أبو القاسم الشابي ناقدا-(1)
ريم العيساوي
تتعلق المسالة بأهم عمل نثري تنظيري لأبي القاسم الشابي ، وهو محاضرة "الخيال الشعري عند العرب " تلك المحاضرة التي صدّرها بكلمة تكشف قلقه المعرفي بموضوعه والتي وضعها في إطار الصراع بين الماضي والمستقبل حين قال: "لقد أصبحنا نتطلب حياة قوية مشرقة ملؤها العزم والشباب ، ومن يتطلب الحياة فليعبد غده الذي في قلب الحياة . أما من يعبد أمسه وينسى غده فهو من أبناء الموت "
نشرت هذه المحاضرة في كتاب ، طبعة أولى عن دار المعارف للطباعة والنشر _ سوسة – تونس ، في 202 صفحة سنة 1998 .وجاء الكتاب في سبعة أبواب ‘ بعد الإهداء وكلمة المؤلف والتمهيد والمقدمة بقلم الأديب زين العابدين السنوسي عالجت أبواب الكتاب نشأة الخيال في الفكر البشري وأقسام الخيال – الخيال الشعري والأساطير العربية – الخيال الشعري والطبيعة في الأدب العربي – الخيال الشعري والمرأة في الأدب العربي – الخيال الشعري والقصة في الأدب العربي - فكرة عامة عن الأدب العربي – الروح العربية .
لا يخفى على الناس أن شاعرية أبى القاسم الشابي ذاع صيتها شرقاً وغرباً . أخفت شاعريته آراءه النقدية على الكثير ، رغم أن اهتمامه بنقد الشعر وقضاياه ورؤيته النقدية كانت واضحة تتخلل قصائده التي حدد في الكثير منها جوهر الشعر ورسالة الشاعر ودور المثقف في الحياة والمجتمع . كما تحدث في مذكراته عن قضايا لها علاقة بالنقد .
ولا يخفى على الجميع علاقة الشابي برائد حركة أبولو، الشاعر أحمد زكى أبو شادي الذي تيقن من موهبته فطلب منه مقدمة لأحد دواوينه ، فكان الشابي من رواد هذه المدرسة وليس من تلاميذها كما يعتقد البعض .
وما يؤكد شخصية أبى القاسم الناقد محاضرته "الخيال الشعري عند العرب " التي ألقاها سنة 1929 م بالمدرسة الخلدونية بتونس العاصمة ، وهى المؤلف الوحيد الذي نشر في حياته ، مقارنة إلى ديوانه :
" أغاني الحياة " الذي طبع بعد موته بأكثر من عشرين سنة . وهذا الديوان يضم 110 قصيدة ومقطوعة والذي أشرف على طباعته أخوه محمد الأمين الشابي .
وكتابات الشابي النثرية متنوعة تضم : 1- الخيال الشعري عند العرب .
2- رسائل مع معاصريه في تونس ومصر وسوريا
3- يوميات ( 30 يومية )
4- مجموعة من المقالات والمحاضرات
5- كتاب "شعراء المغرب" من خلال وثيقة نادرة :80 صفحة
6- خواطر أدبية واجتماعية
تناول الشابي في كتابه " الخيال الشعري عند العرب" قضايا نقدية عديدة منها الخيال والطبيعة والمرأة حاول في هذا المصنف دراسة الروح العربية وإبراز مميزاتها . وصرح بهدفه منه : "حسبه تلبية رغائب الكثيرين من الشباب الناهض المستنير" . تبرز من خلال هذا الكتاب شخصية الشابي الناقد والتي ظلت سنينًا غامضة بسبب تقصير الدارسين والباحثين مقارنه إلى ما حظي به الشابي شاعرا من اهتمام بمئات الدراسات والبحوث . والحقيقة أنه لولا رؤيته النقدية ولولا مرجعياته النظرية المتأصلة فيه لما كان رائد حركة التجديد الشعري والمؤسس لمشروع شعري جديد .
