الرصافي في رسائل التعليقات
بقلم :مازن لطيف
يعد الشاعر العراقي الكبير المرحوم معروف الرصافي من اكثر الشعراء المثقفين شجاعة وجرأة في التعبير عن افكاره، وامتلاكا لناصية اللغة، حيث كان دائما يتصدى ويواجه منفردا مارد التعصب والتكفير المقيت، في مقالاته وشعره وكتبه وارائه، التي حاولوا من خلالها تكفيره.
يعد كتاب رسائل التعليقات الصادر عام 1944 في بغداد في طبعته الاولى وعام 1957 في طبعته الثانية في بيروت عن دار الريحاني للطباعة والنشر، وعام 2003 في المانيا عن دار الجمل، من الكتب التي اثارت اشكالية وجدلاً بين اوساط المثقفين العلمانيين والإسلاميين وعامة الناس. الكتاب عبارة عن ثلاث رسائل وهي ثلاثة تعليقات على ثلاثة كتب الأول والثاني منهما للمصري زكي مبارك و الكتاب الاول عنوانه: التصوف الإسلامي، حيث يذهب الرصافي الى ان وحدة الوجود هي شيء لم تعرفه الدنيا قبل الاسلام، والكتاب الثاني هو النثر الفني، في حين ان الكتاب الثالث هو التاريخ الاسلامي للمستشرق الايطالي كايتاني.
كانت منهجية الرصافي تتضمن تسجيل ملاحظات ورصد إنتباهات، حيث يقول الرصافي (بعد حركة مايس عام 1941 جئت من الفلوجة الى بغداد، ونزلت ضيفا على السيد خيري الهنداوي في الاعظمية، فمللت من البطالة، فصحت على ولده وسألته ان يعطيني كتابا التهي واتسلى به، فاعطاني كتاب (التصوف الاسلامي) فكتب الرسالة الاولى عنه ثم طلبت منه كتابا ثانيا فاعطاني كتاب النثر الفني.. فكتبت الرسالة الثانية عنه، ثم اني زرت السيد كامل الجادرجي في بيته وهناك اطلعت على الترجمة التركية لكتاب (كيتاني) فاستعرتها من المذكور وكتبت الرسالة الثالثة.
وبعد كتابة تلك الرسائل التعليق عليها اراد الشاعر الرصافي ان يطبع كتابه في مصر، فاعطى النسخة الاصلية الى الاستاذ عبدالوهاب عزام لكي يطبعه في مصر الا انه لم يطبع في مصر، مما اضطر الشاعر الرصافي الى ان يحاول ان يطبعه في العراق.
عرض الرصافي كتابه رسائل التعليقات على مديرية الرعاية العامة للسماح بطبع الكتاب، قدم الكتاب للسيد ناجي القشطيني حيث كان يعمل وكيل المدير العام، وقد قام القشطيني بحذف بعض العبارات و شوه أساس المعنى دون الرجوع الى المؤلف (الرصافي)..
واخيرا طبع الكتاب وبدات التهم تكال للشاعر الرصافي بالالحاد والكفر والزندقة وغير ذلك، واذا بالقشطيني يحيل الكتاب الى لجنة من العلماء فطلب مدير الاوقاف العام رؤوف الكبيسي ان تتالف اللجنة من فهمي المدرس والشيخ عبدالجليل الجميل والشيخ درويش الالوسي والاستاذة منير القاضي والحاج حمدي الاعظمي و محمود الملاح.فكانت النتيجة هو ان المدرس والملاح والاعظمي والجميل برؤوا الرصافي من التهم الموجهة اليه.
اما السيد ابراهيم الراوي فقد كفر الرصافي وذهب احد الفضلاء من بغداد قاصدا النجف الاشرف لمعرفة راي علماء النجف واستصدار فتوى مؤيدة لتكفير الرصافي، لكن السيد ابو الحسن الموسوي الاصفهاني لم يوافق على اعتبار الرصافي كافرا لان ما قاله الرصافي في وحدة الوجود كثيرا ما قال به بعض علماء المسلمين ولم يكفرهم احد فيه.
لم تبق مشكلة رسائل التعليقات محصورة داخل العراق فحسب بل انتشرت عربيا فنشرت مجلة الرسالة المصرية لصاحبها احمد حسن الزيات اربع مقالات للاستاذ دريني خشبه ينتقد الرصافي على كتابه وشخصه الا ان الرصافي لم يذعن ويلوذ بالصمت بل أرسل إلى نفس المجلة (الرسالة) ردا على الاستاذ دريني خشبة، يدحض ما ذهب إليه.
