- لأنها تضمن حقوق الإنسان وتحفظ كرامته -
ضرورة تطبيق القانونين والاتفاقيات والمعاهدات الدولية في المحاكم الوطنية ...
قاسم المعموري
قد يكون المفهوم الأساسي الذي يعنيه القانون الدولي هو مجموعة نصوص الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي يصار إلى أعدادها ومناقشتها وتحليلها ومن ثم التصويت عليها وإقرارها من قبل الدول الموافقة عليها ضمن أطار الأمم المتحدة ، وتسعى تلك الاتفاقيات والمعاهدات الدولية إلى وضع قواعد ونصوص ومبادئ قانونية متطورة مع تطور العصر وتنسجم مع تطور مبادئ حقوق الإنسان في كل مجالات الحياة ومفاصلها ، لتصبح نصوصاً ملزمة تعلو على النصوص الوطنية للدول التي أقرتها ، وبالتالي تلتزم بها كنصوص وطنية ملزمة معدلة لنصوصها ، حيث تسعى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الذي يعتبر القانون الدولي من أهم عناصرها إلى تعزيز العلاقات الإنسانية بما يكفل تحقيق العدالة واحترام حقوق الإنسان ... حول هذه المفاهيم القانونية الدولية وضرورة تطبيقها في العراق التقينا بالقاضي ( هادي عزيز علي ) ليطلعنا على القوانين والاتفاقيات والمعاهدات الدولية وأهميتها في الوقت الراهن للمواطن العراقي الذي غابت عنه الثقافة القانونية نتيجة للسنين الطوال التي ابتلى بها في فترة التسلط والدكتاتورية المقيتة ...
// بداية نود أن تطلعنا على نبذة تاريخية عن المعاهدة وفقه القانون الدولي وعملية تطبيقه ؟
المعاهدة كما عرفتها المادة (2) من اتفاقية فيينا لعقد المعاهدات لسنة 1969 هي (اتفاق دولي يعقد بين دولتين أو أكثر كتابة ويخضع للقانون الدولي سواء تم في وثيقة واحدة أو أكثر وأيا كانت التسمية التي تطبق عليه) 0 وإذا أردنا الدخول في المسائل الفقهية التي تتناول وحدة القانون وثنائية القانون , فالقسم الغالب من الفقه يرى أن قواعد النظام الدولي تقيد وتحكم قواعد النظام الوطني لكون القانون الدولي هو الذي يحدد اختصاصات الدولة ويجب على الأخيرة ألا تخرج عن أطار هذه الاختصاصات , وبتعبير آخر حسبما يرون أن القانون الدولي هو القانون الأساسي الذي تعتمد عليه القوانين الداخلية , ومن أصحاب هذا الرأي ( دوجي , جورج سيل , همفري والدوك ) ومن العرب المؤيدين لذلك الدكتور عبد العزيز سرحان خاصة عندما يقول ( أن القانون الدولي يمكنه أن يلغي أو يعدل قاعدة قانونية داخلية بحكم سموه) ، ويخلص أصحاب هذا الرأي إلى القول بأن القانون الداخلي لا يمكن أن يخالف معاهدة دولية سبق أن التزمت بها الدولة , ويذهبون إلى ابعد من ذلك بالقول ( بأن المعاهدة الدولية التي تتضمن قاعدة يخالفها تشريع داخلي يكون حكم المعاهدة ناسخا لحكم القاعدة الداخلية لسمو المعاهدة الدولية على القانون الداخلي .