لقد دعا أبو القاسم الشابي في "الخيال الشعري عند العرب " إلى تجاوز المفاهيم السائدة والموروثة وثار على نظرة العرب المقدسة للشعر والأدب وهى دعوة تتجاوب وقتها مع ما دعا إليه ميخائيل نعيمة في كتابه النقدي " الغربال " وما دعا إليه عباس محمود العقاد وإبراهيم عبد القادر المازني وطه حسين في المشرق ، لكنها ثورة الشابي فيها من الحماس والانفعال إلى الحد الذي صدمت به الأوساط الثقافية في تونس آنذاك وقد عبر زين العابدين السنوسي في مقدمته للكتاب عن هذه الصدمة بقوله :
" قام في مصر وسوريا والعراق وتونس أفذاذ من النقاد يضعون أصابعهم على مواضع الألم ويبرهنون على مواقع النقص والضعف ولكن هذه العملية تختلف عن السابقة لأنها لا تكتفي من مس القديم بالبناء حوله والإضافة عنه بل هي تقدم رأسا على تشذيب العصا المباركة وهدم أنحاء بعينها من الهيكل المقدس مما يثير صرخات الشيوخ وضجيج المحافظين "
كما كشف زين العابدين السنوسي عن أثر المحاضرة في نفسه :" لما سمعت المحاضرة لأول مرة خرجت من قاعة الاجتماع مهتم العقل أكثر مما كنت منبسط النفس بل يمكنني أن أقول إني خرجت من تلك الجلسة منكمش النفس واجفها ، مع أنى كنت ممن صفقوا لأكثر مقدماتها والمعجبين بدعامتها ولغتها الشعرية الصريحة بل كنت أنا نفسي الذي قدم حضرة المسامر منوها بنبوغه الباكر ووجهته في التجديد الأدبي " .
لكن زين العابدين السنوسي عندما خفت وطأة الصدمة على نفسه أقر بأنه خير لعواطفنا أن يصدمها أبناؤنا بأقلامهم من أن نبقى في غفلتنا مستسلمين لكل ما تعودنا به حتى يصدمنا الدهر، والدهر لا يهادن ولا يرحم .
أما الأديب محمد الحليوي فقد صرح في كتابه " مع الشابي" قائلا :إن المطابع التونسية لم تخرج حتى اليوم أثرا فنيا يعادل كتاب "الخيال الشعري عند العرب" في عباراته الشعرية ولغته النقية وأسلوبه البليغ إنه طرفة فنية أكثر منه بحثا علميا يملي على مؤرخ الأدب نظرياته وأحكامه .
واتفق الدارسون على أن هذا الكتاب يمكّن الباحث من فهم تجربة الشابي الإبداعية في شمولها ويكشف عن مرجعيات تجربته وتعدد روافدها ، وقد أبرز نهم الشابي للقراءة فبدا أثر جبران خليل جبران والمدرسة الرومنسية ومدرسة المهجر إضافة إلى مصادر الأدب القديم ،والآداب الأجنبية القديمة اليونانية ، يعكس هذا الكتاب الأسس الخصبة المتحكمة في تجربة الشابي الإبداعية باعتبارها منطلقه الفكري وأسس قيمه الجمالية.
أما الأستاذ المنجي الشملي ، فيقول :" إنّ الكتاب يحمل قلقا نقديا ، يحمل تساؤل الشابي عن قيمة الأدب العربي القديم بالنسبة إلى الآداب الأخرى ، وهذا التساؤل دليل على حيرة فلسفية قد لا يخلو منها كل من أخلص إلى تراث أمته ورام تغذية ثقافتها برحيق فكري جديد ".
ريم العيساوي
تتعلق المسالة بأهم عمل نثري تنظيري لأبي القاسم الشابي ، وهو محاضرة "الخيال الشعري عند العرب " تلك المحاضرة التي صدّرها بكلمة تكشف قلقه المعرفي بموضوعه والتي وضعها في إطار الصراع بين الماضي والمستقبل حين قال: "لقد أصبحنا نتطلب حياة قوية مشرقة ملؤها العزم والشباب ، ومن يتطلب الحياة فليعبد غده الذي في قلب الحياة . أما من يعبد أمسه وينسى غده فهو من أبناء الموت "
نشرت هذه المحاضرة في كتاب ، طبعة أولى عن دار المعارف للطباعة والنشر _ سوسة – تونس ، في 202 صفحة سنة 1998 .وجاء الكتاب في سبعة أبواب ‘ بعد الإهداء وكلمة المؤلف والتمهيد والمقدمة بقلم الأديب زين العابدين السنوسي عالجت أبواب الكتاب نشأة الخيال في الفكر البشري وأقسام الخيال – الخيال الشعري والأساطير العربية – الخيال الشعري والطبيعة في الأدب العربي – الخيال الشعري والمرأة في الأدب العربي – الخيال الشعري والقصة في الأدب العربي - فكرة عامة عن الأدب العربي – الروح العربية .
