الأمن القومي العربي بين النظرية والممارسة
كتب حواس محمود
ليس جديداً على الساحة الفكرية والسياسية العربية طرح مفهوم الأمن القومي العربي، وهو يرتبط أساساً بالمرحة التالية لحروب التحرير الوطني والاستقلال السياسي وطرد المستعمرين آنذاك من المنطقة العربية.
لذا، فإن طرحه في سياقه النظري المجرد بعيداً عن ارتباطاته الواقعية الملموسة فيه من الخطورة المعرفية والإستراتجية ما ينعكس على الأمن القومي العربي نفسه وينبئ بعواقب ونتائج كارثية ( إن التصورات الخاطئة عن الواقع تؤدي إلى أن يثور هذا الواقع وينتقم ) على حرب – لنسأل ما هو الأمن القومي العربي كتعريف ، يعرف " أويورد " الأمن القومي بقوله : إنه جملة العناصر الاستراتيجية التي تمد الدولة بعينها أو منطقة جغرافية مخصوصة بكل الوسائل التي تمكنها من الدفاع عن ذاتها أمام أهم الأخطار الخارجية التي قد تتعرض لها هذه الدولة أو تلك في المنطقة ، ويرى
د . سلامة أن هذا التعريف الذي يبدو ذا طابع عسكري دفاعي قد لا يكون قادراً على تغطية كل العناصر التي قد ينشأ عنها تهديد جدي للأمن القومي ، وهذا يعني أن الاقتصار في النظر إلى المخاطر التي يتعرض لها الأمن القومي العربي على أنها مخاطر خارجية هي طريقة في التفكير تؤدي إلى افتقار المفهوم وتزييفه إذا ما ظل التفكير فيه متمحوراً حول العناصر الخارجية ، وأرى أنَ بريق الشعار الذي التف حوله جمهور واسع من معظم الشرائح والطبقات الاجتماعية في الخمسينيات والستينات غداة الصعود في الشعور القومي في العالم العربي قد جاء بسبب افتقاره إلى التحقق العياني الملموس وبسبب حداثة الخروج من هيمنة الاستعمار في تلك المرحلة ولكن بوجود الدولة القطرية التي شكلت تناقصاً واضحاً مع هذا المفهوم باعتباره يشير إلى الأمة ككل ( الشمولية القومية ) وليس لدولة واحدة ( الجزئية القطرية ) من الدولة القطرية ، بدأ هذا المفهوم يتعرض للتراجع الواقعي أي أن صلابة الواقع بإحداثياته العديدة قد أفسدت بريق الشعار و " على ذلك فالصراع بين القطري والقومي هو صراع بين السياسي والثقافي ، بين الجزئي والكلي ، أو بين الوجود العارض والوجود الثابت ، على ألا يفهم من كلمة " الثابت " أي شيئ على ما لا يتطور وعلى ما ليس هو بتاريخي ، فالثقافة الإنسانية نتاج للتاريخ مثلما أن التاريخ – بمعنى ما – نتاج لها ، غير أن هذا العنصر القطري أو السياسي على الرغم من أنه يستمد مبررات وجوده من أحد عناصر الثقافة المشتركة فإنه ينزل هذا العنصر الجزئي أو الخاص من الثقافة منزلة الكلي فينتهي إلى الوقوع في وهم مفاده أن القومي إي الكلي هو ذلك العنصر الجزئي الذي يحاول أن يقيم شرعيته عليه دون غيره من عناصر الثقافة القومية الكلي وهكذا فإن الكيان القطري يصبح نهبا لتناقض منطقي وواقعي في آن معا " د. يوسف سلامة – دراسات استراتيجية - 6 – 7 ص 78 . وينتج عنه تبعات تساهم في التجزئة وتكريسها بشكل فعلي على أرض الواقع ، فتصبح حركة مرور الناس والبضائع بشتى أنوعها من قطر لقطر عملية معقدة وتخضع لرحمة النظام الجمركي والرقابي وبالتالي يمارس الفعل القطري – الواقعي خرقا واضحا للمفهوم النظري ولبريقه الشعاراتي ، كما أن مفهوم الأمن القومي العربي يعاني من التباس آخر وهو ارتباط هذا المفهوم بمسألة الديمقراطية السياسية والتنمية الاجتماعية اللتان تغيبان عن العالم العربي إلى درجة كبيرة ، وباعتبار أن التجزئة تساهم في تقليص فعالية التحرك القومي فإن الدولة القطرية بحكم عوامل داخلية وخارجية عديدة تكون عاجزة عن إنجاز الديمقراطية الحقيقية والتنمية الفاعلة لتطوير المجتمع وجعله يواكب التحولات والتطورات العالمية ، يقول في هذا الصدد د. يوسف سلامة " ولن ينتقل الكلي من مستوى الشرعية الروحية والأخلاقية والقانونية إلى مستوى التعين التاريخي إلا عندما تتم ترجمته في صورة حياة حرة من خلال الديمقراطية السياسية التي يتاح من خلالها لكل فرد ولكل جماعة بشرية ، إن تعين الكلي في صورة اختبارات عينية ينجم عنها في التحليل الأخير ترجمة لروح الشعب أو الكلي في صورة حياة تعبر عن النبض الحقيقي لهذا الكلي في صورة مجتمع له اختياراته الفعلية والتاريخية التي لا يستطيع أن يختارها فحسب ، بل هو يستطيع أيضا أن يعدلها ويعدل عنها .
