مراجعة فكرية في ضوء النقد للماركسية
نبيل عودة
يحتل الفيلسوف الاسترالي المولد كارل بوبرمكانة هامة في الفكر الفلسفي الحديث، خاصة في مجال الفلسفة العلمية، والدفاع عن الدمقراطية. ويعتبر مؤلفه "أعداء المجتمع المنفتح"، الذي صدر في نهاية الحرب العالمية الثانية، من أهم المؤلفات الفلسفية التي طرحت رؤية تطويرية لفلسفة العلوم، ورؤية تجديدية في الفكر السياسي – الاجتماعي. ويبدو ان الفترة التي عمل بها على كتابه، عشية وخلال الحرب العالمية الثانية، قد أثرت على مواقفه، وأعطته حدة معينة في بعض الطروحات.
أعتبر نفسي حتى اليوم من المدرسة الماركسية ، ولكني لم أعد ذلك الماركسي المنغلق على فكر فلسفي جاء اقرب للدين من العلم. واعني الماركسية كما درسناها حسب الطريقة السوفياتية. وربما هذه مشكلتها الكبيرة التي لم ينجح العديد من المنظرين الماركسيين من دفع الماركسية خارجها، ليس لعجزهم، انما نتيجة سيطرة المدرسة الماركسية السوفياتية، ودور الكومنترن والاتحاد السوفييتي وقيادات مختلف الأحزاب في الحفاظ على نهج منغلق، من الصعب القول انه ماركسي، بل هو أقرب للتقوقع الستاليني الكنسي. وكل من تجرأ وطرح رؤية ماركسية منفتحة، واجه غضب الكومنترن، والنقد الحاد والاتهام بالتحريفية، والطرد من الحزب والنفي أو الاعدام.
في دراسة للباحث والمحاضر في جامعة تل أبيب الدكتور اشار سيلفان، حمل عنوان "منظرو الماركسية الغربية" (باللغة العبرية) يكشف الكثير من الاشكاليات التي انتقدها المفكرين الماركسيين الغربيين، والتي أضحت اليوم على لسان الكثير من الشيوعيين لدى اشارتهم الى اسباب انهيار النظام الاشتركي وأخطاء المرحلة الستالينية، التي لم يخرج منها الحزب والنظام في الاتحاد السوفييتي رغم الانتقاد والاصلاح.. اذ يبدو ان ستالين انغرس عميقا في شخصية الشيوعيين السوفييت وغيرهم من قادة الحركة الشيوعية العالمية، لدرجة أضحى الخروج من الفكر والعقلية الستالينية بمثابة انتحار شخصي. ويبدو انهم فضلوا انتحار أحزابهم على انتهاء أدوارهم.
ان عظمة الماركسية كانت بحيويتها واتساع تأثيرها الدولي، وقدرتها على تعبئة كوادرها بمشاعر بالغة القوة، وقناعات شبه ايمانية – دينية. واليوم بعد قرن ونصف القرن من بدء نشاط ماركس، من المثير فهم ما اثارته الماركسية من تأييد ومعارضة، أشغل عالمنا منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى لحظتنا الراهنة.
لن أدخل في اسماء المنظرين الشيوعيين الذي دمغهم النهج السوفياتي بالتحريفية. اذ ان هدفي من هذه المقدمة الدخول الى بعض طروحات كتاب "أعداء المجتمع المنفتح"، الذي صدر أيضا ضمن المرحلة التي شهدت صراعا فلسفيا وتنظيريا وايديولوجيا وسياسيا وعسكريا أيضا بين المؤيدين للماركسية، كما عبر عنها النهج السوفييتي ونهج جميع الأحزاب الشيوعية تقريبا، والمعادين للماركسية من المدارس الفلسفية المختلفة، ومن الأنظمة الراسمالية والاستعمارية التي رأت مخاطر الماركسية على مصالحها الدولية والداخلية أيضا.
