موت المغنى من شدة الأسى
ابراهيم جادالله
(إلى.ابني ماجد الذى يرمى ببصيرته فى قلب الرحلة،والوجه،والتضاريس.حين كان يحلم برحلة فى عيون الأشياء)
* افتتاحية ثابتة وهائجة
(لن تنالى منى الرضا ولن ترعشى فى القلب.ولن تسلبى دموعى الملتاعة أو تعيديها فى محاجر العيون..ياابنتى التى نزفت العمر فى اخضرار حملها وشوقها).
نفتح النوافذ عندما يأتينا صوته،وتتسرب الضوء الذى تفهق به لمبات الجاز إلى الحارة الشديدة الإنحدار فى الشارع الكبير.لا نتبين ملامحه ليلا،ونحفر فى سدود العتمة والسواد كى نتبينها.ننفذ إلى وجهه،ونرسمه فى خيالاتنا بصمت وجلال ورهبة ونحن وقوف أمامه،ويدخل صوته فى رؤوسنا النائمة على الوسائد أو فوق أذرع الأمهات المرتخية للنوم،نسال عنه الكبار،وتسافر أسئلتنا وعلامات الإستفهام المدهوشة مع الشمس التى تنام هناك كل ليلة فى الأفق البعيد حيث قريته بآخر حدود غيطان قريتنا.
تتجمع رغبتنا الطفولية،وتتكاثف مع كشف الستر وسبر الغور،ونخاف أن يفجعنا الليل بأن يرمينا فى مستنقع حقيقة نحدسها،ولكنا نطارد بخوف ليلى رغما عنا أشباحها،وفى تلك الليالى التى يشتد فيها السواد وتجتاح العتمة كل شئ نرقد فوق مضاجع الأساطير التى يقيمها الكبار،وفى الليالى التى يرمى القمر الأبيض المدور الضوء على البيوت والساحات،ويسقط ظل البيوت والجدران على شريط مستطيل من الحارات والأزقة ليبقى ممرا من الضوء.فنتبعه.متشابكى الأيدى،تنغمس أرواحنا فى ندائه الطرى المنقوع فى حزن قديم.قديم كأنه ولد معه،يدخل صوته من نافذة صغيرة فى قلوبنا ينام خلفها ميراث من حزن طرى وهو ينادى)حلاوة عسلية...تعالى ياصبية دوقى الحلاوة)
فى أيادينا كيزان الذرة.سرقناها أو أرغمنا الأمهات على الحصول عليها،بين قضتيه العامود الخشبي الرفيع الطويل الأملس المزيت،ينتهى بكوز من الصفيح به بعض الحصى فى إيقاع تنتظم به حوله،ونبحلق فى لفافة الحلاوة المطاطية اللزجة، تغشاها خيوط مطاطية ملونة ملفوفة معها حتى نهاية العامود.
كل الباعة الغرباء يطرقون حارات القرية نهارا إلا هو(عبده أبو حواية).رأسة المكبوسة بطاقية الصوف التى ينشع منها وسخ وعرق تحمل (سبتا)كبيرامكسوا بالخيش من داخله وخارجه،ينادى مرة على بضاعة(السبت):- بلدي ياليمون.يازرع الجناين ياليمون ،ومرة على الحلاوة العسلية،تحتاطة أيادينا ممدودة بكيزان الذرة أو القروش الصفراء،قلوبنا مشرعة اليه.إلى صوته المضمخ بحزن.الحامل عذابات ترطب أشياء فى صدورنا..دائما ليالينا مملؤة بالسؤال،ننبش فى وعاء ما تحده قدراتنا الطفولية،تتداخل فى أشيائه،وتظل أسئلتنا التى هى بلا أجوبة حبيسة أدراج نومنا القلق.
نعرف أنه ينتهى من بيعه قبل أن ينتصف ليل بلدنا،ونعرف أنه يحمل سبته على ظهره مربوطا فى كتفيه، يقطع الجسور الرفيعة والسكك المتربة والسكك المبللة بين الغيطان حيث قريته بالضفة الأخرى للنهر،ولكن تظل أسئلتنا هى هى بدواخلنا،وأحيانا نسال الأمهات أو نسأل الكبار،لتظل هى هى نفس الأجوبة،وتبقى هى هى نفس الأسئلة.لانرتاح أو نطمئن لما نسمع،ويشق علينا أن لانسمعه،ونأسى ونحن نشاهد كل ليلة وجهه الأسيان الملئ بالتجاعيد والشعر القصير الخشن.
تربع الضوء الفضى ليلة شتوية على القرية،وكان هذا الضوء قد أفسح الكون كله للريح..سكتت السواقى المتناثرة فى الحقول حول القرية،وهبت الكائنات تهجع من مكامنها،وانزوت الكلاب فى الخرائب المهجورة التى يفضح القمر مابداخلها،وراحت تفعل فعلتها المعتادة تحت المطر والريح،ولم ننم نحن الصغار.كل منا يتابع فى داخله ويرى على الطرف الآخر رفاقه وهم يتجمعون حول مواقد النيران وسط الأخوة والأمهات والجدات،والآباء مع النارجيلات والشاي الثقيل الذى يعطى للرأس شيئا من التيقظ وللذهن بعضا من التوقد.
