حوار مؤجل مع عبد الخالق المختار
نجوى عبدالله
تاريخ النشر 22/02/2009 06:00 AM
جلست أمامه أطلب موعداً لحوار صحافي، فأجابني عن اسئلة لم أطرحها. قال لي بصوته الهادئ وعينيه اللتين تشبهان عيني الصقر: أجرت معي صحافية حواراً ممتعاً وذهبت ولم أعد أراها، ثم اخرج من بين يديه حبة دواء صفراء ناعمة وتناولها... اليوم أعود الى حوارنا المؤجل.
ما زلت أذكر ذلك اليوم المشحون بانفعالات جمة سببها الالتقاء بأشخاص غير حقيقيين مع أنفسهم ومع الآخرين، فلجأت الى أفضل علاج وهو التجول على غير هدى، وإذا بي أدخل مقهى الروضة (المقهى الذي يلتقي فيه العراقيون ويقع في قلب العاصمة السورية) فصادفت الملحن طالب القره غولي الذي حاول التخفيف عني باسلوبه الساخر لكنه لم يوفق. لم أشأ التنكيد عليه فتذرعت بالذهاب الى المغاسل هربا من ضيق الصدر. وفي احدى زوايا المقهى لفت انتباهي شاب وسيم ذو وجه عريض يجلس قبالة الداخلين الى الصالة المكشوفة، عرفت في الحال انه الفنان عبد الخالق المختار, وكعادة الصحفيين في الاقتحام توجهت اليه لأعبر عن اعجابي الشديد بقدرته الفنية الهائلة على أداء دور الباشا رغم أني لم اشاهد من المسلسل سوى حلقات متقطعة. فكل ما يهمني كصحافية هو أداء الفنان وقدرته على تجسيد الشخصية واقناع المشاهد, والمختار أجادها كما أجاد كل الادوار التي قام بها, فهو قريب من المشاهد العراقي بابداعه وتألقه، ودور الباشا شكل امتداداً لانجازاته.
كانت المرة الاولى التي رأيت فيها المختار يوماً ممطراً من ايام العيد من نافذة مطعم، وقد لاحظ المختار ان فتاة ما من وراء الزجاج المبلل تنظر اليه بإمعان, وليس غريبا على فنان مشهور ان يحظى بعدد كبير من النظرات.
جلست طالبة موعدا لإجراء حوار صحافي، فأخذه سؤالي الى ذكرى عالقة في ذهنه، قال لي: لا أعرف لماذا كتب على الفنانين والشعراء ان يعيشوا عيشة الكفاف وحياتهم حياة الصعاليك، هل ان الابداع مرهون بالجوع والمرض والتشرد في حين أرى أنه من الضروري ان يعيش الفنان في رغد كي يبدع أكثر فاكثر وقد يكون للمسألة حكمة إلهية، لا ادري. ولفّه حزن شفاف وهو يضيف: كم أتمنى لو أحظى بالفرص القليلة من السعادة، فالنجومية أعاقت لي الكثير من الأماني البسيطة مثل أكل السندويش والمشي والتجول في الشوارع والجلوس على الأرصفة او المصاطب بكل حرية، لكن طرقاتي محسوبة كهذا المرض الذي كتب علي. آه لو تعلمين كم اشعر بالخجل والاحراج عندما أرى العطف والشفقة في نظرة الناس وانا أتلقى العلاج في المستشفى. وكم يضجرني سلوك البعض في التعبير عن حبهم مثلما حصل مع أحد الممرضين الذي صادفني في ممر المستشفى فما كان منه إلا أن شد وجنتي بقوة قائلا: كم احبك يا عبد الخالق المختار! أطرق فناننا الكبير برهة ثم نظر إليّ قائلا: من المواقف التي لا أنساها تكريمي في مهرجان القاهرة التلفزيوني، فما ان طرق سمعي ان الفائز هو أنا لم أصدق ما أسمع وحولي كل النجوم العرب الكبار وأنا كنت اصغر فنان بينهم. ومرت لحظات وتمالكت نفسي وتشجعت على النهوض بعدما رددوا اسمي مرات... إن عملي مع نجوم في مسلسل الباشا أثار إعجابهم الشديد حتى إن احمد راتب عبر عن رأيه بذلك مشيرا الى انهم استمتعوا جدا بالعمل مع طاقة فنية رائعة. غادر الباشا الى موعد ينتظره, وبقيت وحدي احسد تعاستي التي لا تقارن أمام آلام الفنان عبد الخالق المختار. غادر والخجل يعصرني. كنت أنوي ان ادعوه الى سندويش نأكله على أي رصيف أو مصطبة.