كارل بوبر يعبر عن قلقه على المجتمع البشري من أعداء الدمقراطية. في كتابه "أعداء المجتمع المنفتح" (صدرت ترجمته العبرية - 2003) يستعرض أعداء الدمقراطية عبر تاريخ الفكر البشري كله، بدءا من أفلاطون، ملهم الفكر التوتاليتاري (العسكريتاري) في التنظيم الاجتماعي، كما يطرح فكره، ويمكن تسمية توتاليتيرية أفلاطون بالمرحلة الرومانسية، عبورا بفكر هيغل، وصولا الى ماركس.حيث قام بتقطيع أو تجزيء النظرية الماركسية الى أجزاء عدة، وشن على ماركس هجوما حادا متهما نهجه وفكره بالمسؤولية على مآسي عصرنا.. لكونها أكثر الفلسفات التي أثرت على القرنين التاسع عشر والعشرين وما زال تأثيرها عميقا حتى ونحن ندخل الألفية الثالثة بعد الانهيار الكبير في نهاية الألفية السابقة للأنظمة التي قامت على أساس الفكر الماركسي وللعديد من أحزابها الرئيسية.
قراءتي لم تكن نقدية، انما قراءة تعليمية لفهم اتجاهات النقد البرجوازي للفكر الماركسي. الى جانب ان الكثير من المصطلحات المستعملة بالترجمة العبرية أشقتني لفهمها وبعضها ظل غائبا عن فهمي. ويؤسفني ان مثل تلك الأعمال تبقى غائبة عن المكتبة العربية، وأكاد أجزم ان اللغة العربية تفتقد للمصطلحات التي يمكن ان تعبر عن المضمون الذي يريده الكاتب، لأن بعض ما استطعت تفسيره أعجز عن ايجاد صيغة عربية تصلح لصياغة مضمون ما يطرحة الكتاب. ولنا تجربة في الترجمات العربية المبهمة لكتب هامة جدا وعلى رأسها "الاستشراق" لادوارد سعيد، الذي فشلت في قراءة نصه العربي وقرأته بترجمة ممتازة باللغة العبرية. وهكذا فعل عشرات المثقفين العرب، وقسم منهم قراءه باللغة الانكليزية، كما تبين لي فيما بعد. وقد قرأت نقدا للمفكر العربي البارز هاشم صالح للترجمة العربية لكتاب "الإستشراق" ويدعو الى ترجمته من جديد، لأن ترجمته غير مفهومه للقارئ العربي.
ان فكر المجتمع المنفتح يحتل حيزا هاما في أيامنا هذه أيضا، ربما أكثر من اي فترة تاريخية حديثة.. وبالتاكيد أكثر من الاهتمام بالمجتمع المنفتح في فترة منتتصف القرن العشرين عندما أصدر بوبر كتابه المذكور.
بعض نقاد كارل بوبر يؤكدون ان طروحاته ازدادت أهميتها في وقتنا... لفهم المراحل التاريخية الراهنة، وأسلوب صياغة النشاط السياسي المعاصر.
كارل بوبر يوجه نقدا على أعداء الدمقراطية في الماضي والحاضر. من هنا نقده لأفلاطون، مؤلف "الجمهورية" وتحليله لفلسفة هيجل، وتناوله لفلسفة ماركس. ولكن البارز، بغض النظر عن نقده "لأعداء الدمقراطية عبر التاريخ" هو أن دفاعه عن الدمقراطية بشكل بارز وعميق، هما من مميزات كتابه، وفي هذا الأمر يعتبر الأبرز بين فلاسفة القرن العشرين.
وكذلك احتل المقدمة في مجال الفلسفة العلمية، اذ كانت رؤيته ان الحقائق في العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية، هي اتباتات القصد منها كشف الأخطاء وليس لاثبات صحة نظرية معينة، وأن العلم لا يتقدم من حقيقة الى حقيقة أخرى.. انما من اكتشاف خطأ الى اكتشاف خطأ آخر، وان تقدم العلم يلخص كله في اكتساب معرفة سلبية.. وأن هذا يقود في النهاية الى الحقيقة.