إن الديمقراطية السياسية وحدها هي التي ستكشف عن روح الشعب التي ستتيح للكلي أن يتعين في صورة كلي عيني ربما يكون الصورة الأولى في التعبير عن روح الشعب أو روح الأمة وعندما يصبح كل هذا متاحا يكون الأمن القومي قد أصبح صورة من صور الكلي أو يقينا من يقينياته الفعلية لا يستند إلى أي أساس أو اسم يعسر أن يكشف له مسمى في الحياة الواقعية " دراسات استراتيجية – مصدر سابق مذكور ص 81 .
إذا فالأمن القومي العربي موضوع شامل يتناقض نظريا مع ما هو موجود ومتحقق عمليا أو ما يمكن تسميته بالإشكال النظري / الممارسي ، والمفارقة المذهلة أن َ ما يجري على أرض الواقع داخل الدولة القطرية يتناقض بشكل مطلق مع ما يرفع من شعار بحيث أن َ الممارس داخليا فعليا يتعارض ويتناقض مع ما هو مطروح خارجيا ظاهريا
وتضاف عوامل داخلية أخرى لها علاقة بالتنوع في المذاهب والطوائف والإثنيات والأقليات الدينية والقومية التي لا يشكل تعدديتها وتنوعها تناقضا مع الأمن القومي العربي بل تشكل لوحة ثرية تمنح الواقع العربي عناصر القوة والفاعلية إذا تم التعامل معها بالاستناد إلى الديموقراطية السياسية القائمة على التطوير الداخلي لخدمة التوحيد الخارجي ( القومي ) أي أنَ المسيرة الديموقراطية الداخلية تؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق الأمن القومي العربي العام وتشكل قوة دفع تضاف له للتعامل مع القوى والتحديات الخارجية .
2009 جميع الحقوق محفوظة لمعهد الوارف للدراسات الإنسانية
كتب حواس محمود
ليس جديداً على الساحة الفكرية والسياسية العربية طرح مفهوم الأمن القومي العربي، وهو يرتبط أساساً بالمرحة التالية لحروب التحرير الوطني والاستقلال السياسي وطرد المستعمرين آنذاك من المنطقة العربية.
