البعد الأخلاقي لبيعة الإمام علي (ع)
أن بلاد الحجاز تتحكم بها نزعة العصبية القبلية والولاء فيها يقوم على أساس النظام القبلي لذي تحكمه رابطة الدم وتشكل الصراعات بين القبائل من أجل السلطة والثأر والماء والكلأ جزءاً كبيراً من سير الأحداث فيها واستطاع النبي (ص) بدعوته الإسلامية تغيير بنية المجتمع ونقل الولاء الفردي من ولاء القرابة والدم واللون والعنصر(*) إلى ولاء فكري يؤمن بوحدة الخالق والكون والإنسان ولم تعد القبيلة تحتل المكان الأرفع والأعلى في العلاقات بين الناس بعد أن تمت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وقيام معركة بدر الكبرى وساد الإسلام بعد فتح مكة ودانت له القبائل العربية وأصبح الإعلان عن خليفة للنبي (ص) أمرا ضرورياً بعد أن تناول كتاب الله والأحاديث جميع النبوية جوانب الحياة وقدم شروحاً وافية لحل معضلاتها.
جاء النبي (ص) ولأول مرة وبشكل مدون بفكرة النظام الذي تتغير طبيعته عندما ينفصل جزء منة كما أن أي خلل يصيب جزء يسري إلى الأجزاء الأخرى كالجسم الانسانى عندما ينفصل جزء منه او يصيب جزء ما الخلل يسرى إلى الأجزاء الأخرى ويصاب التكوين بأكمله بالخلل والتغيير في جزء من المجتمع سيسرى التغيير إلى ابعد نقطة فيه والفرد مسؤوليته أن يحافظ على النظام ولا يسيء إليه وفي الآية (وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت) فالقتل هنا اختراق للنظم الكونية وهدر لحياة إنسان وسلب وجود يؤدي إلى وجود آخر كما أن السرقة تؤدي إلى الإخلال في وظائف الأفراد حيث الاعتماد على كسب غير منتج وتتغير ثروات البعض وتزداد على حساب ثروات الآخرين ويميل المجتمع إلى سيطرة أناس لايملكون الشرعية وبالتالي يكونون على قمة السلطة. إن هذا الخلل في السلوكية يغير من طبيعة العلاقات في المجتمع كما أن النظام له صفة أخرى هي أن له حدود وهي تبدأ من نقطة لتنتهي إلى نقطة أخرى تشكل حد للنظام كالجهاز التنفسي والآلات وفي حالة المجتمع القبلي تتلاشى الحدود فالفرد يمارس الحرب والنهب والزعامة في آن واحد في حين إن الإسلام طرح حدود للأفراد قد يخرج عنها لفترة معينة ليعود إلى حدوده الأولى ففي حالة البيعة يمارس المسلمون عملية اختيار خليفة على أن يعود كل منهم إلى سابق وضعه الطبيعي فالمسلمون لهم وظائف وأدوار متعددة سواء داخل الأسرة أو في المجتمع وهذه الوظائف لها أهميتها وضرورتها كالولاة والجباة وقيادة الجيش، ولكن النظام بعد زمن الإمام علي (ع) تميز بالتغيير في وظائف الأفراد وانحصرت الأعمال كلها في شخص الخليفة ولم يعد للآخرين دور يذكر سوى قدرتهم على تنفيذ أرادة الخليفة (وهذا مما أثر على طبيعة الحكم في البلاد العربية إلى يومنا الحالي حيث نجد لا حدود لوظائف الأفراد) في حين نجد في عهد الإمام علي (ع) إلى مالك الاشتر النخعي يوضح حدود وظائف الأفراد وأهمية أدوارها وعدم إهمال دور جهة على حساب جهة أخرى لقد كانت البيعة مبنية على فكرة النظام من حيث تحديد ادوار الأشخاص وتثبيت المواقع حتى لا يسرى الخلل من جزء إلى جزء آخر فالمجتمعات عندما ينمو جزء منها على حساب الأجزاء الأخرى تتشكل حالة من القلق والاضطراب بحيث تسرى هذه الحالة إلى الأجزاء الأخرى.
