تحتها اكياس من الجلوى والمكسرات ونبات اخضر (كصيل) عشب اوراقه عريضة ينمو مع نبات القمح (الحنطة) أو توضع الأوراق الطرفية من قصب البردي.
وفي صباح يوم 21 ننهض من النوم ونهنأ الوالدة بالعيد ونلبس الملابس الجديدة ونأخذ الحلوى والمكسرات الموضوعة تحت المخدة كما نأخذ البيض المسلوق الملونة قشرته، يخرج بعض افراد العائلة والصغار وعوائل القرية الى مقام ابو الفضل وبعض العوائل تذهب الى مقام نبي الله عون، يرقص الرجال الدبكة (الجوبي) والبعض منهم يشارك في سباق الخيل وسط زغاريد النسوة، تستمر الأحتفالات بعد تناول طعام الغداء الى مغيب الشمس ومن ثم تعود العوائل الى بيوتها.
تخرجنا من ثانوية الديوانية الوحيدة في اللواء سنة 1956، تم قبولنا في كلية الزراعة –أبو غريب- في نفس العام حيث قابلنا وتعرفنا على طلبة كورد من لواء السليمانية واربيل وكركوك وطلبة من الموصل والرمادي وبقية الألوية وكانت مفاجئة لنا وهي الأستماع للغة الكوردية واللهجة المصلاوية لأول مرة، اسكنونا في قاعات طويلة (قواويش) يتسع القاووش لأكثر من 40 طالب، لكل طالب سرير ودولاب حديدي، ينام العربي بجنب الكوردي والمسيحي بجنب المسلم ويتوسط الصابئي الشيعي والسني.
كان نشاط الطلبة الشيوعيين والبعثيين واضحا حيث يتم تبادل جريدة الحزب الشيوعي (القاعدة) وجريدة البعث (الرسالة) بين الطلبة، ويقوم بالنشاطات الطلابية اتحاد الطلبة العام من سفرات واعتصامات أو تظاهرات بمناسبة العدوان الثلاثي على مصر علما بأن تنظيم الطلبة هذا سري يتعرض نشطائه للملاحقة والسجن.
كان اتحاد الطلبة العام ينظم الأحتفالات والسفرات الى الصدور في ديالى أو الى عكركوف أو يقوم بحفلات داخل القسم الداخلي بمناسبة عيد النوروز العيد القومي لشعبنا الكوردي ويستذكر المحتفلون اسطورة كاوا الحداد الذي قاد ثورة الشعب ضد الطاغية الملك الضحاك حيث قام كاوا بأشعال النار على قمم الجبال اشارة لأنطلاق الثورة في يوم 21 آذار لهذا تعتبر النار رمزا لعيد النوروز.
فبعد 49 عاما من التخرج من كلية الزراعة و34 عاما من فراق جامعة السليمانية و30 عاما في الغربة لابد من تهنئة زملائي الكورد الأحياء منهم والترحم على الأموات بهذه المناسبة وأخص من الأموات د. كمال خوشناو ود. خسرو غني شالي ود. ناظم عبد القادر وكل من مات وأنا في الغربة، اللهم ادخلهم فسيح جناتك وتغمدهم برحمتك الواسعة، نهنئ كمال رمزي وعبد القادر احمد والدكاترة علي العسكري وهلكوت مصظفى وطارق العمادي وفرهاد امين وشيروان المفتي وصلاح الميراني وزوجته وكل احبتي الباقين الذين لم يرد ذكرهم كما اتمنى لشعبنا الكوردي التقدم والأزدهار.
تورونتوفي 19-3-2009.
السبت يناير 21, 2017 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» قصيده بعنوان كافي
الجمعة ديسمبر 19, 2014 7:50 am من طرف عدنان المعموري
» عن لسان ام الشاعر الراحل رحيم المالكي
الأحد يوليو 06, 2014 1:52 pm من طرف عدنان المعموري
» القصيدة التي أغضبت سلاطين المنطقة الخضراء
الثلاثاء أكتوبر 02, 2012 12:44 pm من طرف عدنان المعموري
» قصة مؤثرة عن غيرة النساء
الجمعة يونيو 29, 2012 1:06 am من طرف عدنان المعموري
» أبن شقيق الجعفري يكشف تفاصيل الاعتداء عليه بالضرب من قبل أبن شقيقة المالكي وأقربائه
الأربعاء مايو 23, 2012 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب / صاحب الضويري
السبت مايو 12, 2012 12:24 am من طرف عدنان المعموري
» خانقين..الوردة البيضاء..مدينة التآخي والسلام
الخميس فبراير 16, 2012 12:16 pm من طرف حسين:خانقين
» هدية لكم جميعا..مع باقات من النرجس من على سفوح جبال كردستان
الخميس فبراير 16, 2012 5:21 am من طرف حسين:خانقين
» الأشعة..منافعها واضرارها وهذا الحديث مع طبيبة اختصاصية في م. خانقين
الخميس فبراير 16, 2012 5:06 am من طرف حسين:خانقين
» دعوة للمشاركة
الخميس أكتوبر 06, 2011 9:22 am من طرف د.مسلم بديري
» قصص قصيرة جدا
الإثنين يوليو 18, 2011 5:00 pm من طرف د.مسلم بديري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:47 am من طرف عدنان المعموري
» زعلتك صدك
الثلاثاء يونيو 21, 2011 1:22 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب /للشاعر صاحب الضويري
الإثنين يونيو 13, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» أكميله للشاعر عارف مأمون
الإثنين أبريل 04, 2011 8:17 am من طرف عدنان المعموري
» كل ساعة انذبح من عرست لليوم وكل ساعة انسحك بجدام تذكارك
الإثنين أبريل 04, 2011 8:13 am من طرف عدنان المعموري
» قراءة الواقع الثقافي في العراق
السبت مارس 12, 2011 1:13 pm من طرف قاسم المعموري
» اشعل فتيلها الكادحون والرافضون للظلم
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:05 pm من طرف قاسم المعموري