الأبعاد السياسية لاتفاقية الإطار الإستراتيجي
بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية
د. سامر مؤيد/مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية
بعد رحلة مضنية قطعها العراق في خضم العقوبات الدولية التي فرضت عليه أثر دخوله للكويت عام 1991، وبعد فوضى مدمرة عصفت به منذ دخول القوات الأمريكية إلى بغداد عام 2003، استرخت دوامة التطورات والصراعات فيه، ودخلت علاقاته مع الولايات المتحدة الأمريكية منعطفاً مهماً وجديداً تمثل في التوقيع على اتفاقيتي (انسحاب القوات والإطار الاستراتيجي) نهاية عام 2008 واللتان وعدتا بإنهاء ذلك الفصل القاتم من العقوبات الدولية والوصاية الأممية، واسترجاع كامل سيادته ومكانته الدولية، كما وعدتا بحفظ أمنه وصيانة سلامته بوجه التهديدات الداخلية والخارجية.
ومنذ التوقيع على الاتفاقيتين معاً حظيت الاتفاقية الأمنية باهتمام رسمي وإعلامي فاق إلى حد كبير الاهتمام الذي حظيت به اتفاقية الإطار الإستراتيجي، وذلك يتأتى من أرجحية المتغير الأمني وخطورة تداعياته على سيادة العراق ومستقبله على حساب غيره من المتغيرات لاسيما بعد الأوضاع العصيبة التي عاشها بلدنا منذ عام 2003.
غير إن التحليل لاتفاقية الإطار الإستراتيجي يقودنا إلى التشبث بأهميتها انطلاقاً من رؤية مفادها إن دعائم الأمن لا تثبت إلا بعد توافر البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية المناسبة لها، فما الأمن إلا حلقة من بين حلقات أخرى تتفاعل فيما بينها لتدعيم أركان الدولة وحفظها في عالم تتداخل فيه المتغيرات وتتبادل التأثير.
وفي الجملة فإن هذه الاتفاقية تضع الإطار التفصيلي لمسار العلاقة والتعاون المستقبلي بين الحكومة العراقية والحكومة الأمريكية في شتى الميادين بما يفترض انه سيسهم في تعزيز وتنمية التجربة الديمقراطية في العراق على أساس الاحترام المتبادل والمعايير المعترف بها للقانون الدولي، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، كما جاء في الفقرة الأولى من القسم الأول لاتفاقية الإطار الإستراتيجي.
ولعل مراجعة سريعة لديباجة اتفاقية الإطار الاستراتيجي والمادة الأولى منها ستفضي بنا إلى رسم صورة واضحة عن دواعي وأهداف عقد هذه الاتفاقية واستجلاء أهميتها في ترسيم أفق العلاقات المستقبلية بين البلدين في سياق الرغبة المشتركة لإقامة علاقة طويلة الأمد، وتلبية الحاجة لتوفير الدعم اللازم لإنجاح العملية السياسية في العراق، وتعزيز المصالحة الوطنية فيه، وتعزيز قدرته على تحمل كامل المسؤولية عن أمنه، وعن سلامة شعبه. مع تحري الوسائل والظروف اللازمة لبناء اقتصاد عراقي متنوع ومتطور يضمن اندماجه في المجتمع الدولي بما يسهم مستقبلاً في تعزيز وتنمية الديمقراطية فيه.
وبعيداً عن النصوص المكتوبة تتسع مساحة الأهداف والغايات التي يرنو إليها طرفا الاتفاقية على أرض الواقع، فمن جانب الحكومة العراقية تعد هذه الاتفاقية قناة مهمة لتجديد فاعلية النظام وشرعيته عبر تعزيز قدرته على الانجاز، لأن تفعيل النصوص الدستورية وإنفاذ حكم القانون وبناء المؤسسات السياسية الفاعلة مع توسيع قاعدة المشاركة لا توفر وحدها الحصانة الكافية في وجه تنامي ضواغط المطالب الشعبية وعجز النظام على الاستجابة لها، الأمر الذي سيسهم في تصدع شرعية هذا النظام وانفراطها.
من جانب آخر فقد أمدت هذه الاتفاقية الحكومة العراقية بهامش الدعم اللازم لتطوير دور وتحقيق عمق استراتيجي إقليمي من خلال توظيف الزخم الاستراتيجي الأمريكي عبر تفعيل بنود الاتفاقية لتهيئة ظروف الانخراط العراقي الفاعل في البيئة الإقليمية. وليس الشعب العراقي ببعيد عن دائرة تحصيل المغانم المترتبة على عقد مثل هذه الاتفاقية، طالما مثل الغاية التي تنشدها أيه حكومة ديمقراطية تسعى إلى البقاء على سدة الحكم بالاستناد إلى شرعية صناديق الاقتراع.
وأما من جانب الحكومة الأمريكية فإن مثل هذه الاتفاقية تعد بمثابة سلاح الرمق الأخير الذي سيحفظ ماء وجه الإدارة الجمهورية عند لحظة الوداع أمام الزحف الديمقراطي في المنافسة الانتخابية بوصفها الإعلان المشرف عن إنهاء الحرب في العراق وتصفية تركتها وجني ثمارها وبلورة الإناء الشرعي لحفظ لمصالح الإستراتيجية الأمريكية في العراق بعد كل تلك الجهود والخسائر الكبيرة.