وداعا ايها النجم المرصع بالاحساس العميق والألم الدفين, شكرا لك على إجابتك عن أسئلة لم أطرحها. اجبت عنها بطريقة عفوية وشفافة وحنونة وصريحة, وكأنك تدرك أن مرضك لن يمنحنا الفرصة لإجراء الحوار الصحافي.
--------------------------------------------------------------------------------
نجوى عبدالله
نجوى عبدالله
تاريخ النشر 22/02/2009 06:00 AM
جلست أمامه أطلب موعداً لحوار صحافي، فأجابني عن اسئلة لم أطرحها. قال لي بصوته الهادئ وعينيه اللتين تشبهان عيني الصقر: أجرت معي صحافية حواراً ممتعاً وذهبت ولم أعد أراها، ثم اخرج من بين يديه حبة دواء صفراء ناعمة وتناولها... اليوم أعود الى حوارنا المؤجل.
ما زلت أذكر ذلك اليوم المشحون بانفعالات جمة سببها الالتقاء بأشخاص غير حقيقيين مع أنفسهم ومع الآخرين، فلجأت الى أفضل علاج وهو التجول على غير هدى، وإذا بي أدخل مقهى الروضة (المقهى الذي يلتقي فيه العراقيون ويقع في قلب العاصمة السورية) فصادفت الملحن طالب القره غولي الذي حاول التخفيف عني باسلوبه الساخر لكنه لم يوفق. لم أشأ التنكيد عليه فتذرعت بالذهاب الى المغاسل هربا من ضيق الصدر. وفي احدى زوايا المقهى لفت انتباهي شاب وسيم ذو وجه عريض يجلس قبالة الداخلين الى الصالة المكشوفة، عرفت في الحال انه الفنان عبد الخالق المختار, وكعادة الصحفيين في الاقتحام توجهت اليه لأعبر عن اعجابي الشديد بقدرته الفنية الهائلة على أداء دور الباشا رغم أني لم اشاهد من المسلسل سوى حلقات متقطعة. فكل ما يهمني كصحافية هو أداء الفنان وقدرته على تجسيد الشخصية واقناع المشاهد, والمختار أجادها كما أجاد كل الادوار التي قام بها, فهو قريب من المشاهد العراقي بابداعه وتألقه، ودور الباشا شكل امتداداً لانجازاته.
كانت المرة الاولى التي رأيت فيها المختار يوماً ممطراً من ايام العيد من نافذة مطعم، وقد لاحظ المختار ان فتاة ما من وراء الزجاج المبلل تنظر اليه بإمعان, وليس غريبا على فنان مشهور ان يحظى بعدد كبير من النظرات.
