الخيال الشعري والأساطير العربية :
يستهل أبو القاسم الشابي هذا الباب من الكتاب بقوله: " لا يعرف التاريخ من الأساطير العربية إلا شيئاً يسيرا لا يستطيع الباحث أن يطمئن إليه كل الاطمئنان . وما نقل من أساطير العرب يغلب عليه الاضطراب والخلط متناثر في كتب الأدب والأخبار ويحمل الشابي الرواة مسؤولية إهمالهم لهذا الفن وعدم اهتمامهم به مثل عنايتهم بالشعر والأمثال ، وعاب على العرب إهمالهم لأساطيرهم ولم ينظم شعراؤهم الأساطير في الجاهلية كما كان شعراء اليونان والرومان يتغنون بها قبل مجيء المسيحية .
ويرى أن القليل الذي نقله التاريخ من الأساطير العربية منها الأساطير الدينية ومنها التاريخية ويبحث في الأساطير الدينية لمعرفة حظها من الخيال الشعري ، ذلك الخيال الذي عرفه في محاولة الإنسان التعرف من ورائه حقائق الوجود وتفهم مظاهر الحياة الغامضة .
ولا يبحث في الأساطير التاريخية لأن هذا النوع وإن كان من صنعة الخيال ، إلا أنه ليس من عمل الخيال الشعري الذي يبحث عنه .
وعن الأساطير العربية الدينية فهو يصرح : " رأيي في هذه الأساطير ، هو أنه لا حظ لها من وضاءة الفن وإشراق الحياة ، وأن من المحال أن يجد الباحث فيها ما ألف أن بجده في أساطير اليونان والرومان من ذلك الخيال الخصب الجميل ومن تلك العذوبة الشعرية التي تتفجر منها الفلسفة الغضة الناعمة تفجر المنبع العذب ، بل إنه لا يعجزه أن يلقى فيها حتى تلك الفلسفة الشعثاء الكالحة التي تطالعه في أساطير الإسكنديناف .
فالآلهة العربية لا تنطوي على شيء من الفكر والخيال ، ولا تمثل مظهرا من مظاهر الكون أو عاطفة من عواطف الإنسان ، وإنما هي أنصاب بسيطة ساذجة شبيهة بلعب الصبية وعرائس الأطفال ، وبقية الأساطير الدينية لا تفصح عن فكر عميق أو شعور دقيق ولا ترمز لمعنى من المعاني السامية ، إنما هي أدنى إلى الوهم منها إلى أي شيء آخر ،لا استثني من ذلك إلا أسطورة النجوم فإن عليها شيئا من وضاءة الشعر ووضاءة الخيال "ص 45
نقد الشابي عبادة العرب الجاهلية لآلهة كثيرة كغيرهم من الأمم الوثنية القديمة ، لكنهم لم يعبدوها عن تفكير عميق لظواهر الوجود كغيرهم من أمم العالم وإنما كانت عبادتهم إما تقليدا للأجداد أو تقليداً للأمم في عبادة آلهتها . كما بين أن الباعث لتلك العقيدة الوثنية في أنفس العرب لم يكن هو "التشخيص " وإنما كان الباعث عليها عبادة الأموات احتذاءً بالأمم الأخرى . واتباع العرب لغير التشخيص هو السبب في خلوها من الخيال الشعري .
ويربط الشابي بين بعد العرب عن الخيال الشعري والروح العربية . ويتساءل عن صنمي "أساف" و " نانلة" وهما حسب زعم العرب رجل وامرأة من جرهم فجرا بالكعبة فمسخهما الله حجرين ويرى الشابي في هذا المسخ تناقضا كيف عبدا ومسخا .