لا يخفى على الناس أن شاعرية أبى القاسم الشابي ذاع صيتها شرقاً وغرباً . أخفت شاعريته آراءه النقدية على الكثير ، رغم أن اهتمامه بنقد الشعر وقضاياه ورؤيته النقدية كانت واضحة تتخلل قصائده التي حدد في الكثير منها جوهر الشعر ورسالة الشاعر ودور المثقف في الحياة والمجتمع . كما تحدث في مذكراته عن قضايا لها علاقة بالنقد .
ولا يخفى على الجميع علاقة الشابي برائد حركة أبولو، الشاعر أحمد زكى أبو شادي الذي تيقن من موهبته فطلب منه مقدمة لأحد دواوينه ، فكان الشابي من رواد هذه المدرسة وليس من تلاميذها كما يعتقد البعض .
وما يؤكد شخصية أبى القاسم الناقد محاضرته "الخيال الشعري عند العرب " التي ألقاها سنة 1929 م بالمدرسة الخلدونية بتونس العاصمة ، وهى المؤلف الوحيد الذي نشر في حياته ، مقارنة إلى ديوانه :
" أغاني الحياة " الذي طبع بعد موته بأكثر من عشرين سنة . وهذا الديوان يضم 110 قصيدة ومقطوعة والذي أشرف على طباعته أخوه محمد الأمين الشابي .
وكتابات الشابي النثرية متنوعة تضم : 1- الخيال الشعري عند العرب .
2- رسائل مع معاصريه في تونس ومصر وسوريا
3- يوميات ( 30 يومية )
4- مجموعة من المقالات والمحاضرات
5- كتاب "شعراء المغرب" من خلال وثيقة نادرة :80 صفحة
6- خواطر أدبية واجتماعية
تناول الشابي في كتابه " الخيال الشعري عند العرب" قضايا نقدية عديدة منها الخيال والطبيعة والمرأة حاول في هذا المصنف دراسة الروح العربية وإبراز مميزاتها . وصرح بهدفه منه : "حسبه تلبية رغائب الكثيرين من الشباب الناهض المستنير" . تبرز من خلال هذا الكتاب شخصية الشابي الناقد والتي ظلت سنينًا غامضة بسبب تقصير الدارسين والباحثين مقارنه إلى ما حظي به الشابي شاعرا من اهتمام بمئات الدراسات والبحوث . والحقيقة أنه لولا رؤيته النقدية ولولا مرجعياته النظرية المتأصلة فيه لما كان رائد حركة التجديد الشعري والمؤسس لمشروع شعري جديد .
لقد دعا أبو القاسم الشابي في "الخيال الشعري عند العرب " إلى تجاوز المفاهيم السائدة والموروثة وثار على نظرة العرب المقدسة للشعر والأدب وهى دعوة تتجاوب وقتها مع ما دعا إليه ميخائيل نعيمة في كتابه النقدي " الغربال " وما دعا إليه عباس محمود العقاد وإبراهيم عبد القادر المازني وطه حسين في المشرق ، لكنها ثورة الشابي فيها من الحماس والانفعال إلى الحد الذي صدمت به الأوساط الثقافية في تونس آنذاك وقد عبر زين العابدين السنوسي في مقدمته للكتاب عن هذه الصدمة بقوله :
" قام في مصر وسوريا والعراق وتونس أفذاذ من النقاد يضعون أصابعهم على مواضع الألم ويبرهنون على مواقع النقص والضعف ولكن هذه العملية تختلف عن السابقة لأنها لا تكتفي من مس القديم بالبناء حوله والإضافة عنه بل هي تقدم رأسا على تشذيب العصا المباركة وهدم أنحاء بعينها من الهيكل المقدس مما يثير صرخات الشيوخ وضجيج المحافظين "
كما كشف زين العابدين السنوسي عن أثر المحاضرة في نفسه :" لما سمعت المحاضرة لأول مرة خرجت من قاعة الاجتماع مهتم العقل أكثر مما كنت منبسط النفس بل يمكنني أن أقول إني خرجت من تلك الجلسة منكمش النفس واجفها ، مع أنى كنت ممن صفقوا لأكثر مقدماتها والمعجبين بدعامتها ولغتها الشعرية الصريحة بل كنت أنا نفسي الذي قدم حضرة المسامر منوها بنبوغه الباكر ووجهته في التجديد الأدبي " .