لذا، فإن طرحه في سياقه النظري المجرد بعيداً عن ارتباطاته الواقعية الملموسة فيه من الخطورة المعرفية والإستراتجية ما ينعكس على الأمن القومي العربي نفسه وينبئ بعواقب ونتائج كارثية ( إن التصورات الخاطئة عن الواقع تؤدي إلى أن يثور هذا الواقع وينتقم ) على حرب – لنسأل ما هو الأمن القومي العربي كتعريف ، يعرف " أويورد " الأمن القومي بقوله : إنه جملة العناصر الاستراتيجية التي تمد الدولة بعينها أو منطقة جغرافية مخصوصة بكل الوسائل التي تمكنها من الدفاع عن ذاتها أمام أهم الأخطار الخارجية التي قد تتعرض لها هذه الدولة أو تلك في المنطقة ، ويرى
د . سلامة أن هذا التعريف الذي يبدو ذا طابع عسكري دفاعي قد لا يكون قادراً على تغطية كل العناصر التي قد ينشأ عنها تهديد جدي للأمن القومي ، وهذا يعني أن الاقتصار في النظر إلى المخاطر التي يتعرض لها الأمن القومي العربي على أنها مخاطر خارجية هي طريقة في التفكير تؤدي إلى افتقار المفهوم وتزييفه إذا ما ظل التفكير فيه متمحوراً حول العناصر الخارجية ، وأرى أنَ بريق الشعار الذي التف حوله جمهور واسع من معظم الشرائح والطبقات الاجتماعية في الخمسينيات والستينات غداة الصعود في الشعور القومي في العالم العربي قد جاء بسبب افتقاره إلى التحقق العياني الملموس وبسبب حداثة الخروج من هيمنة الاستعمار في تلك المرحلة ولكن بوجود الدولة القطرية التي شكلت تناقصاً واضحاً مع هذا المفهوم باعتباره يشير إلى الأمة ككل ( الشمولية القومية ) وليس لدولة واحدة ( الجزئية القطرية ) من الدولة القطرية ، بدأ هذا المفهوم يتعرض للتراجع الواقعي أي أن صلابة الواقع بإحداثياته العديدة قد أفسدت بريق الشعار و " على ذلك فالصراع بين القطري والقومي هو صراع بين السياسي والثقافي ، بين الجزئي والكلي ، أو بين الوجود العارض والوجود الثابت ، على ألا يفهم من كلمة " الثابت " أي شيئ على ما لا يتطور وعلى ما ليس هو بتاريخي ، فالثقافة الإنسانية نتاج للتاريخ مثلما أن التاريخ – بمعنى ما – نتاج لها ، غير أن هذا العنصر القطري أو السياسي على الرغم من أنه يستمد مبررات وجوده من أحد عناصر الثقافة المشتركة فإنه ينزل هذا العنصر الجزئي أو الخاص من الثقافة منزلة الكلي فينتهي إلى الوقوع في وهم مفاده أن القومي إي الكلي هو ذلك العنصر الجزئي الذي يحاول أن يقيم شرعيته عليه دون غيره من عناصر الثقافة القومية الكلي وهكذا فإن الكيان القطري يصبح نهبا لتناقض منطقي وواقعي في آن معا " د. يوسف سلامة – دراسات استراتيجية - 6 – 7 ص 78 . وينتج عنه تبعات تساهم في التجزئة وتكريسها بشكل فعلي على أرض الواقع ، فتصبح حركة مرور الناس والبضائع بشتى أنوعها من قطر لقطر عملية معقدة وتخضع لرحمة النظام الجمركي والرقابي وبالتالي يمارس الفعل القطري – الواقعي خرقا واضحا للمفهوم النظري ولبريقه الشعاراتي ، كما أن مفهوم الأمن القومي العربي يعاني من التباس آخر وهو ارتباط هذا المفهوم بمسألة الديمقراطية السياسية والتنمية الاجتماعية اللتان تغيبان عن العالم العربي إلى درجة كبيرة ، وباعتبار أن التجزئة تساهم في تقليص فعالية التحرك القومي فإن الدولة القطرية بحكم عوامل داخلية وخارجية عديدة تكون عاجزة عن إنجاز الديمقراطية الحقيقية والتنمية الفاعلة لتطوير المجتمع وجعله يواكب التحولات والتطورات العالمية ، يقول في هذا الصدد د. يوسف سلامة " ولن ينتقل الكلي من مستوى الشرعية الروحية والأخلاقية والقانونية إلى مستوى التعين التاريخي إلا عندما تتم ترجمته في صورة حياة حرة من خلال الديمقراطية السياسية التي يتاح من خلالها لكل فرد ولكل جماعة بشرية ، إن تعين الكلي في صورة اختبارات عينية ينجم عنها في التحليل الأخير ترجمة لروح الشعب أو الكلي في صورة حياة تعبر عن النبض الحقيقي لهذا الكلي في صورة مجتمع له اختياراته الفعلية والتاريخية التي لا يستطيع أن يختارها فحسب ، بل هو يستطيع أيضا أن يعدلها ويعدل عنها .