وبتعرض إلى اختلاف الرواة العرب في اللات والعزى .منهم من يزعم أنهما نخلتان ألههما العرب ومنهم من يزعم أنهما صنمان لرجلين صالحين . ويلخص أن آلهة العرب لم تخرج عن تأليه الأموات أو تقليد الأمم الأخرى . ويرى أن عبادة المشتري والشمس أخذها العرب عن الأشوريين وكذلك عبادة تالب وآضر وهبتون وعشتار ولهذا فهي لا تشمل على فكر أو خيال . ويذكر بعض أساطير العرب التي كانوا يؤمنون بها مثل الغول والصدى والهامة وشياطين الشعراء . ويقف عند أسطورة النجوم التي تروى بصور مختلفة فمنهم من بقصها على هذا النحو :"أن سهيلا وأختيه العبور والغميصاء اجتمعوا ثم انحدر سهيل إلى ناحية اليمن بعد أن خاض نهر المجرة وتبعته إحدى أختيه فسميت عبورا ، ولبثت الأخرى مكانها فبكت لفراق أختها حتى غمصت عينها فسميت غميصاء". وروايتها الأخرى :" أن سهيلا كان فارسا جميل الطلعة ، ساحر المنظر فخانه الحظ في معركة سماوية وراء المجرة فخر صريعا تكسوه الدماء فراع أختيه مصرع أخيهما الباسل ، فعبرت إليه إحداهما نهر المجرة وظلت واجمة عند رأسه ، وفى جفنها عبرة فسميت عبورا وعجزت الثانية عن اللحاق بأختها فانهالت دموعها حتى غمصت عينها الباكية فسميت غميصاء.
لاحظ الشابي في أساطير العرب وثنية جامدة وأوهاما لا تعرف الفكر . وأساطير الأمم الأخرى مشبعة بالروح الشعرية الجميلة زاخرة بفلسفة الحياة الفنية- آلهة اليونان وأساطيرهم آراء شعرية يتعانق فيها الفكر والخيال فكل آلهة رمز لفكرة أو عاطفة أو قوة من قوات الوجود – وكل أسطورة صورة شيقة من صور الشعر صادرة من خيال قوي وإحساس فياض يشمل الحياة .
جعلوا للحب آلهة وللجمال آلهة وللحكمة آلهة وللشعر والموسيقى آلهة فهم ينظرون إلى الوجود من خلال أساطيرهم نظرة فنية تحس بتيار الحياة يتدفق في كل كائن .
الخيال الشعري والطبيعة في الأدب العربي
يعمق الشابي وصفه للجمال في الطبيعة في نص نثري قريب إلى الشعر إلى أن يخلص للقول :" إن الجمال هو القسطاس العادل الذي ينبغي أن توزن فيه نفسيات الأمم وشاعريات الشعوب وإن على حسب ما في الإقليم من جمال وروعة، تكون شاعرية الأمم . وللوسط الطبيعي عامة أثره الفعال في تكوين نفسيات الأمم وطبعها .ويخلص أن شاعرية العرب شبيهة كل الشبه بالوسط الطبيعي الذي نمت فيه وبحث الشابي عن وصف الطبيعة وحظ الخيال الشعري في الأدب بمراحله الجاهلية والأموية والعباسية و الأندلسية .واستخلص أن الأدب الجاهلي والأموي خاليان من الشعر الذي تغنى بمحاسن الطبيعة وسحرها وما وجد على قلته وندرته يخلو من الخيال وما نجده من شعر الطبيعة فإننا لا نحس فيه روح الشاعر ولا نبض المشاعر وإنما صور يعرضها الشاعر بل يتناولها تناول القاص الذي لا يحفل بجلال المشهد وجماله – يصفه كما يراه دون أن يخلع عليه نبضا من شعوره ولا إشراقا من خياله ".
لقد كان الأدب العربي في هذين العصرين خاليا من الشعور بجمال الطبيعة والحديث عنه ، ما عدا أصوات ضئيلة خافته .
خلاصة القول : إن شاعرية العرب شبيهة كل الشبه بالوسط الطبيعي الذي نمت فيه .