جلست طالبة موعدا لإجراء حوار صحافي، فأخذه سؤالي الى ذكرى عالقة في ذهنه، قال لي: لا أعرف لماذا كتب على الفنانين والشعراء ان يعيشوا عيشة الكفاف وحياتهم حياة الصعاليك، هل ان الابداع مرهون بالجوع والمرض والتشرد في حين أرى أنه من الضروري ان يعيش الفنان في رغد كي يبدع أكثر فاكثر وقد يكون للمسألة حكمة إلهية، لا ادري. ولفّه حزن شفاف وهو يضيف: كم أتمنى لو أحظى بالفرص القليلة من السعادة، فالنجومية أعاقت لي الكثير من الأماني البسيطة مثل أكل السندويش والمشي والتجول في الشوارع والجلوس على الأرصفة او المصاطب بكل حرية، لكن طرقاتي محسوبة كهذا المرض الذي كتب علي. آه لو تعلمين كم اشعر بالخجل والاحراج عندما أرى العطف والشفقة في نظرة الناس وانا أتلقى العلاج في المستشفى. وكم يضجرني سلوك البعض في التعبير عن حبهم مثلما حصل مع أحد الممرضين الذي صادفني في ممر المستشفى فما كان منه إلا أن شد وجنتي بقوة قائلا: كم احبك يا عبد الخالق المختار! أطرق فناننا الكبير برهة ثم نظر إليّ قائلا: من المواقف التي لا أنساها تكريمي في مهرجان القاهرة التلفزيوني، فما ان طرق سمعي ان الفائز هو أنا لم أصدق ما أسمع وحولي كل النجوم العرب الكبار وأنا كنت اصغر فنان بينهم. ومرت لحظات وتمالكت نفسي وتشجعت على النهوض بعدما رددوا اسمي مرات... إن عملي مع نجوم في مسلسل الباشا أثار إعجابهم الشديد حتى إن احمد راتب عبر عن رأيه بذلك مشيرا الى انهم استمتعوا جدا بالعمل مع طاقة فنية رائعة. غادر الباشا الى موعد ينتظره, وبقيت وحدي احسد تعاستي التي لا تقارن أمام آلام الفنان عبد الخالق المختار. غادر والخجل يعصرني. كنت أنوي ان ادعوه الى سندويش نأكله على أي رصيف أو مصطبة.
وداعا ايها النجم المرصع بالاحساس العميق والألم الدفين, شكرا لك على إجابتك عن أسئلة لم أطرحها. اجبت عنها بطريقة عفوية وشفافة وحنونة وصريحة, وكأنك تدرك أن مرضك لن يمنحنا الفرصة لإجراء الحوار الصحافي.
--------------------------------------------------------------------------------
نجوى عبدالله
السبت يناير 21, 2017 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» قصيده بعنوان كافي
الجمعة ديسمبر 19, 2014 7:50 am من طرف عدنان المعموري
» عن لسان ام الشاعر الراحل رحيم المالكي
الأحد يوليو 06, 2014 1:52 pm من طرف عدنان المعموري
» القصيدة التي أغضبت سلاطين المنطقة الخضراء
الثلاثاء أكتوبر 02, 2012 12:44 pm من طرف عدنان المعموري
» قصة مؤثرة عن غيرة النساء
الجمعة يونيو 29, 2012 1:06 am من طرف عدنان المعموري
» أبن شقيق الجعفري يكشف تفاصيل الاعتداء عليه بالضرب من قبل أبن شقيقة المالكي وأقربائه
الأربعاء مايو 23, 2012 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب / صاحب الضويري
السبت مايو 12, 2012 12:24 am من طرف عدنان المعموري
» خانقين..الوردة البيضاء..مدينة التآخي والسلام
الخميس فبراير 16, 2012 12:16 pm من طرف حسين:خانقين
» هدية لكم جميعا..مع باقات من النرجس من على سفوح جبال كردستان
الخميس فبراير 16, 2012 5:21 am من طرف حسين:خانقين
» الأشعة..منافعها واضرارها وهذا الحديث مع طبيبة اختصاصية في م. خانقين
الخميس فبراير 16, 2012 5:06 am من طرف حسين:خانقين
» دعوة للمشاركة
الخميس أكتوبر 06, 2011 9:22 am من طرف د.مسلم بديري
» قصص قصيرة جدا
الإثنين يوليو 18, 2011 5:00 pm من طرف د.مسلم بديري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:47 am من طرف عدنان المعموري
» زعلتك صدك
الثلاثاء يونيو 21, 2011 1:22 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب /للشاعر صاحب الضويري
الإثنين يونيو 13, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» أكميله للشاعر عارف مأمون
الإثنين أبريل 04, 2011 8:17 am من طرف عدنان المعموري
» كل ساعة انذبح من عرست لليوم وكل ساعة انسحك بجدام تذكارك
الإثنين أبريل 04, 2011 8:13 am من طرف عدنان المعموري
» قراءة الواقع الثقافي في العراق
السبت مارس 12, 2011 1:13 pm من طرف قاسم المعموري
» اشعل فتيلها الكادحون والرافضون للظلم
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:05 pm من طرف قاسم المعموري