لكنا سمعناه وسط عويل الرياح والمطر،صوته كان صافيا كسماء القرية،واسعا كاتساع الحقول.لم نكن نحن الصغار من شده الصوت الصافي الأسيان..الجدات والأمهات أوقف الصوت حكاويهن المنقوع فى عبق الزمن.لم يكن ينادى على عسليته أو ليمونه،رافقناه فى حوارى القرية وأزقتها نهارا ،تنغرز أقدامنا فى وحل الدروب خلفه،وتلطخت جلابيبنا.
نحن نسكنه فى أدفئتنا، نحبه،ونتوحد فى حزنه الساكن ملامحه وصوته،وتابعناه وهو ياخذ طريقه مجتازا الحقول والسكك المبللة حيث النهر وضفته الأخرى قريته..كأنه الحلم الذى نستدفىء به ، وعن إير إرادة منا نطيل التحليق معه ، ولم نكن نصدق مايحدث.لكن أسئلة الغير بدت مكشوفة الآن وتبدأ دربابحقيقة كنا نحسدها، كنا نطارد بخوف ليلى أشباحها.كان ينادى هذه المرة بصوت منزعج متوال ساقط كأنه الثلج فى حجرات الدفء التى نرقد فيها.
ابراهيم جادالله
(إلى.ابني ماجد الذى يرمى ببصيرته فى قلب الرحلة،والوجه،والتضاريس.حين كان يحلم برحلة فى عيون الأشياء)
* افتتاحية ثابتة وهائجة
(لن تنالى منى الرضا ولن ترعشى فى القلب.ولن تسلبى دموعى الملتاعة أو تعيديها فى محاجر العيون..ياابنتى التى نزفت العمر فى اخضرار حملها وشوقها).
نفتح النوافذ عندما يأتينا صوته،وتتسرب الضوء الذى تفهق به لمبات الجاز إلى الحارة الشديدة الإنحدار فى الشارع الكبير.لا نتبين ملامحه ليلا،ونحفر فى سدود العتمة والسواد كى نتبينها.ننفذ إلى وجهه،ونرسمه فى خيالاتنا بصمت وجلال ورهبة ونحن وقوف أمامه،ويدخل صوته فى رؤوسنا النائمة على الوسائد أو فوق أذرع الأمهات المرتخية للنوم،نسال عنه الكبار،وتسافر أسئلتنا وعلامات الإستفهام المدهوشة مع الشمس التى تنام هناك كل ليلة فى الأفق البعيد حيث قريته بآخر حدود غيطان قريتنا.
تتجمع رغبتنا الطفولية،وتتكاثف مع كشف الستر وسبر الغور،ونخاف أن يفجعنا الليل بأن يرمينا فى مستنقع حقيقة نحدسها،ولكنا نطارد بخوف ليلى رغما عنا أشباحها،وفى تلك الليالى التى يشتد فيها السواد وتجتاح العتمة كل شئ نرقد فوق مضاجع الأساطير التى يقيمها الكبار،وفى الليالى التى يرمى القمر الأبيض المدور الضوء على البيوت والساحات،ويسقط ظل البيوت والجدران على شريط مستطيل من الحارات والأزقة ليبقى ممرا من الضوء.فنتبعه.متشابكى الأيدى،تنغمس أرواحنا فى ندائه الطرى المنقوع فى حزن قديم.قديم كأنه ولد معه،يدخل صوته من نافذة صغيرة فى قلوبنا ينام خلفها ميراث من حزن طرى وهو ينادى)حلاوة عسلية...تعالى ياصبية دوقى الحلاوة)
فى أيادينا كيزان الذرة.سرقناها أو أرغمنا الأمهات على الحصول عليها،بين قضتيه العامود الخشبي الرفيع الطويل الأملس المزيت،ينتهى بكوز من الصفيح به بعض الحصى فى إيقاع تنتظم به حوله،ونبحلق فى لفافة الحلاوة المطاطية اللزجة، تغشاها خيوط مطاطية ملونة ملفوفة معها حتى نهاية العامود.
كل الباعة الغرباء يطرقون حارات القرية نهارا إلا هو(عبده أبو حواية).رأسة المكبوسة بطاقية الصوف التى ينشع منها وسخ وعرق تحمل (سبتا)كبيرامكسوا بالخيش من داخله وخارجه،ينادى مرة على بضاعة(السبت):- بلدي ياليمون.يازرع الجناين ياليمون ،ومرة على الحلاوة العسلية،تحتاطة أيادينا ممدودة بكيزان الذرة أو القروش الصفراء،قلوبنا مشرعة اليه.إلى صوته المضمخ بحزن.الحامل عذابات ترطب أشياء فى صدورنا..دائما ليالينا مملؤة بالسؤال،ننبش فى وعاء ما تحده قدراتنا الطفولية،تتداخل فى أشيائه،وتظل أسئلتنا التى هى بلا أجوبة حبيسة أدراج نومنا القلق.