ولم يبتعد السعي الأمريكي لإبرام هذه الاتفاقية عن الرغبة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأنموذج الذي تهالكت الإدارة الأمريكية على استزراعه وإشاعته في منطقة الشرق الأوسط الجديد عبر توفير الأرضية الخصبة والإطار القانوني لإنجاحه مستقبلاً.
وفي هذا السياق، استثمرت الولايات المتحدة تجربتها التاريخية في ألمانيا واليابان لإعادة الارتباط والتوازن بين حلقات الأمن والتنمية لتحريك القاطرة السياسية بقصد توفير الحاضنة الآمنة لمصالحها الحيوية في هذه الرقعة الساخنة من العالم (العراق).
وقبل أن يخطف أبصارنا بريق الوعود والإغراءات التي غذتها بنود اتفاقية الإطار الاستراتيجي، يجدر بنا التريث والتنبيه من مغبة ما يتوارى خلف النصوص من تناقضات ومحاذير ونوايا مبيتة، وما ينطوي عليه الواقع من إمكانات فعلية لتحقيق تلك الوعود.
بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية
د. سامر مؤيد/مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية
بعد رحلة مضنية قطعها العراق في خضم العقوبات الدولية التي فرضت عليه أثر دخوله للكويت عام 1991، وبعد فوضى مدمرة عصفت به منذ دخول القوات الأمريكية إلى بغداد عام 2003، استرخت دوامة التطورات والصراعات فيه، ودخلت علاقاته مع الولايات المتحدة الأمريكية منعطفاً مهماً وجديداً تمثل في التوقيع على اتفاقيتي (انسحاب القوات والإطار الاستراتيجي) نهاية عام 2008 واللتان وعدتا بإنهاء ذلك الفصل القاتم من العقوبات الدولية والوصاية الأممية، واسترجاع كامل سيادته ومكانته الدولية، كما وعدتا بحفظ أمنه وصيانة سلامته بوجه التهديدات الداخلية والخارجية.
ومنذ التوقيع على الاتفاقيتين معاً حظيت الاتفاقية الأمنية باهتمام رسمي وإعلامي فاق إلى حد كبير الاهتمام الذي حظيت به اتفاقية الإطار الإستراتيجي، وذلك يتأتى من أرجحية المتغير الأمني وخطورة تداعياته على سيادة العراق ومستقبله على حساب غيره من المتغيرات لاسيما بعد الأوضاع العصيبة التي عاشها بلدنا منذ عام 2003.
غير إن التحليل لاتفاقية الإطار الإستراتيجي يقودنا إلى التشبث بأهميتها انطلاقاً من رؤية مفادها إن دعائم الأمن لا تثبت إلا بعد توافر البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية المناسبة لها، فما الأمن إلا حلقة من بين حلقات أخرى تتفاعل فيما بينها لتدعيم أركان الدولة وحفظها في عالم تتداخل فيه المتغيرات وتتبادل التأثير.
وفي الجملة فإن هذه الاتفاقية تضع الإطار التفصيلي لمسار العلاقة والتعاون المستقبلي بين الحكومة العراقية والحكومة الأمريكية في شتى الميادين بما يفترض انه سيسهم في تعزيز وتنمية التجربة الديمقراطية في العراق على أساس الاحترام المتبادل والمعايير المعترف بها للقانون الدولي، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، كما جاء في الفقرة الأولى من القسم الأول لاتفاقية الإطار الإستراتيجي.
ولعل مراجعة سريعة لديباجة اتفاقية الإطار الاستراتيجي والمادة الأولى منها ستفضي بنا إلى رسم صورة واضحة عن دواعي وأهداف عقد هذه الاتفاقية واستجلاء أهميتها في ترسيم أفق العلاقات المستقبلية بين البلدين في سياق الرغبة المشتركة لإقامة علاقة طويلة الأمد، وتلبية الحاجة لتوفير الدعم اللازم لإنجاح العملية السياسية في العراق، وتعزيز المصالحة الوطنية فيه، وتعزيز قدرته على تحمل كامل المسؤولية عن أمنه، وعن سلامة شعبه. مع تحري الوسائل والظروف اللازمة لبناء اقتصاد عراقي متنوع ومتطور يضمن اندماجه في المجتمع الدولي بما يسهم مستقبلاً في تعزيز وتنمية الديمقراطية فيه.
وبعيداً عن النصوص المكتوبة تتسع مساحة الأهداف والغايات التي يرنو إليها طرفا الاتفاقية على أرض الواقع، فمن جانب الحكومة العراقية تعد هذه الاتفاقية قناة مهمة لتجديد فاعلية النظام وشرعيته عبر تعزيز قدرته على الانجاز، لأن تفعيل النصوص الدستورية وإنفاذ حكم القانون وبناء المؤسسات السياسية الفاعلة مع توسيع قاعدة المشاركة لا توفر وحدها الحصانة الكافية في وجه تنامي ضواغط المطالب الشعبية وعجز النظام على الاستجابة لها، الأمر الذي سيسهم في تصدع شرعية هذا النظام وانفراطها.