عاش العرب في وسط لا يعرف سحر الجمال الطبيعي لذلك لم يتحدث أدبهم عن هذا الجمال ولم يتحدثوا عن الطبيعة بلهجة المعجب المأخوذ ، لأن الطبيعة لم تخلع على أرضهم من نضارة الحسن ما يحرك مشاعرهم ويفتح قلوبهم لتذوق الجمال وظل الأدب العربي على هذه الصورة إلى أن أطل العصر العباسي فتلونت الحياة الإسلامية بحضارات جديدة متباينة جمعت أجناسا وعادات وفكرا وطباعا واعتقادات جديدة على الحياة العربية قبل الإسلام ، وتحولت الحياة من شظف العيش وعنجهية البداوة إلى رقة المدينة ، في هذا الوسط المترف شب ذلك الشعر الذي يتغنى بالطبيعة وأصبحنا نسمع شعر البحتري و أبي تمام شعرا فيه دقة وعذوبة ،ظهر هذا التوجه في التغيير بجمال الطبيعة دون أن ينتشر
مثلما انتشر في العصر الأندلسي ، ذلك أن وسط الأدب العباسي لم يكن من الجمال والروعة كما كان في بلاد الأندلس ، التي انتشر فيها حتى كاد يخفي الأغراض الأخرى .
والملاحظة الهامة التي خرج بها الشابي هي أن الشعر العباسي في وصف الطبيعة أعمق خيالا وأدق شعورا منه في الأدب الأندلسي رغم كثرته ورقي أسلوبه ودقة صورة ورغم جمال الطبيعة في بلاد الأندلس ، وهذا الرأي موضع نقاش .
ويضرب الشابي مثالا على قوة الإحساس والصدق في وصف الطبيعة ببيت البحتري :
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا* من الحسن حتى كاد أن يتكلما !
ويضرب مثالا على عمق الشعور بالطبيعة قول ابن الرومي :
إذا ما أعارتها الصبا حركاتها * أفادت بها أنس الحياة فتأنس
و شعر أبى تمام والبحتري وابن الرومي فيه عمق الخيال ودقة الإحساس بجمال الوجود مالا نجده في الشعر الأندلسي .ولم يجد الشابي في تفسير هذا التناقض سوى انغماس الأندلسيين في البذخ والترف انغماسا أطفاً حرارة الشعور وأصبحت الطبيعة في حياتهم وسيلة من وسائل المتعة لا منبعا ملهما للإبداع . "كان الشعر الأندلسي رقيقا طليا ولكنه قليل الحظ من عمق الشعور " (86)
كل ما قاله ابن خفاجة في وصف الطبيعة فيه براعة في الوصف وجمال في الأسلوب ولكنه يخلو من عمق الخيال "شغلته اللذة واللهو عن الإفصاح عنه "(88) لا نجد حرارة العاطفة وعمق الإحساس رغم عذوبة التعبير ودقة الوصف .
ويختار الشابي شاعرين غربيين " لا مرتين ألفونس " ( 1790-1869 ) رائد المدرسة الرومانسية الفرنسي و " غوته جوهان " ( 1749-1832 ) الشاعر الألماني لإبراز نظرتيهما إلى الطبيعة وهي أعمق بكثير من نظرة الشعراء العرب الذين لم ينظروا إليها نظرة إجلال وخشوع وإنما نظرة مفتقرة للخيال الشعري " لأنهم لم يشعروا بتيار الحياة المتدفق في قلب الطبيعة إلا إحساسا بسيطا ساذجا خاليا من يقظة الحس ونشوة الخيال ذلك الإحساس الذي يجسده شعر البحتري وأبو تمام".
يستهل أبو القاسم الشابي هذا الباب من الكتاب بقوله: " لا يعرف التاريخ من الأساطير العربية إلا شيئاً يسيرا لا يستطيع الباحث أن يطمئن إليه كل الاطمئنان . وما نقل من أساطير العرب يغلب عليه الاضطراب والخلط متناثر في كتب الأدب والأخبار ويحمل الشابي الرواة مسؤولية إهمالهم لهذا الفن وعدم اهتمامهم به مثل عنايتهم بالشعر والأمثال ، وعاب على العرب إهمالهم لأساطيرهم ولم ينظم شعراؤهم الأساطير في الجاهلية كما كان شعراء اليونان والرومان يتغنون بها قبل مجيء المسيحية .
ويرى أن القليل الذي نقله التاريخ من الأساطير العربية منها الأساطير الدينية ومنها التاريخية ويبحث في الأساطير الدينية لمعرفة حظها من الخيال الشعري ، ذلك الخيال الذي عرفه في محاولة الإنسان التعرف من ورائه حقائق الوجود وتفهم مظاهر الحياة الغامضة .
