افاق ستراتيجية: واقع التعليم العالي بعد التغيير ..

ضعف العملية التعليمية..انكــفاء وهجــرة الكفــاءات نقص المستلزمات والتقنيات
د.منعم العمار
شهد العراق بعد احداث نيسان 2003 استباحة شاملة لمقدراته كدولة ذات دعائم بناء ومظاهر اداء راسخة يعود تاريخ نشأتها الى آلاف السنين حتى اهتزت القناعة بوجود الوطن والاطمئنان على مصيره فبالاضافة الى ماعانه العراق من احتلال نظمت اطره القرارات الدولية لاحقا عانى العراق ببناه المؤسسية الخراب والدمار واعاد الى الاذهان كل الهواجس التي كان شعبنا الابي بمختلف مكوناته وفئاته يتوجس خيفة منها.





واستأسد الشر ضاربا اطنابه في كل زاوية مستهدفا البشر والحجر على حد سواء وبدا العنف والارهاب هما الاطار الذي تدار ضمنه كل مفاصل الحياة التي بدت بمجملها حياة غاب لا اثر فيها لعقل او قانون واخذت الرصاصة مكانها بدل الفكرة والمزاج بدل العقل والثأر بدل الحوار والتفاهم وكان من الطبيعي ان تنال شرر ذلك قطاع التعليم العالي الذي اصبح مسرحا لتجريب خيارات العنف والارهاب مفصحا بمجال مماثلة لما حدث للعلماء الالمان بعد هزيمة المانيا في الحرب العالمية الثانية حيث اختطفتهم قوات الحلفاء ولم نعد نسمع عنهم في الفترات اللاحقة اذ تشير التقارير الى نسبة 84 بالمئة من مؤسسات التعليم العالي في العراق تعرضت للتدمير والتخريب فالحرب الاميركية لم تحترم ابسط القوانين الدولية والانسانية في حربها ضد العراق فحتى كانون الثاني 2008 قتل 44452 مدنيا وان اكثر من 92 الفا اصيبوا وكانت هذه الاحصائيات اعلى بكثير من اية بيانات صدرت من مسؤولي الحكومة كما ان فريقا من الاطباء الاميركيين والعراقيين ذكروا 655 الف شخص قد ماتوا في العراق منذ اذار 2003 ان اكثر من 4000 عراقي بين مفكر واستاذ واكاديمي وباحث وخاصة علماء الذرة والكيمياء قد تمت تصفيتهم او تهجيرهم وان اكثر من 360 عالما واستاذا جامعيا تم اغتيالهم امام مرأى ومسمع العالم وبوضح النهار.
خلال السنين الماضية من عمر التغيير الستراتيجي والسياسي في العراق تعرضت مسيرة التعليم العالي الى كوارث حقيقية اشدها تأثيرا ما تعرضت له الكفاءات العلمية العراقية الى شتى انواع القهر والتعسف والتسلط فضلا عن القتل والتهجير والتعذيب لتنخفض عندها احد ابرز مظاهر الحرية لشعب طالما حلم بها.
ولعل من اهم تجليات ذلك الواقع المرير:
1 ـ توقف العملية التعليمية الاكاديمية باكملها واستئنافها بصورة جزئية وتعثرها فيما بعد من جراء موجات العنف الطائفي التي ضربت البلاد واثرت في انسيابية الاداء في مؤسسات التعليم العالي...
2 ـ القضاء الممنهج على الثروة العلمية العراقية والمقصود به مسلسل الاغتيالات الذي استهدف اساتذة الجامعات العراقية اذ كشفت مصادر متخصصة عن مقتل اكثر من 360 استاذا جامعيا منذ نيسان 2003 ولغاية الان واختفاء (96) لا يزال مصيرهم مجهولا فضلا عن هجرة المئات من الاساتذة اذ فقد قطاع التعليم العالي نحو 45 بالمئة من طاقاته العلمية العليا وهي الظاهرة الاخطر وقد تفاقم امرها خلال الفترة الاخيرة.
3 ـ انكفاء الكفاءات المتبقية على نفسها بسبب الوضع الامني والاقتصادي الذي لم يعد مؤاتيا البتة لابسط قواعد الاداء المجتمعي فضلا عن الجامعي.
4 ـ قصف ابنية التعليم العالي والجامعات العراقية في الحرب وتعرضها للسلب والنهب والتدمير بعد انتهاء العمليات العسكرية وتحدد نسبة ما دمر من ممتلكات بما يقدر بـ85 بالمئة من مجموع الممتلكات المادية.
5 ـ تواضع برامج الدولة وربما هذا هو السبب المباشر لقيام رابطة التدريسيين العراقيين التي تأسست في 2003/6/19 التي تضم نحو 3000 تدريسي ولها فروع واعضاء في غالبية الجامعات العراقية واصدرت هذه الرابطة اكثر من 630 بيانا ونداء استغاثة وقدمت جداول واحصائيات موثقة منها باسماء الاساتذة الذين تعرضوا للخطف والقتل.
6 ـ توقف خطط البناء
7 ـ نقص واضح للمستلزمات المهمة في العملية التعليمية والبحث العلمي.
8 ـ ضعف التحصيل العلمي.
9 ـ عدم حيادية بعض الجامعات العراقية وكلياتها واقسامها ووقوعها فريسة التأثيرات الخطرة سواء تلك التي سبقت الحرب اوماتلتها وبدأت تؤثر في الجامعات العراقية تحول بعضها او بعض اقسامها الى واجهات سياسية للتوجهات الحزبية وقد كان من جراء ذلك ان بدا الواقع الاكاديمي العراقي متخما بعلامات استفهام كثيرة بدءا بالتسكين بنوايا التغيير ومحصلة وانتهاء بنوايا القوى السياسية التي طالما تتوارى حال ملامستها لحتمية ترجمتها الى واقع ملموس.