من جانب آخر فقد أمدت هذه الاتفاقية الحكومة العراقية بهامش الدعم اللازم لتطوير دور وتحقيق عمق استراتيجي إقليمي من خلال توظيف الزخم الاستراتيجي الأمريكي عبر تفعيل بنود الاتفاقية لتهيئة ظروف الانخراط العراقي الفاعل في البيئة الإقليمية. وليس الشعب العراقي ببعيد عن دائرة تحصيل المغانم المترتبة على عقد مثل هذه الاتفاقية، طالما مثل الغاية التي تنشدها أيه حكومة ديمقراطية تسعى إلى البقاء على سدة الحكم بالاستناد إلى شرعية صناديق الاقتراع.
وأما من جانب الحكومة الأمريكية فإن مثل هذه الاتفاقية تعد بمثابة سلاح الرمق الأخير الذي سيحفظ ماء وجه الإدارة الجمهورية عند لحظة الوداع أمام الزحف الديمقراطي في المنافسة الانتخابية بوصفها الإعلان المشرف عن إنهاء الحرب في العراق وتصفية تركتها وجني ثمارها وبلورة الإناء الشرعي لحفظ لمصالح الإستراتيجية الأمريكية في العراق بعد كل تلك الجهود والخسائر الكبيرة.
ولم يبتعد السعي الأمريكي لإبرام هذه الاتفاقية عن الرغبة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأنموذج الذي تهالكت الإدارة الأمريكية على استزراعه وإشاعته في منطقة الشرق الأوسط الجديد عبر توفير الأرضية الخصبة والإطار القانوني لإنجاحه مستقبلاً.
وفي هذا السياق، استثمرت الولايات المتحدة تجربتها التاريخية في ألمانيا واليابان لإعادة الارتباط والتوازن بين حلقات الأمن والتنمية لتحريك القاطرة السياسية بقصد توفير الحاضنة الآمنة لمصالحها الحيوية في هذه الرقعة الساخنة من العالم (العراق).
وقبل أن يخطف أبصارنا بريق الوعود والإغراءات التي غذتها بنود اتفاقية الإطار الاستراتيجي، يجدر بنا التريث والتنبيه من مغبة ما يتوارى خلف النصوص من تناقضات ومحاذير ونوايا مبيتة، وما ينطوي عليه الواقع من إمكانات فعلية لتحقيق تلك الوعود.
السبت يناير 21, 2017 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» قصيده بعنوان كافي
الجمعة ديسمبر 19, 2014 7:50 am من طرف عدنان المعموري
» عن لسان ام الشاعر الراحل رحيم المالكي
الأحد يوليو 06, 2014 1:52 pm من طرف عدنان المعموري
» القصيدة التي أغضبت سلاطين المنطقة الخضراء
الثلاثاء أكتوبر 02, 2012 12:44 pm من طرف عدنان المعموري
» قصة مؤثرة عن غيرة النساء
الجمعة يونيو 29, 2012 1:06 am من طرف عدنان المعموري
» أبن شقيق الجعفري يكشف تفاصيل الاعتداء عليه بالضرب من قبل أبن شقيقة المالكي وأقربائه
الأربعاء مايو 23, 2012 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب / صاحب الضويري
السبت مايو 12, 2012 12:24 am من طرف عدنان المعموري
» خانقين..الوردة البيضاء..مدينة التآخي والسلام
الخميس فبراير 16, 2012 12:16 pm من طرف حسين:خانقين
» هدية لكم جميعا..مع باقات من النرجس من على سفوح جبال كردستان
الخميس فبراير 16, 2012 5:21 am من طرف حسين:خانقين
» الأشعة..منافعها واضرارها وهذا الحديث مع طبيبة اختصاصية في م. خانقين
الخميس فبراير 16, 2012 5:06 am من طرف حسين:خانقين
» دعوة للمشاركة
الخميس أكتوبر 06, 2011 9:22 am من طرف د.مسلم بديري
» قصص قصيرة جدا
الإثنين يوليو 18, 2011 5:00 pm من طرف د.مسلم بديري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:47 am من طرف عدنان المعموري
» زعلتك صدك
الثلاثاء يونيو 21, 2011 1:22 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب /للشاعر صاحب الضويري
الإثنين يونيو 13, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» أكميله للشاعر عارف مأمون
الإثنين أبريل 04, 2011 8:17 am من طرف عدنان المعموري
» كل ساعة انذبح من عرست لليوم وكل ساعة انسحك بجدام تذكارك
الإثنين أبريل 04, 2011 8:13 am من طرف عدنان المعموري
» قراءة الواقع الثقافي في العراق
السبت مارس 12, 2011 1:13 pm من طرف قاسم المعموري
» اشعل فتيلها الكادحون والرافضون للظلم
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:05 pm من طرف قاسم المعموري