مابين أولاد حارتنا
والسعار المؤدى إلى طائفية ممجوجة
ابراهيم جادالله
كانت مفاجأة مشتركة بين الراحل الأكبرنجيب محفوظ و"دار الشروق" حين أصدرا طبعة مصرية من رواية "أولاد حارتنا"، التي منعت في العام 1959بمصر.
وقد لا تكون المفاجأة في الإفراج عن رواية كان منعها كما ادعى معظم المناوئين لها ولزمن منعها إحدى علامات وجه الناصرية، وأحد أشكال الخضوع لقرارات السلطات الدينية في الأزهر، بل كانت في شكل هذا الإفراج. إذ أصرّ كبير الكتّاب في مصر والعالم العربى حينها على أمرين: الأول، الحصول على رضا الأزهر، والثاني أن يقدم للرواية أحد المفكرين الاسلاميين في مصر. وهذا ما حصل.
قدم للروايةالدكتور أحمد كمال أبو المجد بشهادة حول "أولاد حارتنا"، كان قد نشرها في"الأهرام" عام 1994، وفيها ينسب إلى محفوظ تمسكه بالإسلام ودعوته المصريين إلى الأخذ بالإسلام والعلم في آن واحد.
اللافت في مقدمة أبو المجد أنه يميز بين ما يسمّيه "الكتاب" والرواية. "إن من أصول النقد الأدبي التمييز الواجب بين الكتاب، الذي يعرض فيه المؤلف فكرته ويحدد موقفه، ملتزما في ذلك الحقائق التاريخية والوقائع الثابتة دون افتئات عليها... وبين الرواية التي قد يلجأ صاحبها إلى الرمز والإشارة، وقد يدخل فيها الخيال إلى جانب الحقيقة..."، ويسوّغ انطلاقا من ذلك تقديم تأويل للرواية يسمح بنشرها من وجهة نظر إسلامية.
لا أريد مناقشة أبو المجد في تمييزه الغريب بين ما يسمّيه الكتاب والرواية، ولعله قصد التمييز بين الكتابة العلمية والكتابة الخيالية، كما لا يعنيني تأويله لرواية محفوظ، فالعمل الأدبي يحمل أوجها ومستويات متعددة تسمح بتأويله من مقتربات مختلفة، لكن المحزن أن يضطر كاتب، كاد أن يدفع حياته ثمنا لاتهامه بالمروق، إلى اللجوء إلى مفكر إسلامي كي يجيز نشر كتابه.
المسألة لا تتعلق بالحارة وأولادها، بل صارت جزءا من بنية انحطاطية تجثم على الثقافة العربية، وتكاد أن تصادر آخر ما تبقّى من هامش الحرية الفردية، واحتمالات الإبداع.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، لا يستطيع المراقب إلا أن يلاحظ العلاقة بين أولاد الإنحطاط وموجات الاحتجاج المتأخرة على الرسوم الكاريكاتورية البشعة التي نشرت في صحيفة دانماركية منذ ما يقرب من عامين.
الاحتجاج على الرسوم الكاريكاتورية يمكن أن يتخذ شكل نشر رسوم أو مقالات مضادة في صحف الخليج حيث بدأ الاحتجاج أوفى غيرها كما حدث. لكن المسألة اتخذت شكلا آخر. بدأت بمقاطعة البضائع الدانماركية في الخليج، ثم امتد الهشيم: تظاهرات وحرق أعلام، وصولا إلى قيام العديد من الصحف الأوروبية بإعادة نشر الرسوم. وحرق سفارتي الدانمارك والنروج في دمشق، قبل أن يتم حرق القنصلية الدانماركية في بيروت، وحفلة حرق السيارات وتكسيرها على مداخل أحد أحيائها، ورشق كنيسة بالحجارة ، وتحرشات مشابهة فى أقطار عربيةوإسلامية أخرى.
يجدر التوقف عند ملاحظتين:
الأولى، أن موجة الإحتجاج بدأت في الدول الخليجية. أي أن الطفرة البترولية الأصولية تحولت إلى قيادة الشارع العربي. من فضاء أصولي يغطي القواعد العسكرية الأميركية في الخليج، ويواريها خجلا بالتظاهرات الإحتجاجية أمام المهانة اليومية في فلسطين، وأحداث غزةالأخيرة ، وحيث تمتلك إسرائيل بعثات تجارية تغطي علاقات دائمة، إلى محاولة تحطيم العلاقات العربية - الأوروبية عبر تجييش الرأي العام ضد رسوم عنصرية صارت بعد شهور من نشرها ، هي القضية اليوم التى مايزال البعض يطرحها!