عبر هذه الرؤية، التي آمل اني نقلتها بوضوح، حقق كارل وبر، تغييرا ثوريا في فهم العلوم، لذا يرى البعض أن بوبر أنقذ بفلسفته الرائدة العلوم من الترهل والتفكك، وأحدث قفزة في التفكير العلمي وفي فهم فلسفة العلوم.
ومن نفس المنطلق انتقد بوبر النظريات الشمولية، التي ادعت معرفة كل شيء، بل وطرحت شكلا جديدا لهندسة المجتمع والسلطة للوصول الى النظام المثالي وجعله نظاما ثابتا ومستمرا الى الأبد، كما فكر الفيلسوف الاغريقي افلاطون، في جمهوريته... وكما فكر كارل ماركس عن نظامه الاشتراكي والشيوعي، وكما فكر زعيم الفاشيين الايطاليين موسوليني، وكما فكر الزعيم الألماني هتلر وكما فكر العسكريين في اليابان... كلهم ظنوا انهم يعرفون ما يفعلون، ويعرفون مصلحة المجتمع وتنظيمه المثالي، وما يصح فعله وما هو عادل للمجتمع الانساني، بل ويعرفون الطريق لتحقيق نظرياتهم، وأعلنوا نظرياتهم وبرامجهم (هندستهم الاجتماعية ) التي تقود الى تحقيق المجتمع المثالي.
بلا شك ان أفلاطون (والفارابي أيضا في مدينته الفاضلة) وماركس ساهموا، كل واحد بقدر ما، بدور عظيم في تطوير الفكر البشري.. وتعميق الوعي بحقائق الحياة وأهمية النظام الاجتماعي والعدالة الاجتماعية، وكانوا نظريا وفكريا على نقيض من الفكر النازي والفاشي، وفكر نيتشة الألماني مثلا... الذي اعتمدته النازية كفلسفتها الرسمية.ولكن الحقائق العملية، وبغض النظر عن الرؤية الانسانية لأفلاطون وماركس وهيغل في بحثهم عن المجتمع الفاضل والعادل والنظام الذي يحترم مكانة الانسان ودوره، قادت الى تشكيل دول عسكرية (توتاليتيرية) مستبدة، تحت شعارات المساواة والعدالة والدمقراطية.
هل كانت نظرية ماركس للمجتمع العادل مثلا غير قابلة للتطبيق الا بالأسلوب الذي عرفناه؟
رؤيتي الشخصية ان الماركسية مشكلتها كانت في التطبيق وليس في الفكر.. وفي الجمود العقائدي الذي أصاب الحركات الماركسية، وليس في جوهر الماركسية الاستبدادي.
من الواضح ان الفكرالشمولي العسكري نجده في فكر افلاطون السياسي والاجتماعي.. أو يقود اليه تلقائيا. وهذا هو مضمون تصوره لجمهوريته، حيث قسم الناس الى فئات وطبقات: طبقة الحكام، طبقة العسكر، طبقة المنتجين... الخ. وكان القصد تحقيق وحدة فكرية سياسية تقضي على الخلاف الفكري والصراعات بين التيارات المختلفة، وقد تأثر الفارابي بهذا الفكر.. ولكنه موضوع آخر..
بوبر يعتقد ان نظرية ماركس لم تقع بعيدا عن فكر افلاطون.. في فهمها لهندسة الدولة العتيدة، بالخطوط الرئيسية على الأقل.. وبالتطبيق نفذ الفكر الأفلاطوني بقوة أكثر، حيث تحول الحزب الحاكم الى الطبقة الحاكمة، والعسكر الى حماة الطبقة ( النظام ) الحاكمة ، وصيانة السلطة المطلقة للحزب، وتحول المنتجين (الشغيلة) الى مصدر تمويل للدولة – الحزب – الطبقة الحاكمة.