// في ضوء ذلك ماهو موقف القضاء الدولي من مفهوم المعاهدات ؟ وهل هناك قضايا احتكمت لتلك المعاهدات ؟
حقيقة أن القضاء الدولي قد استقر – ومنذ زمن بعيد – على علوية المعاهدات على التشريعات الوطنية , ففي القضية المعروفة بأسم (مونتيجو- 1875 ) حول النزاع الواقع بين كولومبيا المتمسكة بدستورها وبين الولايات المتحدة الأمريكية بشأن معاهدة مبرمة بين الطرفين والمعروضة في حينه على محكمة التحكيم التي أصدرت قرارها في النزاع وقد جاء في حيثيات القرار أن ( المعاهدة تسمو على الدستور ) ، وأستمر هذا المبدأ سائدا في القضاء الدولي ، كذلك النزاع الذي عرض على محكمة العدل الدولية المعروف بأسم قضية ( دانتزج الحرة ) , فقد تبين للمحكمة المذكورة أن دستور (دانتزج) يؤدي إلى التعارض مع ما التزمت به من التزامات دولية تجاه بولونيا , وقد أصدرت المحكمة المذكورة حكمها سنة 1932 المتضمن (عدم أمكان الاحتجاج بالدستور الوطني للتخلص من الالتزام أمام دولة أخرى بالأحكام المنصوص عليها في معاهدة سارية المفعول ) ، كما أن علوية المعاهدة على التشريعات الوطنية اكتسب الديمومة وترسخ التعامل فيه حتى ولو كانت النصوص القانونية الوطنية تتعلق بالنظام العام ,وهذا ما جاء في حكم محكمة العدل الدولية في القضية المعروفة بقضية حضانة الأطفال الصادر فيها حكم سنة 1958 المذكور فيها نصا ( أن المعاهدات الدولية تعلو على القانون الداخلي في حالة تعلق الأخير بالنظام العام ) ، وفي حكم آخر لمحكمة العدل الدولية بالقضية المعروفة بأسم قضية برشلونة 1970 , وكذلك حكمها الصادر سنة 1994 بشأن النزاع بين الذي نشأ بين ليبيا وتشاد بخصوص قطاع (اوزو) والذي جاء فيه ( أن الغلبة في نزاع بشأن الحدود السياسية المرسومة بموجب معاهدة يكون لها علو على القانون الوطني متى ماتعارضت نصوصه معها ) أما القضاء الدستوري المصري فقد قررت المحكمة الدستورية في الحكم المرقم 23 وفي الجلسة المؤرخة 18/3/1995 التي نصت على سمو المعاهدات الدولية على القوانين الداخلية وحتى ولو اتصلت هذه القوانين بالنظام العام 0
// من الناحية التشريعية الدستورية ماهو موقف دول العالم من المعاهدات ؟
كذلك هناك أمثلة أود الإشارة إليها من الناحية التشريعية الدستورية في دول العالم ففي هولندا نصت المادة 94 من الدستور الهولندي المعدل سنة 1983 على ( أن الإحكام القانونية النافذة في المملكة لا تطبق أذا كان تطبيقها لا يتلاءم مع أحكام المعاهدات أو قرارات المنظمات الدولية التابعة للقانون الدولي العام التي تلزم الجميع ) وهذا النص يعني أن لاحكام المعاهدة السمو على كافة النصوص القانونية الوطنية الهولندية بما في ذلك نصوص الدستور، أما في فرنسا تنص المادة (55) من دستور 1958 على ( المعاهدات أو الاتفاقيات المصادق عليها أو الموافق عليها ًاصولاً لها منذ نشرها سلطة أعلى من سلطة القوانين) ، ودستور ألمانيا الاتحادية الصادر سنة 1949 فقد نصت المادة25 منه على ( تشكل القواعد العامة في القانون الدولي جزءا لا يتجزأ من القانون الدولي , تكون له الأولوية على القوانين وتنشئ مباشرة حقوقا وموجبات بالنسبة لسكان الأراضي الفدرالية ، وفي الدستور اليوناني الصادر سنة 1975 فقد نصت المادة (28) منه على أن المعاهدات بعد التصديق عليها ودخولها حيز التنفيذ (لها قيمة أعلى من جميع الأحكام المخالفة في القانون)0 والأمر ذاته في الدستور البرتغالي الصادر سنة 1976 المادة ( منه ، الدستور المصري الصادر سنة 1970 وفي مادته المرقمة (151 ) الذي نص على أن المعاهدات بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها تكون لها قوة القانون .