وقد تكون الثانية فى أن استباحةعاصمة كبيروت مثلا لم يكن لها علاقة بحرية التعبير. فمن يريد التظاهر يستطيع أن يقوم به حول أي مسألة، أما تحويل التظاهرة إلى حرائق، ومحاولة إحياء ذاكرة طائفية هنا وهناك
، فهذه مسألة تفوح منها رائحة أصابع كريهة.
ونأمل دوما أن لا ينجر اللبنانيون والعراقيون والمصريون أكثر، وغيرهم من أماكن قد تكون مستهدفة لتفجير هكذا صراع إلى أى نوع من السعار الطائفي من جديد، فاللعبة مكشوفة وسمجة وتفوح منها روائح الانحطاط.
إنها كحفلة السواطير القديمة تتخذ شكلا جديدا.
والسعار المؤدى إلى طائفية ممجوجة
ابراهيم جادالله
كانت مفاجأة مشتركة بين الراحل الأكبرنجيب محفوظ و"دار الشروق" حين أصدرا طبعة مصرية من رواية "أولاد حارتنا"، التي منعت في العام 1959بمصر.
وقد لا تكون المفاجأة في الإفراج عن رواية كان منعها كما ادعى معظم المناوئين لها ولزمن منعها إحدى علامات وجه الناصرية، وأحد أشكال الخضوع لقرارات السلطات الدينية في الأزهر، بل كانت في شكل هذا الإفراج. إذ أصرّ كبير الكتّاب في مصر والعالم العربى حينها على أمرين: الأول، الحصول على رضا الأزهر، والثاني أن يقدم للرواية أحد المفكرين الاسلاميين في مصر. وهذا ما حصل.
قدم للروايةالدكتور أحمد كمال أبو المجد بشهادة حول "أولاد حارتنا"، كان قد نشرها في"الأهرام" عام 1994، وفيها ينسب إلى محفوظ تمسكه بالإسلام ودعوته المصريين إلى الأخذ بالإسلام والعلم في آن واحد.
اللافت في مقدمة أبو المجد أنه يميز بين ما يسمّيه "الكتاب" والرواية. "إن من أصول النقد الأدبي التمييز الواجب بين الكتاب، الذي يعرض فيه المؤلف فكرته ويحدد موقفه، ملتزما في ذلك الحقائق التاريخية والوقائع الثابتة دون افتئات عليها... وبين الرواية التي قد يلجأ صاحبها إلى الرمز والإشارة، وقد يدخل فيها الخيال إلى جانب الحقيقة..."، ويسوّغ انطلاقا من ذلك تقديم تأويل للرواية يسمح بنشرها من وجهة نظر إسلامية.
لا أريد مناقشة أبو المجد في تمييزه الغريب بين ما يسمّيه الكتاب والرواية، ولعله قصد التمييز بين الكتابة العلمية والكتابة الخيالية، كما لا يعنيني تأويله لرواية محفوظ، فالعمل الأدبي يحمل أوجها ومستويات متعددة تسمح بتأويله من مقتربات مختلفة، لكن المحزن أن يضطر كاتب، كاد أن يدفع حياته ثمنا لاتهامه بالمروق، إلى اللجوء إلى مفكر إسلامي كي يجيز نشر كتابه.
المسألة لا تتعلق بالحارة وأولادها، بل صارت جزءا من بنية انحطاطية تجثم على الثقافة العربية، وتكاد أن تصادر آخر ما تبقّى من هامش الحرية الفردية، واحتمالات الإبداع.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، لا يستطيع المراقب إلا أن يلاحظ العلاقة بين أولاد الإنحطاط وموجات الاحتجاج المتأخرة على الرسوم الكاريكاتورية البشعة التي نشرت في صحيفة دانماركية منذ ما يقرب من عامين.
الاحتجاج على الرسوم الكاريكاتورية يمكن أن يتخذ شكل نشر رسوم أو مقالات مضادة في صحف الخليج حيث بدأ الاحتجاج أوفى غيرها كما حدث. لكن المسألة اتخذت شكلا آخر. بدأت بمقاطعة البضائع الدانماركية في الخليج، ثم امتد الهشيم: تظاهرات وحرق أعلام، وصولا إلى قيام العديد من الصحف الأوروبية بإعادة نشر الرسوم. وحرق سفارتي الدانمارك والنروج في دمشق، قبل أن يتم حرق القنصلية الدانماركية في بيروت، وحفلة حرق السيارات وتكسيرها على مداخل أحد أحيائها، ورشق كنيسة بالحجارة ، وتحرشات مشابهة فى أقطار عربيةوإسلامية أخرى.