لكن زين العابدين السنوسي عندما خفت وطأة الصدمة على نفسه أقر بأنه خير لعواطفنا أن يصدمها أبناؤنا بأقلامهم من أن نبقى في غفلتنا مستسلمين لكل ما تعودنا به حتى يصدمنا الدهر، والدهر لا يهادن ولا يرحم .
أما الأديب محمد الحليوي فقد صرح في كتابه " مع الشابي" قائلا :إن المطابع التونسية لم تخرج حتى اليوم أثرا فنيا يعادل كتاب "الخيال الشعري عند العرب" في عباراته الشعرية ولغته النقية وأسلوبه البليغ إنه طرفة فنية أكثر منه بحثا علميا يملي على مؤرخ الأدب نظرياته وأحكامه .
واتفق الدارسون على أن هذا الكتاب يمكّن الباحث من فهم تجربة الشابي الإبداعية في شمولها ويكشف عن مرجعيات تجربته وتعدد روافدها ، وقد أبرز نهم الشابي للقراءة فبدا أثر جبران خليل جبران والمدرسة الرومنسية ومدرسة المهجر إضافة إلى مصادر الأدب القديم ،والآداب الأجنبية القديمة اليونانية ، يعكس هذا الكتاب الأسس الخصبة المتحكمة في تجربة الشابي الإبداعية باعتبارها منطلقه الفكري وأسس قيمه الجمالية.
أما الأستاذ المنجي الشملي ، فيقول :" إنّ الكتاب يحمل قلقا نقديا ، يحمل تساؤل الشابي عن قيمة الأدب العربي القديم بالنسبة إلى الآداب الأخرى ، وهذا التساؤل دليل على حيرة فلسفية قد لا يخلو منها كل من أخلص إلى تراث أمته ورام تغذية ثقافتها برحيق فكري جديد ".
السبت يناير 21, 2017 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» قصيده بعنوان كافي
الجمعة ديسمبر 19, 2014 7:50 am من طرف عدنان المعموري
» عن لسان ام الشاعر الراحل رحيم المالكي
الأحد يوليو 06, 2014 1:52 pm من طرف عدنان المعموري
» القصيدة التي أغضبت سلاطين المنطقة الخضراء
الثلاثاء أكتوبر 02, 2012 12:44 pm من طرف عدنان المعموري
» قصة مؤثرة عن غيرة النساء
الجمعة يونيو 29, 2012 1:06 am من طرف عدنان المعموري
» أبن شقيق الجعفري يكشف تفاصيل الاعتداء عليه بالضرب من قبل أبن شقيقة المالكي وأقربائه
الأربعاء مايو 23, 2012 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب / صاحب الضويري
السبت مايو 12, 2012 12:24 am من طرف عدنان المعموري
» خانقين..الوردة البيضاء..مدينة التآخي والسلام
الخميس فبراير 16, 2012 12:16 pm من طرف حسين:خانقين
» هدية لكم جميعا..مع باقات من النرجس من على سفوح جبال كردستان
الخميس فبراير 16, 2012 5:21 am من طرف حسين:خانقين
» الأشعة..منافعها واضرارها وهذا الحديث مع طبيبة اختصاصية في م. خانقين
الخميس فبراير 16, 2012 5:06 am من طرف حسين:خانقين
» دعوة للمشاركة
الخميس أكتوبر 06, 2011 9:22 am من طرف د.مسلم بديري
» قصص قصيرة جدا
الإثنين يوليو 18, 2011 5:00 pm من طرف د.مسلم بديري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:47 am من طرف عدنان المعموري
» زعلتك صدك
الثلاثاء يونيو 21, 2011 1:22 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب /للشاعر صاحب الضويري
الإثنين يونيو 13, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» أكميله للشاعر عارف مأمون
الإثنين أبريل 04, 2011 8:17 am من طرف عدنان المعموري
» كل ساعة انذبح من عرست لليوم وكل ساعة انسحك بجدام تذكارك
الإثنين أبريل 04, 2011 8:13 am من طرف عدنان المعموري
» قراءة الواقع الثقافي في العراق
السبت مارس 12, 2011 1:13 pm من طرف قاسم المعموري
» اشعل فتيلها الكادحون والرافضون للظلم
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:05 pm من طرف قاسم المعموري