إن الإعلان عن وجود خليفة في حياة النبي (ص) أمراً ضرورياً بعد الفتح السلمي لمكة ودخول القبائل العربية في الإسلام وغطى كتاب الله والأحاديث النبوية كافة جوانب الحياة الإنسانية وقدم شروح وافية لحل معضلاتها. فكانت مبايعة الإمام علي (ع) تمثل أنعطافاً هاماً في تاريخ المنطقة بأسرها ليس فى الحجاز وحسب وإنما امتد إلى الإمبراطورية الفارسية والبيزنطية فالمبايعة تمت بأن يعطى كل فرد الموافقة الفعلية باليد والموافقة اللفظية باللسان وتكمن أهمية هذه الخطوة في بيان الأخلاقية التي يتولى بها الحاكم للسلطة وشكلت البيعة جزء من المنظور السياسي للإسلام بكيفية تولي السلطة ومدى أهمية الفرد في هذه العملية حيث لم تتم البيعة بطرح الموضوع على المجموع وإنما كل فرد له دوره الواضح في هذه العملية وهذه البادرة الفريدة لم يسبق لها مثيل وسط مجتمع يقر بأحقية الوراثة أو القوة في تولي السلطة فالإمبراطورية الفارسية والبيزنطية والقبائل العربية كان تولي السلطة قائم على هذين الأمرين أما استعمال القوة العسكرية أو وراثة العرش، وأدرك النبي (ص) ان الأمور في الأمة الإسلامية إذا سارت على هذا النهج سيؤدي إلى الطغيان والتفرد بالسلطة وبما أن هذه هي الحجة الأخيرة مع القبائل العربية أصبح من الضروري طرح أخلاقية العمل السياسي الذي يضمن حرية التفكير ومشاركة الأفراد في اختيار الحاكم فأتخذ خطوات منظمة يترتب بعضها تلو الآخر وكانت الخطوة الأولى اجتماع القبائل العربية في مكان محدد ومميز ووقت زمني يبقى عالقاً في الأذهان والخطوة الثانية هي وجود نص لا التباس فيه يؤكد ضرورة اتخاذ هذه الخطوة وتلتها الخطوة التالية وهي تحديد النهج الذي يتم به اختيار الشخص المناسب وكان هذا النهج الأول من نوعه فى التاريخ بأن يتقدم كل فرد ليعبر عن رأيه بحرية وبملأ إرادته وتكون المشاركة السياسية الفعالة لجميع الأفراد دون استثناء فلكل منهم نفس الأهمية في اتخاذ القرار و لهم نفس القدرة والإرادة التي تتناسى صلات الدم و التعصب القبلي ليختار من يمثله في السلطة ولم يتم اختيار الإمام لهذا الموقع بناء على القرابة وصلة الدم ولا على البطولات التي قام بها و مشاركته في الحروب وكفاحه من أجل نشر الإسلام ولكن الاختيار كان بناء على الآية الكريمة (إنما وليكم الله ورسوله وأولي العلم منكم) وأولى العلم هم علماء الأمة ورسول الله (ص) أوضح بحديث شريف (أنا مدينة العلم وعلي بابها ومن أراد العلم فليدخل من بابه) فعلم الإمام علي (ع) هو الذي يستطيع ان ينقل الإسلام من الفكرة إلى العمل وإن يعالج مشكلات الواقع بنظرة عقلانيه منطقية لقد مزج الإسلام بين حكم الصفوة وحكم الديمقراطية فلا يمكن أن يتقلد أمور الأمة أشخاص لا يملكون المؤهلات لإدارة شؤونها وتصبح الغاية هو تبؤ مراكز السلطة والولاء الأعمى دون تمييز فإختيار الإمام علي (ع) مبنياً على تغير موازين القوى في المجتمع الإسلامي حيث لم تعد القوة المادية أو المعنوية تلعب دوراً في تسير أمور المجتمع لوحدها وإنما أضيف إليها أهل العلم والتقوى بالأحرى تطلب أن يكون أصحاب القوة المادية والمعنوية من أهل العلم والتقوى وقد سعى النبي (ص) جاهداً أن يجنب الأمة الفتن والمشاحنات بسبب الأطماع والمنازعات وإنما توجيه جهود الأمة نحو أهداف أسمى بوجود خليفة يملك زمام الموقف ويمنع الانقسامات والحزازات من الظهور إلى السطح ثانية ويقف سداً منيعاً أمام النزاعات القبلية وتعدد الزعامات بإنقسام المجتمع إلى وحدات قبلية متعددة لقد أعطيت الزعامة الدينية والدنيوية إلى الإمام علي (ع) وذكر حديث الغدير في الصواعق المحرقة لأبن حجر العسقلاني وتاريخ الخلفاء للسيوطي والعقد الفريد لأبن عبد ربه ورواة 120 صحابياً و 84 تابعياً وجاء في كشكول الزنجاني(1).
((لما نزل في حجة الوداع قوله تعالى))
السبت يناير 21, 2017 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» قصيده بعنوان كافي
الجمعة ديسمبر 19, 2014 7:50 am من طرف عدنان المعموري
» عن لسان ام الشاعر الراحل رحيم المالكي
الأحد يوليو 06, 2014 1:52 pm من طرف عدنان المعموري
» القصيدة التي أغضبت سلاطين المنطقة الخضراء
الثلاثاء أكتوبر 02, 2012 12:44 pm من طرف عدنان المعموري
» قصة مؤثرة عن غيرة النساء
الجمعة يونيو 29, 2012 1:06 am من طرف عدنان المعموري
» أبن شقيق الجعفري يكشف تفاصيل الاعتداء عليه بالضرب من قبل أبن شقيقة المالكي وأقربائه
الأربعاء مايو 23, 2012 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب / صاحب الضويري
السبت مايو 12, 2012 12:24 am من طرف عدنان المعموري
» خانقين..الوردة البيضاء..مدينة التآخي والسلام
الخميس فبراير 16, 2012 12:16 pm من طرف حسين:خانقين
» هدية لكم جميعا..مع باقات من النرجس من على سفوح جبال كردستان
الخميس فبراير 16, 2012 5:21 am من طرف حسين:خانقين
» الأشعة..منافعها واضرارها وهذا الحديث مع طبيبة اختصاصية في م. خانقين
الخميس فبراير 16, 2012 5:06 am من طرف حسين:خانقين
» دعوة للمشاركة
الخميس أكتوبر 06, 2011 9:22 am من طرف د.مسلم بديري
» قصص قصيرة جدا
الإثنين يوليو 18, 2011 5:00 pm من طرف د.مسلم بديري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:47 am من طرف عدنان المعموري
» زعلتك صدك
الثلاثاء يونيو 21, 2011 1:22 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب /للشاعر صاحب الضويري
الإثنين يونيو 13, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» أكميله للشاعر عارف مأمون
الإثنين أبريل 04, 2011 8:17 am من طرف عدنان المعموري
» كل ساعة انذبح من عرست لليوم وكل ساعة انسحك بجدام تذكارك
الإثنين أبريل 04, 2011 8:13 am من طرف عدنان المعموري
» قراءة الواقع الثقافي في العراق
السبت مارس 12, 2011 1:13 pm من طرف قاسم المعموري
» اشعل فتيلها الكادحون والرافضون للظلم
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:05 pm من طرف قاسم المعموري