يجدر التوقف عند ملاحظتين:
الأولى، أن موجة الإحتجاج بدأت في الدول الخليجية. أي أن الطفرة البترولية الأصولية تحولت إلى قيادة الشارع العربي. من فضاء أصولي يغطي القواعد العسكرية الأميركية في الخليج، ويواريها خجلا بالتظاهرات الإحتجاجية أمام المهانة اليومية في فلسطين، وأحداث غزةالأخيرة ، وحيث تمتلك إسرائيل بعثات تجارية تغطي علاقات دائمة، إلى محاولة تحطيم العلاقات العربية - الأوروبية عبر تجييش الرأي العام ضد رسوم عنصرية صارت بعد شهور من نشرها ، هي القضية اليوم التى مايزال البعض يطرحها!
وقد تكون الثانية فى أن استباحةعاصمة كبيروت مثلا لم يكن لها علاقة بحرية التعبير. فمن يريد التظاهر يستطيع أن يقوم به حول أي مسألة، أما تحويل التظاهرة إلى حرائق، ومحاولة إحياء ذاكرة طائفية هنا وهناك
، فهذه مسألة تفوح منها رائحة أصابع كريهة.
ونأمل دوما أن لا ينجر اللبنانيون والعراقيون والمصريون أكثر، وغيرهم من أماكن قد تكون مستهدفة لتفجير هكذا صراع إلى أى نوع من السعار الطائفي من جديد، فاللعبة مكشوفة وسمجة وتفوح منها روائح الانحطاط.
إنها كحفلة السواطير القديمة تتخذ شكلا جديدا.
السبت يناير 21, 2017 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» قصيده بعنوان كافي
الجمعة ديسمبر 19, 2014 7:50 am من طرف عدنان المعموري
» عن لسان ام الشاعر الراحل رحيم المالكي
الأحد يوليو 06, 2014 1:52 pm من طرف عدنان المعموري
» القصيدة التي أغضبت سلاطين المنطقة الخضراء
الثلاثاء أكتوبر 02, 2012 12:44 pm من طرف عدنان المعموري
» قصة مؤثرة عن غيرة النساء
الجمعة يونيو 29, 2012 1:06 am من طرف عدنان المعموري
» أبن شقيق الجعفري يكشف تفاصيل الاعتداء عليه بالضرب من قبل أبن شقيقة المالكي وأقربائه
الأربعاء مايو 23, 2012 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب / صاحب الضويري
السبت مايو 12, 2012 12:24 am من طرف عدنان المعموري
» خانقين..الوردة البيضاء..مدينة التآخي والسلام
الخميس فبراير 16, 2012 12:16 pm من طرف حسين:خانقين
» هدية لكم جميعا..مع باقات من النرجس من على سفوح جبال كردستان
الخميس فبراير 16, 2012 5:21 am من طرف حسين:خانقين
» الأشعة..منافعها واضرارها وهذا الحديث مع طبيبة اختصاصية في م. خانقين
الخميس فبراير 16, 2012 5:06 am من طرف حسين:خانقين
» دعوة للمشاركة
الخميس أكتوبر 06, 2011 9:22 am من طرف د.مسلم بديري
» قصص قصيرة جدا
الإثنين يوليو 18, 2011 5:00 pm من طرف د.مسلم بديري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:47 am من طرف عدنان المعموري
» زعلتك صدك
الثلاثاء يونيو 21, 2011 1:22 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب /للشاعر صاحب الضويري
الإثنين يونيو 13, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» أكميله للشاعر عارف مأمون
الإثنين أبريل 04, 2011 8:17 am من طرف عدنان المعموري
» كل ساعة انذبح من عرست لليوم وكل ساعة انسحك بجدام تذكارك
الإثنين أبريل 04, 2011 8:13 am من طرف عدنان المعموري
» قراءة الواقع الثقافي في العراق
السبت مارس 12, 2011 1:13 pm من طرف قاسم المعموري
» اشعل فتيلها الكادحون والرافضون للظلم
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:05 pm من طرف قاسم المعموري