ولا يبحث في الأساطير التاريخية لأن هذا النوع وإن كان من صنعة الخيال ، إلا أنه ليس من عمل الخيال الشعري الذي يبحث عنه .
وعن الأساطير العربية الدينية فهو يصرح : " رأيي في هذه الأساطير ، هو أنه لا حظ لها من وضاءة الفن وإشراق الحياة ، وأن من المحال أن يجد الباحث فيها ما ألف أن بجده في أساطير اليونان والرومان من ذلك الخيال الخصب الجميل ومن تلك العذوبة الشعرية التي تتفجر منها الفلسفة الغضة الناعمة تفجر المنبع العذب ، بل إنه لا يعجزه أن يلقى فيها حتى تلك الفلسفة الشعثاء الكالحة التي تطالعه في أساطير الإسكنديناف .
فالآلهة العربية لا تنطوي على شيء من الفكر والخيال ، ولا تمثل مظهرا من مظاهر الكون أو عاطفة من عواطف الإنسان ، وإنما هي أنصاب بسيطة ساذجة شبيهة بلعب الصبية وعرائس الأطفال ، وبقية الأساطير الدينية لا تفصح عن فكر عميق أو شعور دقيق ولا ترمز لمعنى من المعاني السامية ، إنما هي أدنى إلى الوهم منها إلى أي شيء آخر ،لا استثني من ذلك إلا أسطورة النجوم فإن عليها شيئا من وضاءة الشعر ووضاءة الخيال "ص 45
نقد الشابي عبادة العرب الجاهلية لآلهة كثيرة كغيرهم من الأمم الوثنية القديمة ، لكنهم لم يعبدوها عن تفكير عميق لظواهر الوجود كغيرهم من أمم العالم وإنما كانت عبادتهم إما تقليدا للأجداد أو تقليداً للأمم في عبادة آلهتها . كما بين أن الباعث لتلك العقيدة الوثنية في أنفس العرب لم يكن هو "التشخيص " وإنما كان الباعث عليها عبادة الأموات احتذاءً بالأمم الأخرى . واتباع العرب لغير التشخيص هو السبب في خلوها من الخيال الشعري .
ويربط الشابي بين بعد العرب عن الخيال الشعري والروح العربية . ويتساءل عن صنمي "أساف" و " نانلة" وهما حسب زعم العرب رجل وامرأة من جرهم فجرا بالكعبة فمسخهما الله حجرين ويرى الشابي في هذا المسخ تناقضا كيف عبدا ومسخا .
وبتعرض إلى اختلاف الرواة العرب في اللات والعزى .منهم من يزعم أنهما نخلتان ألههما العرب ومنهم من يزعم أنهما صنمان لرجلين صالحين . ويلخص أن آلهة العرب لم تخرج عن تأليه الأموات أو تقليد الأمم الأخرى . ويرى أن عبادة المشتري والشمس أخذها العرب عن الأشوريين وكذلك عبادة تالب وآضر وهبتون وعشتار ولهذا فهي لا تشمل على فكر أو خيال . ويذكر بعض أساطير العرب التي كانوا يؤمنون بها مثل الغول والصدى والهامة وشياطين الشعراء . ويقف عند أسطورة النجوم التي تروى بصور مختلفة فمنهم من بقصها على هذا النحو :"أن سهيلا وأختيه العبور والغميصاء اجتمعوا ثم انحدر سهيل إلى ناحية اليمن بعد أن خاض نهر المجرة وتبعته إحدى أختيه فسميت عبورا ، ولبثت الأخرى مكانها فبكت لفراق أختها حتى غمصت عينها فسميت غميصاء". وروايتها الأخرى :" أن سهيلا كان فارسا جميل الطلعة ، ساحر المنظر فخانه الحظ في معركة سماوية وراء المجرة فخر صريعا تكسوه الدماء فراع أختيه مصرع أخيهما الباسل ، فعبرت إليه إحداهما نهر المجرة وظلت واجمة عند رأسه ، وفى جفنها عبرة فسميت عبورا وعجزت الثانية عن اللحاق بأختها فانهالت دموعها حتى غمصت عينها الباكية فسميت غميصاء.