// لقد أوضحت لنا موقف دول العالم من القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية .. أذن نود أن تطلعنا عن موقف التشريع العراقي من المعاهدات الدولية ؟
أن الدساتير العراقية وطيلة الحكم الوطني واضحة في موضوع المعاهدات الدولية ففي دستور 1925 تم منح الملك صلاحية عقد المعاهدات بشرط أن لا يصدقها ألا بعد موافقة مجلس الأمة عليها ( المادة السادسة والعشرون – 4) منه ، أما الدستور المؤقت لسنة 1958 فقد منح مجلس الوزراء صلاحية السلطة التشريعية بعد تصديق مجلس السيادة وان القوانين تنشر في الجريدة الرسمية وان ذلك يشمل المعاهدات ، أما الدستور المؤقت لسنة 1964 فقد منحت المادة (45) منع رئيس الجمهورية صلاحية أقرار المعاهدات والتصديق عليها ، أما الدستور المؤقت لسنة 1970 فقد خول مجلس قيادة الثورة المنحل صلاحية المصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية(المادة الثالثة والأربعون – د ) ، أما الدستور الحالي ( دستور 2005) فقد جعل من اختصاص مجلس النواب تنظيم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب (المادة 61 – رابعا ) ، ومن قراءة هذه النصوص الدستورية وعلى امتداد الحكم الوطني لغاية 2005 لم نجد في تلك النصوص ما يشيرالى علوية المعاهدات الدولية على القانون الوطني , ألا تلك النصوص تضع المعاهدة الدولية بنفس قوة القانون الوطني ما دامت آلية إبرامها وتصديقها تمر بنفس آلية تشريع القوانين الوطنية ، أما الدستور الحالي وعندما كان مشروعا وقبل أقراره فقد كانت فيه مادة برقم (44) تعطي للاتفاقيات والمعاهدات الدولية قوة النص الدستوري , أي أن المعاهدة بموجبه أعلى من نص القانون الوطني , ألا أن هذه المادة حذفت عند تشريع الدستور ، ورغم ذلك يمكن تلمس علوية المعاهدات الدولية على بعض النصوص الوطنية كما في المادة ( من الدستور الآتي تنص على (000 ويقيم علاقاته على أساس المصالح المشتركة وأتعامل بالمثل , ويبرم التزاماته الدولية , فإذا كان العراق يحترم التزاماته الدولية في الاتفاقيات التعاقدية فيكون من باب أولى احترام تلك الالتزامات في المعاهدات الدولية المشروعة من قواعد قانونية دولية آمرة ، كما ان النصوص الدستورية قد ناهضت التعذيب وقبل التصديق على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب ذلك أن هذه الاتفاقية المتعلقة بحقوق الإنسان لها العلوية على النصوص القانونية الوطنية بموجب نص دستوري .
// مادمنا في الشأن العراقي هل لك أن تحدثنا عن حقوق الإنسان في العهود والمواثيق الدولية المصادق عليها من قبل العراق ؟
ابتداء يمكن القول أن هناك عوز في الثقافة القانونية المتعلقة بحقوق الإنسان ليس لدى المواطن العادي حسب بل أن الأمر يمتد إلى الأسرة القانونية بما في ذلك الأسرة القضائية ونحاول توضيح ذلك على من خلال التطرق فعلياً إلى السلطتين التشريعية والقضائية وأود بداية الحديث عن السلطة التشريعية ... أولا – صادق العراق على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالقانون المرقم 193لسنة 1970 ونشرا في الوقائع العراقية بالعدد1927 في 7\10\ 1970, ألا أن نص العهدين لم ينشر في الوقائع العراقية بل أن ما نشر هو رقم وتاريخ القرار الصادرعن الجمعية العامة للأمم المتحدة , ولم يلحقهما النشر لكامل النص ألا سنة 1992 ضمن المجموعة التشريعية لوزارة العدل أي بعد مرور (12) سنة , مما حال دون تلقي المواطن نص العهدين باعتبارهما جزء من القانون الوطني والذي لا يفترض جهل الشخص بالقانون , كما أن الأسرة القضائية لا علم لها بنص العهدين وهو الملزم بتطبيق القانون0