فمن المطلوب ان التعليم العالي والبحث العلمي يعد احد اهم الدعائم التي ينبغي الارتكاز عليها في اعادة الاعمار ولكن ماجرى يخالف مايستوجبه المنطق والظروف واذ نذكر حكومتنا ومؤسساتها الامنية بان تقوم بدورها الوطني لحماية مفكري وعلماء العراق وغيرهم من صانعي المستقبل والدفاع عنهم كل الوسائل والطرق وتأمين الظروف الامنـية الملائمة لمن بقي في العراق منهم والتعامل مع هذه القضية بجدية تامة ذلك لان استهداف العقول او الكفاءات العراقية هو جزء لا يتجزأ من مخطط يرمي الى العودة بالبلاد الى الوراء حيث التخلف عن ركب الدول المتقدمة بمسافة كبيرة وجزء من مؤامرة تحيك خيوطها جهات داخلية واقليمية لافشال التجربة العراقية الجديدة التي تحررت من قيود التسلط والظلم والاضطهاد.
1 ـ من متابعة المتورطين بتصفية الكفاءات العراقية قضائيا وانزال عقوبة الاعدام بهم جميعا واعلان ذلك على الملأ.
2 ـ توفير الحماية اللازمة للكفاءات العراقية في الجامعات والمعاهد واماكن عملهم ومساكنهم.
3 ـ كون هذه الجرائم لا تنفصل عن الاعمال الارهابية فبالامكان تقديم مكافات نقدية لكل من يدلي بمعلومات تفيد او تؤدي لالقاء القبض على مرتكبي هذه الجرائم.
4 ـ مساهمة منظمات المجتمع المدني بنشر روح التضامن والديمقراطية على اعتبار ان الكفاءات والعقول ثروة وطنية لايمكن التفريط بها.
5 ـ الابتعاد بالكفاءات عن التحزب وجعلهم رصيدا وطنيا لكل العراقيين وبذلك نجنبهم النزاعات الحزبية والجهوية والطائفية.
6 ـ ضمان عدم تجاوز منتسبي تلك المؤسسات الامنية على قدسية الحرم الجامعي وعلى قدسيـة العملية التعليمية وشخوصها من الاسـاتذة والطلاب.
7ـ العمل على زيادة ميزانية الجامعات العراقية بشكل خاص وميزانية التعليم العالي في العراق عموما سواء مـن ميزانية الحكومة او من الميزانية المخصصة للدول المانحة او امكانات التمويل الذاتي والتفكير بصيغ استثمارية هدفها النهوض السريع بالتعليم العالي.
8ـ حث الحكومة على تخصيص نسبة مهمة من ميزانية الدولة لتشجيع البحث والتطوير على غرار الدول المتقدمة والعمل على تولي مؤسسات التعليم العالي التعليمية والبحث الدور الريادي في هذا المجال وبصيغ تعاونية وتشاركية مع المؤسسات الحكومية الخاصة الاخرى.
9ـ زيادة التعاون من الجهات الدولية التي قد تؤمن للجامعات العراقية وبصيغة مماثلة لما تم الاتفاق عليه في مؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية ”اونكتاد“ يوم 1 ايلول سنة 2008 في جنيف اذا تم توقيع مذكرة تفاهم مع العراق تقوم بموجبها منظمة الامم المتحدة بتحليـل سياسة العراق في مجالات العلوم والتكنولوجيا والابتكار لمساعدته على اعادة بناء اقتصاده والتسريع بتنميته.
10ـ يعد التخطيط الستراتيجي سمة من سمات العصر الحديث وادارة رئيسة تمكن المنظمات بشكل عام، والجامعات على وجـه الخصوص من رسم المسارات الصحيحة لتقدم حركتها العلمية ضمن البيئة التي يعيش فيها وتتفاعل معها بغية تحقيق الاهداف المنشودة في البناء والتقدم.
لقد استخدمت العديد من الجامعات الرصينة في العالم، ستراتيجية الجودة الشاملة لمجمل انشطتها العلمية والثقافية بغية الارتقاء بمستويات الاداء سواء على المستوى الداخلي للجامعة بانظمتها الفرعية المختلفة، او على المستوى الخـارجي من خلال تفاعلها مع البيئة التي تتواجد فيها وما تقدمه من مخـرجات لخدمة البيئة وتحقيق اهداف المجتمع.
11ـ النظر الى عضو هيئة التدريس كونه يشكل مدخلا مهمـا في العملية التعليمية، من حيث مستواه العلمي وخلفيته المعرفية، ودرجة التزامه بالمقررات العلمية والعملية التعليمية.
12ـ دعوة الاكاديميين العراقيين الى الاسهام الفاعل والبناء لتطوير الثقافة المجتمعة ورفع الحس الوطني والقومي والتمسك بوحدة الوطن وترسيخ المفاهيم الوطنية والاخلاقية والاجتماعية بين فئات الشعب، ونبذ الطائفية بكل اشكالها والاسهام الفعال في دفع العملية السياسية الى الامام.
13ـ دعوة مجلس النواب الى اهمية تشكيل هيئات استشارية مـن الاستاذة والاكاديميين وحسب التخصـص لتعرض عليهـم التشريعات والقـوانين قبل اقرارها للافــادة مـن خـبراتهم الاكاديمية.

* عميد كلية العلوم السياسية/ جامعة النهرين.