نعرف أنه ينتهى من بيعه قبل أن ينتصف ليل بلدنا،ونعرف أنه يحمل سبته على ظهره مربوطا فى كتفيه، يقطع الجسور الرفيعة والسكك المتربة والسكك المبللة بين الغيطان حيث قريته بالضفة الأخرى للنهر،ولكن تظل أسئلتنا هى هى بدواخلنا،وأحيانا نسال الأمهات أو نسأل الكبار،لتظل هى هى نفس الأجوبة،وتبقى هى هى نفس الأسئلة.لانرتاح أو نطمئن لما نسمع،ويشق علينا أن لانسمعه،ونأسى ونحن نشاهد كل ليلة وجهه الأسيان الملئ بالتجاعيد والشعر القصير الخشن.
تربع الضوء الفضى ليلة شتوية على القرية،وكان هذا الضوء قد أفسح الكون كله للريح..سكتت السواقى المتناثرة فى الحقول حول القرية،وهبت الكائنات تهجع من مكامنها،وانزوت الكلاب فى الخرائب المهجورة التى يفضح القمر مابداخلها،وراحت تفعل فعلتها المعتادة تحت المطر والريح،ولم ننم نحن الصغار.كل منا يتابع فى داخله ويرى على الطرف الآخر رفاقه وهم يتجمعون حول مواقد النيران وسط الأخوة والأمهات والجدات،والآباء مع النارجيلات والشاي الثقيل الذى يعطى للرأس شيئا من التيقظ وللذهن بعضا من التوقد.
لكنا سمعناه وسط عويل الرياح والمطر،صوته كان صافيا كسماء القرية،واسعا كاتساع الحقول.لم نكن نحن الصغار من شده الصوت الصافي الأسيان..الجدات والأمهات أوقف الصوت حكاويهن المنقوع فى عبق الزمن.لم يكن ينادى على عسليته أو ليمونه،رافقناه فى حوارى القرية وأزقتها نهارا ،تنغرز أقدامنا فى وحل الدروب خلفه،وتلطخت جلابيبنا.
نحن نسكنه فى أدفئتنا، نحبه،ونتوحد فى حزنه الساكن ملامحه وصوته،وتابعناه وهو ياخذ طريقه مجتازا الحقول والسكك المبللة حيث النهر وضفته الأخرى قريته..كأنه الحلم الذى نستدفىء به ، وعن إير إرادة منا نطيل التحليق معه ، ولم نكن نصدق مايحدث.لكن أسئلة الغير بدت مكشوفة الآن وتبدأ دربابحقيقة كنا نحسدها، كنا نطارد بخوف ليلى أشباحها.كان ينادى هذه المرة بصوت منزعج متوال ساقط كأنه الثلج فى حجرات الدفء التى نرقد فيها.
السبت يناير 21, 2017 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» قصيده بعنوان كافي
الجمعة ديسمبر 19, 2014 7:50 am من طرف عدنان المعموري
» عن لسان ام الشاعر الراحل رحيم المالكي
الأحد يوليو 06, 2014 1:52 pm من طرف عدنان المعموري
» القصيدة التي أغضبت سلاطين المنطقة الخضراء
الثلاثاء أكتوبر 02, 2012 12:44 pm من طرف عدنان المعموري
» قصة مؤثرة عن غيرة النساء
الجمعة يونيو 29, 2012 1:06 am من طرف عدنان المعموري
» أبن شقيق الجعفري يكشف تفاصيل الاعتداء عليه بالضرب من قبل أبن شقيقة المالكي وأقربائه
الأربعاء مايو 23, 2012 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب / صاحب الضويري
السبت مايو 12, 2012 12:24 am من طرف عدنان المعموري
» خانقين..الوردة البيضاء..مدينة التآخي والسلام
الخميس فبراير 16, 2012 12:16 pm من طرف حسين:خانقين
» هدية لكم جميعا..مع باقات من النرجس من على سفوح جبال كردستان
الخميس فبراير 16, 2012 5:21 am من طرف حسين:خانقين
» الأشعة..منافعها واضرارها وهذا الحديث مع طبيبة اختصاصية في م. خانقين
الخميس فبراير 16, 2012 5:06 am من طرف حسين:خانقين
» دعوة للمشاركة
الخميس أكتوبر 06, 2011 9:22 am من طرف د.مسلم بديري
» قصص قصيرة جدا
الإثنين يوليو 18, 2011 5:00 pm من طرف د.مسلم بديري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:47 am من طرف عدنان المعموري
» زعلتك صدك
الثلاثاء يونيو 21, 2011 1:22 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب /للشاعر صاحب الضويري
الإثنين يونيو 13, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» أكميله للشاعر عارف مأمون
الإثنين أبريل 04, 2011 8:17 am من طرف عدنان المعموري
» كل ساعة انذبح من عرست لليوم وكل ساعة انسحك بجدام تذكارك
الإثنين أبريل 04, 2011 8:13 am من طرف عدنان المعموري
» قراءة الواقع الثقافي في العراق
السبت مارس 12, 2011 1:13 pm من طرف قاسم المعموري
» اشعل فتيلها الكادحون والرافضون للظلم
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:05 pm من طرف قاسم المعموري