والأمر ذاته بالنسبة لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ( سيداو) التي يمي المصادقة عليها بالقانون 66 لسنة 1986 ونشر رقم وتاريخ القرار الصادر عن الأمم المتحدة من دون نشر نص الاتفاقية ألا في المجموعة التشريعية سنة 1992امتد هذا التقليد الخاطئ إلى مجلس النواب المنتهية ولايته ولم يتدارك الأمر ألا في وقت متأخر استجابة لمجاميع الضغط التي طالبت بنشر نصوص ألاتفاقيات كاملة ،هذا الأمر والاجتهاد الخطير دفع مجلس القضاء الأعلى إلى تنظيم دورات لقضاة الأحوال الشخصية ومن ضمن مواد التدريب موضوع حقوق الإنسان .. ثانيا – السلطة القضائية غير مهتمة بموضوع حقوق الإنسان الواردة في العهود والاتفاقيات المصادق عليها قانونا من قبل السلطة التشريعية رغم أن المشرع اعتبرها جزء من النظام القانوني العراقي
// واختتم لقاءنا مع القاضي هادي عزيز بإعطاء نموذج حكم لمحكمة التمييز الاتحادية على النحو الأتي الحكم الأول – رفعت دعوى من قبل مسيحي أمام محكمة المواد الشخصية يطلب فيها مطاوعة زوجته له , وحيث قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل لا ينطبق على المسيحي استنادا لاحكام الدستور الحالي القائل بحرية العقيدة وعدم جواز الإكراه الديني , وحسب الآلية المتبعة في مثل هذه النزاعات فأن المحكمة تفاتح الكنيسة التي ينتسب االيها المتداعيين لبيان الرأي الشرعي الكنسي حول موضوع الدعوى ,وقد جاء جواب الكنيسة بعدم وجود مطاوعة ضمن الأحكام الشرعية لكنيستهم وان للمحكمة تطبيق القانون المدني النافذ , واستجابة لما جاء بجواب الكنيسة ولما كانت المحكمة ملزمة للفصل في النزاع فقد فتشت في كل النصوص القانونية النافذة ولم تجد ضالتها ألا في أحكام اتفاقية 0سيداو) باعتبارها قانونا وطنيا نافذ المفعول وينظم العلاقة بين الزوج وزوجته أثناء سريان عقد الزواج , وفي ضوء تلك النصوص فقد ردت المحكمة دعوى المدعي باعتباره متعسفا في طلب المطاوعة استنادا لنصوص ( سيداو) بعدها نقض الحكم المذكور بحكم محكمة التمييز الاتحادية وقد جاء في النقض ( أن الاتفاقيات والمواد الدستورية جاءت بمبادئ عامة يتوجب على المشرع مراعاتها عند سن القوانين الخاصة بالأمور التي تناولتها تلك الاتفاقيات 00) وهذا يعني أن محكمة التمييز الجليلة لا تعتبر الاتفاقية المصادق عليها قانونا وطنيا وخلافا لما استقر عليه فقه وقضاء وتشريعات العالم كافة وهذا الاجتهاد مخالف لنص القانون .
ضرورة تطبيق القانونين والاتفاقيات والمعاهدات الدولية في المحاكم الوطنية ...
قاسم المعموري
قد يكون المفهوم الأساسي الذي يعنيه القانون الدولي هو مجموعة نصوص الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي يصار إلى أعدادها ومناقشتها وتحليلها ومن ثم التصويت عليها وإقرارها من قبل الدول الموافقة عليها ضمن أطار الأمم المتحدة ، وتسعى تلك الاتفاقيات والمعاهدات الدولية إلى وضع قواعد ونصوص ومبادئ قانونية متطورة مع تطور العصر وتنسجم مع تطور مبادئ حقوق الإنسان في كل مجالات الحياة ومفاصلها ، لتصبح نصوصاً ملزمة تعلو على النصوص الوطنية للدول التي أقرتها ، وبالتالي تلتزم بها كنصوص وطنية ملزمة معدلة لنصوصها ، حيث تسعى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الذي يعتبر القانون الدولي من أهم عناصرها إلى تعزيز العلاقات الإنسانية بما يكفل تحقيق العدالة واحترام حقوق الإنسان ... حول هذه المفاهيم القانونية الدولية وضرورة تطبيقها في العراق التقينا بالقاضي ( هادي عزيز علي ) ليطلعنا على القوانين والاتفاقيات والمعاهدات الدولية وأهميتها في الوقت الراهن للمواطن العراقي الذي غابت عنه الثقافة القانونية نتيجة للسنين الطوال التي ابتلى بها في فترة التسلط والدكتاتورية المقيتة ...
