عزيزتي الآنسة ميّ
منذ كتبت إليك حتى الآن وأنتِ في خاطري .
ولقد صرفت الساعات الطوال مفكراً بكِ مخاطباً إياكِ مستجوباً خفاياك مستقصياً أسراركِ .
والعجيب أنني شعرت مرات عديدة بوجود ذاتك الأثيرية في هذا المكتب ترقب حركاتي وتكلمني وتحاورني وتبدي رأيها في مآتيَّ وأعمالي .
أنت بالطبع تستغربين هذا الكلام
وأنا أستغرب حاجتي واضطراري إلى كتابته إليك .
وحبذا لو كان بامكاني معرفة ذلك السر الخفي الكائن وراء هذا الاضطراب وهذه الحاجة الماسة .
قد قلت لي مرةً " ألا إن بين العقول مساجلةً وبين الأفكار تبادلاً قد لا يتناوله الإدراك الحسي ولكن من ذا الذي يستطيع نفيه بتاتاً من بين أبناء الوطن الواحد ؟".
إن في هذه الفقرة الجميلة حقيقة أولية كنت فيما مضى أعرفها بالقياس العقلي
أما الآن فإني أعرفها بالاختيار النفسي .
ففي الآونة الأخيرة قد تحقق لي وجود رابطة معنوية دقيقة قوية غريبة تختلف بطبيعتها ومزاياها وتأثيرها عن كل رابطة أخرى ، فهي أشد وأصلب وأبقى بما لا يقاس من الروابط الدموية والجينية حتى والأخلاقية .
وليس بين خيوط هذه الرابطة خيط واحد من غزل الأيام والليالي التي تمر بين المهد واللحد .
وليس بين خيوطها خيط غزلته مقاصد الماضي أو رغائب الحاضر أو أماني المستقبل
فقد تكون موجودة بين اثنين لم يجمعهما الماضي ولا يجمعهما الحاضر
وقد لا يجمعهما المستقبل .
في هذه الرابطة يا ميّ ,في هذه العاطفة النفسية ,في هذا التفاهم الخفي
أحلام أغرب وأعجب من كل ما يتمايل في القلب البشري
أحلام طيّ أحلام طيّ أحلام .
وفي هذا التفاهم يا " ميّ"
أغنية عميقة هادئة
نسمعها في سكينة الليل
فتنتقل بنا إلى ما وراء الليل ، إلى ما وراء النهار ، إلى ما وراء الزمن
إلى ما وراء الأبدية .
وفي هذه العاطفة يا ميّ
غصّات أليمة لا تزول ولكنها عزيزة لدينا
ولو استطعنا لما أبدلناها بكل ما نعرفه ونتخيله من الملذات والأمجاد .
لقد حاولت في ما تقدم
ابلاغك ما لا ولن يبلغك إياه إلا ما يشابهه في نفسك .
فإن كنت قد أبنت سراً معروفاً لديك
كنت من أولئك الذين قد حبتهم الحياة وأوقفتهم أمام العرش الأبيض .
وإن كنت قد أبنت أمراً خاصاً بي وحدي
فلكِ أن تطعمي النار
هذه الرسالة .
استعطفك يا صديقتي أن تكتبي إليَّ
واستعطفك أن تكتبي إليَّ بالروح المطلقة المجردة المجنحة التي تعلو فوق سبل البشر .
أنت وأنا نعلم الشيء الكثير عن البشر
وعن تلك الميول التي تقربهم إلى بعضهم البعض ، وتلك العوامل التي تبعد بعضهم عن البعض .
فهلا تنحينا ولو ساعة واحدة عن تلك السبل المطروقة
ووقفنا محدقين...ولو مرة واحدة
بما وراء الليل ، بما وراء النهار , بما وراء الزمن
بما وراء الأبدية
والله يحفظك يا ميّ
ويحرسك دائماً
صديقك المخلص
جبران خليل جبران
نيويورك 25 تموز 1919
منذ كتبت إليك حتى الآن وأنتِ في خاطري .
ولقد صرفت الساعات الطوال مفكراً بكِ مخاطباً إياكِ مستجوباً خفاياك مستقصياً أسراركِ .
والعجيب أنني شعرت مرات عديدة بوجود ذاتك الأثيرية في هذا المكتب ترقب حركاتي وتكلمني وتحاورني وتبدي رأيها في مآتيَّ وأعمالي .
أنت بالطبع تستغربين هذا الكلام
وأنا أستغرب حاجتي واضطراري إلى كتابته إليك .
وحبذا لو كان بامكاني معرفة ذلك السر الخفي الكائن وراء هذا الاضطراب وهذه الحاجة الماسة .
قد قلت لي مرةً " ألا إن بين العقول مساجلةً وبين الأفكار تبادلاً قد لا يتناوله الإدراك الحسي ولكن من ذا الذي يستطيع نفيه بتاتاً من بين أبناء الوطن الواحد ؟".
إن في هذه الفقرة الجميلة حقيقة أولية كنت فيما مضى أعرفها بالقياس العقلي
أما الآن فإني أعرفها بالاختيار النفسي .