اؤمن بشكل مطلق ان أفلاطون حركته افكار انسانية بالأساس.كيف يمكن بناء دولة ذات صفات أخلاقية في وقته. ومن المؤكد اليوم ان كل الدول التي سارت على هندسة افلاطون وماركس لبناء دولة، أسقطت الجانب الجوهري الانساني الأخلاقي، واندمجت بالجانب النفعي للمجموعة المتسلطة. وبالتالي تحولت الى طغم استبدادية عسكرية لا تختلف في جوهرها السلطوي عن الطغم في الأنظمة الظلامية. واليوم الصورة أكثر وضوحا أمامنا.
بوبر لم يخف اعجابه بأفلاطون: "أعظم الرجال هم الذين يمكنهم ارتكاب أكبر الأخطاء"، والسؤال المحير هنا كيف يمكن لأشهر العباقرة في التاريخ الانساني، ان تصبح فلسفتهم تغطية لأكثر الأنظمة استبدادا؟
نبيل عودة
يحتل الفيلسوف الاسترالي المولد كارل بوبرمكانة هامة في الفكر الفلسفي الحديث، خاصة في مجال الفلسفة العلمية، والدفاع عن الدمقراطية. ويعتبر مؤلفه "أعداء المجتمع المنفتح"، الذي صدر في نهاية الحرب العالمية الثانية، من أهم المؤلفات الفلسفية التي طرحت رؤية تطويرية لفلسفة العلوم، ورؤية تجديدية في الفكر السياسي – الاجتماعي. ويبدو ان الفترة التي عمل بها على كتابه، عشية وخلال الحرب العالمية الثانية، قد أثرت على مواقفه، وأعطته حدة معينة في بعض الطروحات.
أعتبر نفسي حتى اليوم من المدرسة الماركسية ، ولكني لم أعد ذلك الماركسي المنغلق على فكر فلسفي جاء اقرب للدين من العلم. واعني الماركسية كما درسناها حسب الطريقة السوفياتية. وربما هذه مشكلتها الكبيرة التي لم ينجح العديد من المنظرين الماركسيين من دفع الماركسية خارجها، ليس لعجزهم، انما نتيجة سيطرة المدرسة الماركسية السوفياتية، ودور الكومنترن والاتحاد السوفييتي وقيادات مختلف الأحزاب في الحفاظ على نهج منغلق، من الصعب القول انه ماركسي، بل هو أقرب للتقوقع الستاليني الكنسي. وكل من تجرأ وطرح رؤية ماركسية منفتحة، واجه غضب الكومنترن، والنقد الحاد والاتهام بالتحريفية، والطرد من الحزب والنفي أو الاعدام.
في دراسة للباحث والمحاضر في جامعة تل أبيب الدكتور اشار سيلفان، حمل عنوان "منظرو الماركسية الغربية" (باللغة العبرية) يكشف الكثير من الاشكاليات التي انتقدها المفكرين الماركسيين الغربيين، والتي أضحت اليوم على لسان الكثير من الشيوعيين لدى اشارتهم الى اسباب انهيار النظام الاشتركي وأخطاء المرحلة الستالينية، التي لم يخرج منها الحزب والنظام في الاتحاد السوفييتي رغم الانتقاد والاصلاح.. اذ يبدو ان ستالين انغرس عميقا في شخصية الشيوعيين السوفييت وغيرهم من قادة الحركة الشيوعية العالمية، لدرجة أضحى الخروج من الفكر والعقلية الستالينية بمثابة انتحار شخصي. ويبدو انهم فضلوا انتحار أحزابهم على انتهاء أدوارهم.
ان عظمة الماركسية كانت بحيويتها واتساع تأثيرها الدولي، وقدرتها على تعبئة كوادرها بمشاعر بالغة القوة، وقناعات شبه ايمانية – دينية. واليوم بعد قرن ونصف القرن من بدء نشاط ماركس، من المثير فهم ما اثارته الماركسية من تأييد ومعارضة، أشغل عالمنا منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى لحظتنا الراهنة.