// بداية نود أن تطلعنا على نبذة تاريخية عن المعاهدة وفقه القانون الدولي وعملية تطبيقه ؟
المعاهدة كما عرفتها المادة (2) من اتفاقية فيينا لعقد المعاهدات لسنة 1969 هي (اتفاق دولي يعقد بين دولتين أو أكثر كتابة ويخضع للقانون الدولي سواء تم في وثيقة واحدة أو أكثر وأيا كانت التسمية التي تطبق عليه) 0 وإذا أردنا الدخول في المسائل الفقهية التي تتناول وحدة القانون وثنائية القانون , فالقسم الغالب من الفقه يرى أن قواعد النظام الدولي تقيد وتحكم قواعد النظام الوطني لكون القانون الدولي هو الذي يحدد اختصاصات الدولة ويجب على الأخيرة ألا تخرج عن أطار هذه الاختصاصات , وبتعبير آخر حسبما يرون أن القانون الدولي هو القانون الأساسي الذي تعتمد عليه القوانين الداخلية , ومن أصحاب هذا الرأي ( دوجي , جورج سيل , همفري والدوك ) ومن العرب المؤيدين لذلك الدكتور عبد العزيز سرحان خاصة عندما يقول ( أن القانون الدولي يمكنه أن يلغي أو يعدل قاعدة قانونية داخلية بحكم سموه) ، ويخلص أصحاب هذا الرأي إلى القول بأن القانون الداخلي لا يمكن أن يخالف معاهدة دولية سبق أن التزمت بها الدولة , ويذهبون إلى ابعد من ذلك بالقول ( بأن المعاهدة الدولية التي تتضمن قاعدة يخالفها تشريع داخلي يكون حكم المعاهدة ناسخا لحكم القاعدة الداخلية لسمو المعاهدة الدولية على القانون الداخلي .
// في ضوء ذلك ماهو موقف القضاء الدولي من مفهوم المعاهدات ؟ وهل هناك قضايا احتكمت لتلك المعاهدات ؟
حقيقة أن القضاء الدولي قد استقر – ومنذ زمن بعيد – على علوية المعاهدات على التشريعات الوطنية , ففي القضية المعروفة بأسم (مونتيجو- 1875 ) حول النزاع الواقع بين كولومبيا المتمسكة بدستورها وبين الولايات المتحدة الأمريكية بشأن معاهدة مبرمة بين الطرفين والمعروضة في حينه على محكمة التحكيم التي أصدرت قرارها في النزاع وقد جاء في حيثيات القرار أن ( المعاهدة تسمو على الدستور ) ، وأستمر هذا المبدأ سائدا في القضاء الدولي ، كذلك النزاع الذي عرض على محكمة العدل الدولية المعروف بأسم قضية ( دانتزج الحرة ) , فقد تبين للمحكمة المذكورة أن دستور (دانتزج) يؤدي إلى التعارض مع ما التزمت به من التزامات دولية تجاه بولونيا , وقد أصدرت المحكمة المذكورة حكمها سنة 1932 المتضمن (عدم أمكان الاحتجاج بالدستور الوطني للتخلص من الالتزام أمام دولة أخرى بالأحكام المنصوص عليها في معاهدة سارية المفعول ) ، كما أن علوية المعاهدة على التشريعات الوطنية اكتسب الديمومة وترسخ التعامل فيه حتى ولو كانت النصوص القانونية الوطنية تتعلق بالنظام العام ,وهذا ما جاء في حكم محكمة العدل الدولية في القضية المعروفة بقضية حضانة الأطفال الصادر فيها حكم سنة 1958 المذكور فيها نصا ( أن المعاهدات الدولية تعلو على القانون الداخلي في حالة تعلق الأخير بالنظام العام ) ، وفي حكم آخر لمحكمة العدل الدولية بالقضية المعروفة بأسم قضية برشلونة 1970 , وكذلك حكمها الصادر سنة 1994 بشأن النزاع بين الذي نشأ بين ليبيا وتشاد بخصوص قطاع (اوزو) والذي جاء فيه ( أن الغلبة في نزاع بشأن الحدود السياسية المرسومة بموجب معاهدة يكون لها علو على القانون الوطني متى ماتعارضت نصوصه معها ) أما القضاء الدستوري المصري فقد قررت المحكمة الدستورية في الحكم المرقم 23 وفي الجلسة المؤرخة 18/3/1995 التي نصت على سمو المعاهدات الدولية على القوانين الداخلية وحتى ولو اتصلت هذه القوانين بالنظام العام 0