إن الديمقراطية السياسية وحدها هي التي ستكشف عن روح الشعب التي ستتيح للكلي أن يتعين في صورة كلي عيني ربما يكون الصورة الأولى في التعبير عن روح الشعب أو روح الأمة وعندما يصبح كل هذا متاحا يكون الأمن القومي قد أصبح صورة من صور الكلي أو يقينا من يقينياته الفعلية لا يستند إلى أي أساس أو اسم يعسر أن يكشف له مسمى في الحياة الواقعية " دراسات استراتيجية – مصدر سابق مذكور ص 81 .
إذا فالأمن القومي العربي موضوع شامل يتناقض نظريا مع ما هو موجود ومتحقق عمليا أو ما يمكن تسميته بالإشكال النظري / الممارسي ، والمفارقة المذهلة أن َ ما يجري على أرض الواقع داخل الدولة القطرية يتناقض بشكل مطلق مع ما يرفع من شعار بحيث أن َ الممارس داخليا فعليا يتعارض ويتناقض مع ما هو مطروح خارجيا ظاهريا
وتضاف عوامل داخلية أخرى لها علاقة بالتنوع في المذاهب والطوائف والإثنيات والأقليات الدينية والقومية التي لا يشكل تعدديتها وتنوعها تناقضا مع الأمن القومي العربي بل تشكل لوحة ثرية تمنح الواقع العربي عناصر القوة والفاعلية إذا تم التعامل معها بالاستناد إلى الديموقراطية السياسية القائمة على التطوير الداخلي لخدمة التوحيد الخارجي ( القومي ) أي أنَ المسيرة الديموقراطية الداخلية تؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق الأمن القومي العربي العام وتشكل قوة دفع تضاف له للتعامل مع القوى والتحديات الخارجية .
2009 جميع الحقوق محفوظة لمعهد الوارف للدراسات الإنسانية
السبت يناير 21, 2017 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» قصيده بعنوان كافي
الجمعة ديسمبر 19, 2014 7:50 am من طرف عدنان المعموري
» عن لسان ام الشاعر الراحل رحيم المالكي
الأحد يوليو 06, 2014 1:52 pm من طرف عدنان المعموري
» القصيدة التي أغضبت سلاطين المنطقة الخضراء
الثلاثاء أكتوبر 02, 2012 12:44 pm من طرف عدنان المعموري
» قصة مؤثرة عن غيرة النساء
الجمعة يونيو 29, 2012 1:06 am من طرف عدنان المعموري
» أبن شقيق الجعفري يكشف تفاصيل الاعتداء عليه بالضرب من قبل أبن شقيقة المالكي وأقربائه
الأربعاء مايو 23, 2012 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب / صاحب الضويري
السبت مايو 12, 2012 12:24 am من طرف عدنان المعموري
» خانقين..الوردة البيضاء..مدينة التآخي والسلام
الخميس فبراير 16, 2012 12:16 pm من طرف حسين:خانقين
» هدية لكم جميعا..مع باقات من النرجس من على سفوح جبال كردستان
الخميس فبراير 16, 2012 5:21 am من طرف حسين:خانقين
» الأشعة..منافعها واضرارها وهذا الحديث مع طبيبة اختصاصية في م. خانقين
الخميس فبراير 16, 2012 5:06 am من طرف حسين:خانقين
» دعوة للمشاركة
الخميس أكتوبر 06, 2011 9:22 am من طرف د.مسلم بديري
» قصص قصيرة جدا
الإثنين يوليو 18, 2011 5:00 pm من طرف د.مسلم بديري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:47 am من طرف عدنان المعموري
» زعلتك صدك
الثلاثاء يونيو 21, 2011 1:22 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب /للشاعر صاحب الضويري
الإثنين يونيو 13, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» أكميله للشاعر عارف مأمون
الإثنين أبريل 04, 2011 8:17 am من طرف عدنان المعموري
» كل ساعة انذبح من عرست لليوم وكل ساعة انسحك بجدام تذكارك
الإثنين أبريل 04, 2011 8:13 am من طرف عدنان المعموري
» قراءة الواقع الثقافي في العراق
السبت مارس 12, 2011 1:13 pm من طرف قاسم المعموري
» اشعل فتيلها الكادحون والرافضون للظلم
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:05 pm من طرف قاسم المعموري