كان كتاب رسائل التعليقات هو الكتاب الاخير المطبوع للرصافي في حياته حيث كان يعيش عند صدور هذا الكتاب عام 1944 عيشة مريرة بآلام الفقر والعجز والفاقة والشيخوخة فلم يرحمه المجتمع حيث توفي بعد صدور رسائل التعليقات باقل من سنة اي في عام 1945، الا ان الزوبعة التي ظهرت مع ظهور رسائل التعليقات هي ليست الاولى في حياة الرصافي فقد احدثت مقالاته وكتابه (الشخصية المحمدية) الذي كان مخطوطا و قرأه اغلب أصدقاء الرصافي ،وجلهم نصحه بعدم طبعه لانه يطرح امورا دينية واساءات لشخصيات معينة، الا ان الرصافي اثبت انه ليس شاعرا فقط بل باحثا ومفكرا موهوبا، برغم تقلباته في تدينه فقد كان مغاليا به حينما كان في العراق وأنخرط في حياة اللهو بالآستانة ،فكبحت ذلك الاندفاع لديه.
وفي وصية الرصافي شكى فيها من حاربه وشكك في ايمانه بالله ورسوله حيث قال: (اراهم يهيجون علي العوام باسم الدين، ولا اظنهم يتركونني حتى بعد موتي الحياة، وليس لي من التجيء اليه سوى الله.. انا ولله الحمد ـ مسلم مؤمن بالله وبرسوله محمد بن عبدالله ايمانا صادقا لا ارائي ولا اداجي، الا انني خالفت المسلمين فيما اراهم عليه من امور يرونها من الدين الا جوهره الخالص وغايته المطلوبة التي هي الوصول الى شيء من السعادة في الحياة الدنيوية الاجتماعية والحياة الاخروية ما امكن الوصول اليه بترك الشرور وعمل الصالحات وكل ماعدا ذلك من امور الدين فهي وسيلة اليه، وواسطة له ليس الا).
لقد ترك الرصافي رحمه الله اثارا جليلة وشعرا مخضبا بالرقة وطلب المكارم، ولم نسمع عن جهات ثقافية تعيد النظر بما تركه، وتدعوا لندوة تناقش آثار وشخصية هذا المفكر العراقي.
السبت يناير 21, 2017 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» قصيده بعنوان كافي
الجمعة ديسمبر 19, 2014 7:50 am من طرف عدنان المعموري
» عن لسان ام الشاعر الراحل رحيم المالكي
الأحد يوليو 06, 2014 1:52 pm من طرف عدنان المعموري
» القصيدة التي أغضبت سلاطين المنطقة الخضراء
الثلاثاء أكتوبر 02, 2012 12:44 pm من طرف عدنان المعموري
» قصة مؤثرة عن غيرة النساء
الجمعة يونيو 29, 2012 1:06 am من طرف عدنان المعموري
» أبن شقيق الجعفري يكشف تفاصيل الاعتداء عليه بالضرب من قبل أبن شقيقة المالكي وأقربائه
الأربعاء مايو 23, 2012 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب / صاحب الضويري
السبت مايو 12, 2012 12:24 am من طرف عدنان المعموري
» خانقين..الوردة البيضاء..مدينة التآخي والسلام
الخميس فبراير 16, 2012 12:16 pm من طرف حسين:خانقين
» هدية لكم جميعا..مع باقات من النرجس من على سفوح جبال كردستان
الخميس فبراير 16, 2012 5:21 am من طرف حسين:خانقين
» الأشعة..منافعها واضرارها وهذا الحديث مع طبيبة اختصاصية في م. خانقين
الخميس فبراير 16, 2012 5:06 am من طرف حسين:خانقين
» دعوة للمشاركة
الخميس أكتوبر 06, 2011 9:22 am من طرف د.مسلم بديري
» قصص قصيرة جدا
الإثنين يوليو 18, 2011 5:00 pm من طرف د.مسلم بديري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:47 am من طرف عدنان المعموري
» زعلتك صدك
الثلاثاء يونيو 21, 2011 1:22 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب /للشاعر صاحب الضويري
الإثنين يونيو 13, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» أكميله للشاعر عارف مأمون
الإثنين أبريل 04, 2011 8:17 am من طرف عدنان المعموري
» كل ساعة انذبح من عرست لليوم وكل ساعة انسحك بجدام تذكارك
الإثنين أبريل 04, 2011 8:13 am من طرف عدنان المعموري
» قراءة الواقع الثقافي في العراق
السبت مارس 12, 2011 1:13 pm من طرف قاسم المعموري
» اشعل فتيلها الكادحون والرافضون للظلم
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:05 pm من طرف قاسم المعموري