// من الناحية التشريعية الدستورية ماهو موقف دول العالم من المعاهدات ؟
كذلك هناك أمثلة أود الإشارة إليها من الناحية التشريعية الدستورية في دول العالم ففي هولندا نصت المادة 94 من الدستور الهولندي المعدل سنة 1983 على ( أن الإحكام القانونية النافذة في المملكة لا تطبق أذا كان تطبيقها لا يتلاءم مع أحكام المعاهدات أو قرارات المنظمات الدولية التابعة للقانون الدولي العام التي تلزم الجميع ) وهذا النص يعني أن لاحكام المعاهدة السمو على كافة النصوص القانونية الوطنية الهولندية بما في ذلك نصوص الدستور، أما في فرنسا تنص المادة (55) من دستور 1958 على ( المعاهدات أو الاتفاقيات المصادق عليها أو الموافق عليها ًاصولاً لها منذ نشرها سلطة أعلى من سلطة القوانين) ، ودستور ألمانيا الاتحادية الصادر سنة 1949 فقد نصت المادة25 منه على ( تشكل القواعد العامة في القانون الدولي جزءا لا يتجزأ من القانون الدولي , تكون له الأولوية على القوانين وتنشئ مباشرة حقوقا وموجبات بالنسبة لسكان الأراضي الفدرالية ، وفي الدستور اليوناني الصادر سنة 1975 فقد نصت المادة (28) منه على أن المعاهدات بعد التصديق عليها ودخولها حيز التنفيذ (لها قيمة أعلى من جميع الأحكام المخالفة في القانون)0 والأمر ذاته في الدستور البرتغالي الصادر سنة 1976 المادة ( منه ، الدستور المصري الصادر سنة 1970 وفي مادته المرقمة (151 ) الذي نص على أن المعاهدات بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها تكون لها قوة القانون .
// لقد أوضحت لنا موقف دول العالم من القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية .. أذن نود أن تطلعنا عن موقف التشريع العراقي من المعاهدات الدولية ؟
أن الدساتير العراقية وطيلة الحكم الوطني واضحة في موضوع المعاهدات الدولية ففي دستور 1925 تم منح الملك صلاحية عقد المعاهدات بشرط أن لا يصدقها ألا بعد موافقة مجلس الأمة عليها ( المادة السادسة والعشرون – 4) منه ، أما الدستور المؤقت لسنة 1958 فقد منح مجلس الوزراء صلاحية السلطة التشريعية بعد تصديق مجلس السيادة وان القوانين تنشر في الجريدة الرسمية وان ذلك يشمل المعاهدات ، أما الدستور المؤقت لسنة 1964 فقد منحت المادة (45) منع رئيس الجمهورية صلاحية أقرار المعاهدات والتصديق عليها ، أما الدستور المؤقت لسنة 1970 فقد خول مجلس قيادة الثورة المنحل صلاحية المصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية(المادة الثالثة والأربعون – د ) ، أما الدستور الحالي ( دستور 2005) فقد جعل من اختصاص مجلس النواب تنظيم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب (المادة 61 – رابعا ) ، ومن قراءة هذه النصوص الدستورية وعلى امتداد الحكم الوطني لغاية 2005 لم نجد في تلك النصوص ما يشيرالى علوية المعاهدات الدولية على القانون الوطني , ألا تلك النصوص تضع المعاهدة الدولية بنفس قوة القانون الوطني ما دامت آلية إبرامها وتصديقها تمر بنفس آلية تشريع القوانين الوطنية ، أما الدستور الحالي وعندما كان مشروعا وقبل أقراره فقد كانت فيه مادة برقم (44) تعطي للاتفاقيات