لاحظ الشابي في أساطير العرب وثنية جامدة وأوهاما لا تعرف الفكر . وأساطير الأمم الأخرى مشبعة بالروح الشعرية الجميلة زاخرة بفلسفة الحياة الفنية- آلهة اليونان وأساطيرهم آراء شعرية يتعانق فيها الفكر والخيال فكل آلهة رمز لفكرة أو عاطفة أو قوة من قوات الوجود – وكل أسطورة صورة شيقة من صور الشعر صادرة من خيال قوي وإحساس فياض يشمل الحياة .
جعلوا للحب آلهة وللجمال آلهة وللحكمة آلهة وللشعر والموسيقى آلهة فهم ينظرون إلى الوجود من خلال أساطيرهم نظرة فنية تحس بتيار الحياة يتدفق في كل كائن .
الخيال الشعري والطبيعة في الأدب العربي
يعمق الشابي وصفه للجمال في الطبيعة في نص نثري قريب إلى الشعر إلى أن يخلص للقول :" إن الجمال هو القسطاس العادل الذي ينبغي أن توزن فيه نفسيات الأمم وشاعريات الشعوب وإن على حسب ما في الإقليم من جمال وروعة، تكون شاعرية الأمم . وللوسط الطبيعي عامة أثره الفعال في تكوين نفسيات الأمم وطبعها .ويخلص أن شاعرية العرب شبيهة كل الشبه بالوسط الطبيعي الذي نمت فيه وبحث الشابي عن وصف الطبيعة وحظ الخيال الشعري في الأدب بمراحله الجاهلية والأموية والعباسية و الأندلسية .واستخلص أن الأدب الجاهلي والأموي خاليان من الشعر الذي تغنى بمحاسن الطبيعة وسحرها وما وجد على قلته وندرته يخلو من الخيال وما نجده من شعر الطبيعة فإننا لا نحس فيه روح الشاعر ولا نبض المشاعر وإنما صور يعرضها الشاعر بل يتناولها تناول القاص الذي لا يحفل بجلال المشهد وجماله – يصفه كما يراه دون أن يخلع عليه نبضا من شعوره ولا إشراقا من خياله ".
لقد كان الأدب العربي في هذين العصرين خاليا من الشعور بجمال الطبيعة والحديث عنه ، ما عدا أصوات ضئيلة خافته .
خلاصة القول : إن شاعرية العرب شبيهة كل الشبه بالوسط الطبيعي الذي نمت فيه .
عاش العرب في وسط لا يعرف سحر الجمال الطبيعي لذلك لم يتحدث أدبهم عن هذا الجمال ولم يتحدثوا عن الطبيعة بلهجة المعجب المأخوذ ، لأن الطبيعة لم تخلع على أرضهم من نضارة الحسن ما يحرك مشاعرهم ويفتح قلوبهم لتذوق الجمال وظل الأدب العربي على هذه الصورة إلى أن أطل العصر العباسي فتلونت الحياة الإسلامية بحضارات جديدة متباينة جمعت أجناسا وعادات وفكرا وطباعا واعتقادات جديدة على الحياة العربية قبل الإسلام ، وتحولت الحياة من شظف العيش وعنجهية البداوة إلى رقة المدينة ، في هذا الوسط المترف شب ذلك الشعر الذي يتغنى بالطبيعة وأصبحنا نسمع شعر البحتري و أبي تمام شعرا فيه دقة وعذوبة ،ظهر هذا التوجه في التغيير بجمال الطبيعة دون أن ينتشر
مثلما انتشر في العصر الأندلسي ، ذلك أن وسط الأدب العباسي لم يكن من الجمال والروعة كما كان في بلاد الأندلس ، التي انتشر فيها حتى كاد يخفي الأغراض الأخرى .
والملاحظة الهامة التي خرج بها الشابي هي أن الشعر العباسي في وصف الطبيعة أعمق خيالا وأدق شعورا منه في الأدب الأندلسي رغم كثرته ورقي أسلوبه ودقة صورة ورغم جمال الطبيعة في بلاد الأندلس ، وهذا الرأي موضع نقاش .
ويضرب الشابي مثالا على قوة الإحساس والصدق في وصف الطبيعة ببيت البحتري :
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا* من الحسن حتى كاد أن يتكلما !