لن أدخل في اسماء المنظرين الشيوعيين الذي دمغهم النهج السوفياتي بالتحريفية. اذ ان هدفي من هذه المقدمة الدخول الى بعض طروحات كتاب "أعداء المجتمع المنفتح"، الذي صدر أيضا ضمن المرحلة التي شهدت صراعا فلسفيا وتنظيريا وايديولوجيا وسياسيا وعسكريا أيضا بين المؤيدين للماركسية، كما عبر عنها النهج السوفييتي ونهج جميع الأحزاب الشيوعية تقريبا، والمعادين للماركسية من المدارس الفلسفية المختلفة، ومن الأنظمة الراسمالية والاستعمارية التي رأت مخاطر الماركسية على مصالحها الدولية والداخلية أيضا.
كارل بوبر يعبر عن قلقه على المجتمع البشري من أعداء الدمقراطية. في كتابه "أعداء المجتمع المنفتح" (صدرت ترجمته العبرية - 2003) يستعرض أعداء الدمقراطية عبر تاريخ الفكر البشري كله، بدءا من أفلاطون، ملهم الفكر التوتاليتاري (العسكريتاري) في التنظيم الاجتماعي، كما يطرح فكره، ويمكن تسمية توتاليتيرية أفلاطون بالمرحلة الرومانسية، عبورا بفكر هيغل، وصولا الى ماركس.حيث قام بتقطيع أو تجزيء النظرية الماركسية الى أجزاء عدة، وشن على ماركس هجوما حادا متهما نهجه وفكره بالمسؤولية على مآسي عصرنا.. لكونها أكثر الفلسفات التي أثرت على القرنين التاسع عشر والعشرين وما زال تأثيرها عميقا حتى ونحن ندخل الألفية الثالثة بعد الانهيار الكبير في نهاية الألفية السابقة للأنظمة التي قامت على أساس الفكر الماركسي وللعديد من أحزابها الرئيسية.
قراءتي لم تكن نقدية، انما قراءة تعليمية لفهم اتجاهات النقد البرجوازي للفكر الماركسي. الى جانب ان الكثير من المصطلحات المستعملة بالترجمة العبرية أشقتني لفهمها وبعضها ظل غائبا عن فهمي. ويؤسفني ان مثل تلك الأعمال تبقى غائبة عن المكتبة العربية، وأكاد أجزم ان اللغة العربية تفتقد للمصطلحات التي يمكن ان تعبر عن المضمون الذي يريده الكاتب، لأن بعض ما استطعت تفسيره أعجز عن ايجاد صيغة عربية تصلح لصياغة مضمون ما يطرحة الكتاب. ولنا تجربة في الترجمات العربية المبهمة لكتب هامة جدا وعلى رأسها "الاستشراق" لادوارد سعيد، الذي فشلت في قراءة نصه العربي وقرأته بترجمة ممتازة باللغة العبرية. وهكذا فعل عشرات المثقفين العرب، وقسم منهم قراءه باللغة الانكليزية، كما تبين لي فيما بعد. وقد قرأت نقدا للمفكر العربي البارز هاشم صالح للترجمة العربية لكتاب "الإستشراق" ويدعو الى ترجمته من جديد، لأن ترجمته غير مفهومه للقارئ العربي.
ان فكر المجتمع المنفتح يحتل حيزا هاما في أيامنا هذه أيضا، ربما أكثر من اي فترة تاريخية حديثة.. وبالتاكيد أكثر من الاهتمام بالمجتمع المنفتح في فترة منتتصف القرن العشرين عندما أصدر بوبر كتابه المذكور.
بعض نقاد كارل بوبر يؤكدون ان طروحاته ازدادت أهميتها في وقتنا... لفهم المراحل التاريخية الراهنة، وأسلوب صياغة النشاط السياسي المعاصر.
كارل بوبر يوجه نقدا على أعداء الدمقراطية في الماضي والحاضر. من هنا نقده لأفلاطون، مؤلف "الجمهورية" وتحليله لفلسفة هيجل، وتناوله لفلسفة ماركس. ولكن البارز، بغض النظر عن نقده "لأعداء الدمقراطية عبر التاريخ" هو أن دفاعه عن الدمقراطية بشكل بارز وعميق، هما من مميزات كتابه، وفي هذا الأمر يعتبر الأبرز بين فلاسفة القرن العشرين.