ففي الآونة الأخيرة قد تحقق لي وجود رابطة معنوية دقيقة قوية غريبة تختلف بطبيعتها ومزاياها وتأثيرها عن كل رابطة أخرى ، فهي أشد وأصلب وأبقى بما لا يقاس من الروابط الدموية والجينية حتى والأخلاقية .
وليس بين خيوط هذه الرابطة خيط واحد من غزل الأيام والليالي التي تمر بين المهد واللحد .
وليس بين خيوطها خيط غزلته مقاصد الماضي أو رغائب الحاضر أو أماني المستقبل
فقد تكون موجودة بين اثنين لم يجمعهما الماضي ولا يجمعهما الحاضر
وقد لا يجمعهما المستقبل .
في هذه الرابطة يا ميّ ,في هذه العاطفة النفسية ,في هذا التفاهم الخفي
أحلام أغرب وأعجب من كل ما يتمايل في القلب البشري
أحلام طيّ أحلام طيّ أحلام .
وفي هذا التفاهم يا " ميّ"
أغنية عميقة هادئة
نسمعها في سكينة الليل
فتنتقل بنا إلى ما وراء الليل ، إلى ما وراء النهار ، إلى ما وراء الزمن
إلى ما وراء الأبدية .
وفي هذه العاطفة يا ميّ
غصّات أليمة لا تزول ولكنها عزيزة لدينا
ولو استطعنا لما أبدلناها بكل ما نعرفه ونتخيله من الملذات والأمجاد .
لقد حاولت في ما تقدم
ابلاغك ما لا ولن يبلغك إياه إلا ما يشابهه في نفسك .
فإن كنت قد أبنت سراً معروفاً لديك
كنت من أولئك الذين قد حبتهم الحياة وأوقفتهم أمام العرش الأبيض .
وإن كنت قد أبنت أمراً خاصاً بي وحدي
فلكِ أن تطعمي النار
هذه الرسالة .
استعطفك يا صديقتي أن تكتبي إليَّ
واستعطفك أن تكتبي إليَّ بالروح المطلقة المجردة المجنحة التي تعلو فوق سبل البشر .
أنت وأنا نعلم الشيء الكثير عن البشر
وعن تلك الميول التي تقربهم إلى بعضهم البعض ، وتلك العوامل التي تبعد بعضهم عن البعض .
فهلا تنحينا ولو ساعة واحدة عن تلك السبل المطروقة
ووقفنا محدقين...ولو مرة واحدة
بما وراء الليل ، بما وراء النهار , بما وراء الزمن
بما وراء الأبدية
والله يحفظك يا ميّ
ويحرسك دائماً
صديقك المخلص
جبران خليل جبران
نيويورك 25 تموز 1919
السبت يناير 21, 2017 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» قصيده بعنوان كافي
الجمعة ديسمبر 19, 2014 7:50 am من طرف عدنان المعموري
» عن لسان ام الشاعر الراحل رحيم المالكي
الأحد يوليو 06, 2014 1:52 pm من طرف عدنان المعموري
» القصيدة التي أغضبت سلاطين المنطقة الخضراء
الثلاثاء أكتوبر 02, 2012 12:44 pm من طرف عدنان المعموري
» قصة مؤثرة عن غيرة النساء
الجمعة يونيو 29, 2012 1:06 am من طرف عدنان المعموري
» أبن شقيق الجعفري يكشف تفاصيل الاعتداء عليه بالضرب من قبل أبن شقيقة المالكي وأقربائه
الأربعاء مايو 23, 2012 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب / صاحب الضويري
السبت مايو 12, 2012 12:24 am من طرف عدنان المعموري
» خانقين..الوردة البيضاء..مدينة التآخي والسلام
الخميس فبراير 16, 2012 12:16 pm من طرف حسين:خانقين
» هدية لكم جميعا..مع باقات من النرجس من على سفوح جبال كردستان
الخميس فبراير 16, 2012 5:21 am من طرف حسين:خانقين
» الأشعة..منافعها واضرارها وهذا الحديث مع طبيبة اختصاصية في م. خانقين
الخميس فبراير 16, 2012 5:06 am من طرف حسين:خانقين
» دعوة للمشاركة
الخميس أكتوبر 06, 2011 9:22 am من طرف د.مسلم بديري
» قصص قصيرة جدا
الإثنين يوليو 18, 2011 5:00 pm من طرف د.مسلم بديري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:47 am من طرف عدنان المعموري
» زعلتك صدك
الثلاثاء يونيو 21, 2011 1:22 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب /للشاعر صاحب الضويري
الإثنين يونيو 13, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» أكميله للشاعر عارف مأمون
الإثنين أبريل 04, 2011 8:17 am من طرف عدنان المعموري
» كل ساعة انذبح من عرست لليوم وكل ساعة انسحك بجدام تذكارك
الإثنين أبريل 04, 2011 8:13 am من طرف عدنان المعموري
» قراءة الواقع الثقافي في العراق
السبت مارس 12, 2011 1:13 pm من طرف قاسم المعموري
» اشعل فتيلها الكادحون والرافضون للظلم
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:05 pm من طرف قاسم المعموري