ويضرب مثالا على عمق الشعور بالطبيعة قول ابن الرومي :
إذا ما أعارتها الصبا حركاتها * أفادت بها أنس الحياة فتأنس
و شعر أبى تمام والبحتري وابن الرومي فيه عمق الخيال ودقة الإحساس بجمال الوجود مالا نجده في الشعر الأندلسي .ولم يجد الشابي في تفسير هذا التناقض سوى انغماس الأندلسيين في البذخ والترف انغماسا أطفاً حرارة الشعور وأصبحت الطبيعة في حياتهم وسيلة من وسائل المتعة لا منبعا ملهما للإبداع . "كان الشعر الأندلسي رقيقا طليا ولكنه قليل الحظ من عمق الشعور " (86)
كل ما قاله ابن خفاجة في وصف الطبيعة فيه براعة في الوصف وجمال في الأسلوب ولكنه يخلو من عمق الخيال "شغلته اللذة واللهو عن الإفصاح عنه "(88) لا نجد حرارة العاطفة وعمق الإحساس رغم عذوبة التعبير ودقة الوصف .
ويختار الشابي شاعرين غربيين " لا مرتين ألفونس " ( 1790-1869 ) رائد المدرسة الرومانسية الفرنسي و " غوته جوهان " ( 1749-1832 ) الشاعر الألماني لإبراز نظرتيهما إلى الطبيعة وهي أعمق بكثير من نظرة الشعراء العرب الذين لم ينظروا إليها نظرة إجلال وخشوع وإنما نظرة مفتقرة للخيال الشعري " لأنهم لم يشعروا بتيار الحياة المتدفق في قلب الطبيعة إلا إحساسا بسيطا ساذجا خاليا من يقظة الحس ونشوة الخيال ذلك الإحساس الذي يجسده شعر البحتري وأبو تمام".
السبت يناير 21, 2017 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» قصيده بعنوان كافي
الجمعة ديسمبر 19, 2014 7:50 am من طرف عدنان المعموري
» عن لسان ام الشاعر الراحل رحيم المالكي
الأحد يوليو 06, 2014 1:52 pm من طرف عدنان المعموري
» القصيدة التي أغضبت سلاطين المنطقة الخضراء
الثلاثاء أكتوبر 02, 2012 12:44 pm من طرف عدنان المعموري
» قصة مؤثرة عن غيرة النساء
الجمعة يونيو 29, 2012 1:06 am من طرف عدنان المعموري
» أبن شقيق الجعفري يكشف تفاصيل الاعتداء عليه بالضرب من قبل أبن شقيقة المالكي وأقربائه
الأربعاء مايو 23, 2012 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب / صاحب الضويري
السبت مايو 12, 2012 12:24 am من طرف عدنان المعموري
» خانقين..الوردة البيضاء..مدينة التآخي والسلام
الخميس فبراير 16, 2012 12:16 pm من طرف حسين:خانقين
» هدية لكم جميعا..مع باقات من النرجس من على سفوح جبال كردستان
الخميس فبراير 16, 2012 5:21 am من طرف حسين:خانقين
» الأشعة..منافعها واضرارها وهذا الحديث مع طبيبة اختصاصية في م. خانقين
الخميس فبراير 16, 2012 5:06 am من طرف حسين:خانقين
» دعوة للمشاركة
الخميس أكتوبر 06, 2011 9:22 am من طرف د.مسلم بديري
» قصص قصيرة جدا
الإثنين يوليو 18, 2011 5:00 pm من طرف د.مسلم بديري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:47 am من طرف عدنان المعموري
» زعلتك صدك
الثلاثاء يونيو 21, 2011 1:22 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب /للشاعر صاحب الضويري
الإثنين يونيو 13, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» أكميله للشاعر عارف مأمون
الإثنين أبريل 04, 2011 8:17 am من طرف عدنان المعموري
» كل ساعة انذبح من عرست لليوم وكل ساعة انسحك بجدام تذكارك
الإثنين أبريل 04, 2011 8:13 am من طرف عدنان المعموري
» قراءة الواقع الثقافي في العراق
السبت مارس 12, 2011 1:13 pm من طرف قاسم المعموري
» اشعل فتيلها الكادحون والرافضون للظلم
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:05 pm من طرف قاسم المعموري