والمعاهدات الدولية قوة النص الدستوري , أي أن المعاهدة بموجبه أعلى من نص القانون الوطني , ألا أن هذه المادة حذفت عند تشريع الدستور ، ورغم ذلك يمكن تلمس علوية المعاهدات الدولية على بعض النصوص الوطنية كما في المادة ( من الدستور الآتي تنص على (000 ويقيم علاقاته على أساس المصالح المشتركة وأتعامل بالمثل , ويبرم التزاماته الدولية , فإذا كان العراق يحترم التزاماته الدولية في الاتفاقيات التعاقدية فيكون من باب أولى احترام تلك الالتزامات في المعاهدات الدولية المشروعة من قواعد قانونية دولية آمرة ، كما ان النصوص الدستورية قد ناهضت التعذيب وقبل التصديق على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب ذلك أن هذه الاتفاقية المتعلقة بحقوق الإنسان لها العلوية على النصوص القانونية الوطنية بموجب نص دستوري .
// مادمنا في الشأن العراقي هل لك أن تحدثنا عن حقوق الإنسان في العهود والمواثيق الدولية المصادق عليها من قبل العراق ؟
ابتداء يمكن القول أن هناك عوز في الثقافة القانونية المتعلقة بحقوق الإنسان ليس لدى المواطن العادي حسب بل أن الأمر يمتد إلى الأسرة القانونية بما في ذلك الأسرة القضائية ونحاول توضيح ذلك على من خلال التطرق فعلياً إلى السلطتين التشريعية والقضائية وأود بداية الحديث عن السلطة التشريعية ... أولا – صادق العراق على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالقانون المرقم 193لسنة 1970 ونشرا في الوقائع العراقية بالعدد1927 في 7\10\ 1970, ألا أن نص العهدين لم ينشر في الوقائع العراقية بل أن ما نشر هو رقم وتاريخ القرار الصادرعن الجمعية العامة للأمم المتحدة , ولم يلحقهما النشر لكامل النص ألا سنة 1992 ضمن المجموعة التشريعية لوزارة العدل أي بعد مرور (12) سنة , مما حال دون تلقي المواطن نص العهدين باعتبارهما جزء من القانون الوطني والذي لا يفترض جهل الشخص بالقانون , كما أن الأسرة القضائية لا علم لها بنص العهدين وهو الملزم بتطبيق القانون0
والأمر ذاته بالنسبة لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ( سيداو) التي يمي المصادقة عليها بالقانون 66 لسنة 1986 ونشر رقم وتاريخ القرار الصادر عن الأمم المتحدة من دون نشر نص الاتفاقية ألا في المجموعة التشريعية سنة 1992امتد هذا التقليد الخاطئ إلى مجلس النواب المنتهية ولايته ولم يتدارك الأمر ألا في وقت متأخر استجابة لمجاميع الضغط التي طالبت بنشر نصوص ألاتفاقيات كاملة ،هذا الأمر والاجتهاد الخطير دفع مجلس القضاء الأعلى إلى تنظيم دورات لقضاة الأحوال الشخصية ومن ضمن مواد التدريب موضوع حقوق الإنسان .. ثانيا – السلطة القضائية غير مهتمة بموضوع حقوق الإنسان الواردة في العهود والاتفاقيات المصادق عليها قانونا من قبل السلطة التشريعية رغم أن المشرع اعتبرها جزء من النظام القانوني العراقي