وكذلك احتل المقدمة في مجال الفلسفة العلمية، اذ كانت رؤيته ان الحقائق في العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية، هي اتباتات القصد منها كشف الأخطاء وليس لاثبات صحة نظرية معينة، وأن العلم لا يتقدم من حقيقة الى حقيقة أخرى.. انما من اكتشاف خطأ الى اكتشاف خطأ آخر، وان تقدم العلم يلخص كله في اكتساب معرفة سلبية.. وأن هذا يقود في النهاية الى الحقيقة.
عبر هذه الرؤية، التي آمل اني نقلتها بوضوح، حقق كارل وبر، تغييرا ثوريا في فهم العلوم، لذا يرى البعض أن بوبر أنقذ بفلسفته الرائدة العلوم من الترهل والتفكك، وأحدث قفزة في التفكير العلمي وفي فهم فلسفة العلوم.
ومن نفس المنطلق انتقد بوبر النظريات الشمولية، التي ادعت معرفة كل شيء، بل وطرحت شكلا جديدا لهندسة المجتمع والسلطة للوصول الى النظام المثالي وجعله نظاما ثابتا ومستمرا الى الأبد، كما فكر الفيلسوف الاغريقي افلاطون، في جمهوريته... وكما فكر كارل ماركس عن نظامه الاشتراكي والشيوعي، وكما فكر زعيم الفاشيين الايطاليين موسوليني، وكما فكر الزعيم الألماني هتلر وكما فكر العسكريين في اليابان... كلهم ظنوا انهم يعرفون ما يفعلون، ويعرفون مصلحة المجتمع وتنظيمه المثالي، وما يصح فعله وما هو عادل للمجتمع الانساني، بل ويعرفون الطريق لتحقيق نظرياتهم، وأعلنوا نظرياتهم وبرامجهم (هندستهم الاجتماعية ) التي تقود الى تحقيق المجتمع المثالي.
بلا شك ان أفلاطون (والفارابي أيضا في مدينته الفاضلة) وماركس ساهموا، كل واحد بقدر ما، بدور عظيم في تطوير الفكر البشري.. وتعميق الوعي بحقائق الحياة وأهمية النظام الاجتماعي والعدالة الاجتماعية، وكانوا نظريا وفكريا على نقيض من الفكر النازي والفاشي، وفكر نيتشة الألماني مثلا... الذي اعتمدته النازية كفلسفتها الرسمية.ولكن الحقائق العملية، وبغض النظر عن الرؤية الانسانية لأفلاطون وماركس وهيغل في بحثهم عن المجتمع الفاضل والعادل والنظام الذي يحترم مكانة الانسان ودوره، قادت الى تشكيل دول عسكرية (توتاليتيرية) مستبدة، تحت شعارات المساواة والعدالة والدمقراطية.
هل كانت نظرية ماركس للمجتمع العادل مثلا غير قابلة للتطبيق الا بالأسلوب الذي عرفناه؟
رؤيتي الشخصية ان الماركسية مشكلتها كانت في التطبيق وليس في الفكر.. وفي الجمود العقائدي الذي أصاب الحركات الماركسية، وليس في جوهر الماركسية الاستبدادي.
من الواضح ان الفكرالشمولي العسكري نجده في فكر افلاطون السياسي والاجتماعي.. أو يقود اليه تلقائيا. وهذا هو مضمون تصوره لجمهوريته، حيث قسم الناس الى فئات وطبقات: طبقة الحكام، طبقة العسكر، طبقة المنتجين... الخ. وكان القصد تحقيق وحدة فكرية سياسية تقضي على الخلاف الفكري والصراعات بين التيارات المختلفة، وقد تأثر الفارابي بهذا الفكر.. ولكنه موضوع آخر..