// واختتم لقاءنا مع القاضي هادي عزيز بإعطاء نموذج حكم لمحكمة التمييز الاتحادية على النحو الأتي الحكم الأول – رفعت دعوى من قبل مسيحي أمام محكمة المواد الشخصية يطلب فيها مطاوعة زوجته له , وحيث قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل لا ينطبق على المسيحي استنادا لاحكام الدستور الحالي القائل بحرية العقيدة وعدم جواز الإكراه الديني , وحسب الآلية المتبعة في مثل هذه النزاعات فأن المحكمة تفاتح الكنيسة التي ينتسب االيها المتداعيين لبيان الرأي الشرعي الكنسي حول موضوع الدعوى ,وقد جاء جواب الكنيسة بعدم وجود مطاوعة ضمن الأحكام الشرعية لكنيستهم وان للمحكمة تطبيق القانون المدني النافذ , واستجابة لما جاء بجواب الكنيسة ولما كانت المحكمة ملزمة للفصل في النزاع فقد فتشت في كل النصوص القانونية النافذة ولم تجد ضالتها ألا في أحكام اتفاقية 0سيداو) باعتبارها قانونا وطنيا نافذ المفعول وينظم العلاقة بين الزوج وزوجته أثناء سريان عقد الزواج , وفي ضوء تلك النصوص فقد ردت المحكمة دعوى المدعي باعتباره متعسفا في طلب المطاوعة استنادا لنصوص ( سيداو) بعدها نقض الحكم المذكور بحكم محكمة التمييز الاتحادية وقد جاء في النقض ( أن الاتفاقيات والمواد الدستورية جاءت بمبادئ عامة يتوجب على المشرع مراعاتها عند سن القوانين الخاصة بالأمور التي تناولتها تلك الاتفاقيات 00) وهذا يعني أن محكمة التمييز الجليلة لا تعتبر الاتفاقية المصادق عليها قانونا وطنيا وخلافا لما استقر عليه فقه وقضاء وتشريعات العالم كافة وهذا الاجتهاد مخالف لنص القانون .
السبت يناير 21, 2017 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» قصيده بعنوان كافي
الجمعة ديسمبر 19, 2014 7:50 am من طرف عدنان المعموري
» عن لسان ام الشاعر الراحل رحيم المالكي
الأحد يوليو 06, 2014 1:52 pm من طرف عدنان المعموري
» القصيدة التي أغضبت سلاطين المنطقة الخضراء
الثلاثاء أكتوبر 02, 2012 12:44 pm من طرف عدنان المعموري
» قصة مؤثرة عن غيرة النساء
الجمعة يونيو 29, 2012 1:06 am من طرف عدنان المعموري
» أبن شقيق الجعفري يكشف تفاصيل الاعتداء عليه بالضرب من قبل أبن شقيقة المالكي وأقربائه
الأربعاء مايو 23, 2012 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب / صاحب الضويري
السبت مايو 12, 2012 12:24 am من طرف عدنان المعموري
» خانقين..الوردة البيضاء..مدينة التآخي والسلام
الخميس فبراير 16, 2012 12:16 pm من طرف حسين:خانقين
» هدية لكم جميعا..مع باقات من النرجس من على سفوح جبال كردستان
الخميس فبراير 16, 2012 5:21 am من طرف حسين:خانقين
» الأشعة..منافعها واضرارها وهذا الحديث مع طبيبة اختصاصية في م. خانقين
الخميس فبراير 16, 2012 5:06 am من طرف حسين:خانقين
» دعوة للمشاركة
الخميس أكتوبر 06, 2011 9:22 am من طرف د.مسلم بديري
» قصص قصيرة جدا
الإثنين يوليو 18, 2011 5:00 pm من طرف د.مسلم بديري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:47 am من طرف عدنان المعموري
» زعلتك صدك
الثلاثاء يونيو 21, 2011 1:22 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب /للشاعر صاحب الضويري
الإثنين يونيو 13, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» أكميله للشاعر عارف مأمون
الإثنين أبريل 04, 2011 8:17 am من طرف عدنان المعموري
» كل ساعة انذبح من عرست لليوم وكل ساعة انسحك بجدام تذكارك
الإثنين أبريل 04, 2011 8:13 am من طرف عدنان المعموري
» قراءة الواقع الثقافي في العراق
السبت مارس 12, 2011 1:13 pm من طرف قاسم المعموري
» اشعل فتيلها الكادحون والرافضون للظلم
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:05 pm من طرف قاسم المعموري