بوبر يعتقد ان نظرية ماركس لم تقع بعيدا عن فكر افلاطون.. في فهمها لهندسة الدولة العتيدة، بالخطوط الرئيسية على الأقل.. وبالتطبيق نفذ الفكر الأفلاطوني بقوة أكثر، حيث تحول الحزب الحاكم الى الطبقة الحاكمة، والعسكر الى حماة الطبقة ( النظام ) الحاكمة ، وصيانة السلطة المطلقة للحزب، وتحول المنتجين (الشغيلة) الى مصدر تمويل للدولة – الحزب – الطبقة الحاكمة.
اؤمن بشكل مطلق ان أفلاطون حركته افكار انسانية بالأساس.كيف يمكن بناء دولة ذات صفات أخلاقية في وقته. ومن المؤكد اليوم ان كل الدول التي سارت على هندسة افلاطون وماركس لبناء دولة، أسقطت الجانب الجوهري الانساني الأخلاقي، واندمجت بالجانب النفعي للمجموعة المتسلطة. وبالتالي تحولت الى طغم استبدادية عسكرية لا تختلف في جوهرها السلطوي عن الطغم في الأنظمة الظلامية. واليوم الصورة أكثر وضوحا أمامنا.
بوبر لم يخف اعجابه بأفلاطون: "أعظم الرجال هم الذين يمكنهم ارتكاب أكبر الأخطاء"، والسؤال المحير هنا كيف يمكن لأشهر العباقرة في التاريخ الانساني، ان تصبح فلسفتهم تغطية لأكثر الأنظمة استبدادا؟
السبت يناير 21, 2017 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» قصيده بعنوان كافي
الجمعة ديسمبر 19, 2014 7:50 am من طرف عدنان المعموري
» عن لسان ام الشاعر الراحل رحيم المالكي
الأحد يوليو 06, 2014 1:52 pm من طرف عدنان المعموري
» القصيدة التي أغضبت سلاطين المنطقة الخضراء
الثلاثاء أكتوبر 02, 2012 12:44 pm من طرف عدنان المعموري
» قصة مؤثرة عن غيرة النساء
الجمعة يونيو 29, 2012 1:06 am من طرف عدنان المعموري
» أبن شقيق الجعفري يكشف تفاصيل الاعتداء عليه بالضرب من قبل أبن شقيقة المالكي وأقربائه
الأربعاء مايو 23, 2012 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب / صاحب الضويري
السبت مايو 12, 2012 12:24 am من طرف عدنان المعموري
» خانقين..الوردة البيضاء..مدينة التآخي والسلام
الخميس فبراير 16, 2012 12:16 pm من طرف حسين:خانقين
» هدية لكم جميعا..مع باقات من النرجس من على سفوح جبال كردستان
الخميس فبراير 16, 2012 5:21 am من طرف حسين:خانقين
» الأشعة..منافعها واضرارها وهذا الحديث مع طبيبة اختصاصية في م. خانقين
الخميس فبراير 16, 2012 5:06 am من طرف حسين:خانقين
» دعوة للمشاركة
الخميس أكتوبر 06, 2011 9:22 am من طرف د.مسلم بديري
» قصص قصيرة جدا
الإثنين يوليو 18, 2011 5:00 pm من طرف د.مسلم بديري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:47 am من طرف عدنان المعموري
» زعلتك صدك
الثلاثاء يونيو 21, 2011 1:22 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب /للشاعر صاحب الضويري
الإثنين يونيو 13, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» أكميله للشاعر عارف مأمون
الإثنين أبريل 04, 2011 8:17 am من طرف عدنان المعموري
» كل ساعة انذبح من عرست لليوم وكل ساعة انسحك بجدام تذكارك
الإثنين أبريل 04, 2011 8:13 am من طرف عدنان المعموري
» قراءة الواقع الثقافي في العراق
السبت مارس 12, 2011 1:13 pm من طرف قاسم المعموري
» اشعل فتيلها الكادحون والرافضون للظلم
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:05 pm من طرف قاسم المعموري