صالح جواد الطعمة*
تعود صلتي بالشاعرة المبدعة إلى أيام تلمذتنا السعيدة في دار المعلمين العالية في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي حين كنت في السنة الأولى وكانت تسبقني بسنتين (قلتها و أقولها بلا تردد: كانت أياما سعيدة... سعيدة جدا مقارنة بما يعانيه العراق اليوم)... أتذكر جيدا ما كان يربطني بها وبالمرحوم الشاعر الفذ بدر شاكر السياب من أواصر الزمالة والهموم الأدبية المشتركة وماكان لي من دور عابر وسيطا بينهما...
وتمر الأيام وإذا بنا نلتقي مرة أخرى في مغترب واحد أتاح لي متابعة ما تنشر والتعريف ببعض قصائدها حول محن العراق المتتابعة.
لن أنسى قط قصائدها في حب العراق، وشعرها الرثائي تندب فيه بغداد، البصرة، العمارة، أبناء العراق الأبرياء، نخيل العراق، معالمه الحضارية، ضحايا حرب بربرية وحصار لا يقل عنها بربرية...
أتذكر جيدا تلميحاتها إلى شعارات "الإخاء العربي" و التمدن الغربي":
" أريقت دمانا
فهل سلم الشرف العربي الرفيع؟
أي عصر نحن فيه
أكان عصر الجاهلية؟
عار على وجه التمدن ما جرى في العامرية"
وأعرف جيدا اعتزازها العراقي العميق الجذور:
"بلادي ويملأني الزهو أني لها أنتمي و بها أتباهى
لأن العراقة معنى العراق....."
وأعرف جيدا إباءها الأسطوري وإن شاءت الظروف أن يخُذل وهي في المغترب الأمريكي:
"فرسا جموحا كنت لم أعثر ولم يسهل قيادي
بي من شموخ النخل والكرم المؤصل في بلادي
كان اعتزازي أن أجوع ولا أطاطىء كالنخيل
أنسيت يوما كبريائي حين ضيعني دليلي
فإذا يدي تمتد للصدقات
يرميها الذي قتل الحضارة للقتيل"
أعرف جيدا كيف شغلت ولا تزال تشغل اهتمام الآلاف من المعجبين والمعجبات بها في أرجاء الوطن العربي ومنافي العراقيين الغربية، وأعرف ما يطلق عليها إعجابا من أوصاف أو تسميات: "نخلة العراق السامقة"... "قيثارة النهرين"... "أميرة العشق و العذوبة"... "النجمة المتألقة في تاريخ الشعر العراقي"، وغيرها من التسميات أو مظاهر التكريم: حفلات هنا وهناك... أوسمة... دروع.
كنت أعرف ذلك كله وغيره، ولكن لم أكن أعرف إلا قبل أيام، وكنت في الحقيقة أؤثر ألا أعرف كيف تعيش في مغتربها وهي على وشك أن تحتفل بعيد ميلادها الثمانين.
لم أصدق أنها تحيا على ضمان اجتماعي أمريكي محدود، وأنها محرومة من حقها في ضمان وطنها الاول.
كيف تحرم من دخل تقاعدها العراقي الذي تستحقه كغيرها ممن أكمل المدة القانونية في خدمة العراق؟ دع عنك أنها تستحق موردا عراقيا بحكم إسهامها الإبداعي سنوات طويلة في خدمة العراق وتراثه الأدبي.
أليس من نكد الدنيا، ومن المفارقات المأساوية، أن تحرم من حقها في تقاعدها العراقي وتعيش على مورد مغتربها الضئيل الذي لايتناسب و متطلبات حياتها اليومية؟
ثم أجد نفسي مضطرا إلى تساؤل آخر: أمن العدل أو المنطق أن أتوقع من عراق اليوم قرارا عادلا وعاجلا بشأن حق شاعرة العراق في رواتب تقاعدها؟ ومرد هذا التساؤل أسباب كثيرة تمس العراق أخجل حتى من التنويه بها.
وبالرغم من ذلك، أراني مضطرا إلى التساؤل مرة أخرى: أي عدل أن تحرم شاعرة العراق الأولى من حقها المشروع؟ ومن المسؤول عن التمادي في حرمانها من هذا الحق؟
وأخيرا: أمن العبث أن نتوقع لهذا التساؤل صدى ايجابيا لدى المسؤولين؟
* صالح جواد الطعمة أستاذ في جامعة إنديانا
تعود صلتي بالشاعرة المبدعة إلى أيام تلمذتنا السعيدة في دار المعلمين العالية في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي حين كنت في السنة الأولى وكانت تسبقني بسنتين (قلتها و أقولها بلا تردد: كانت أياما سعيدة... سعيدة جدا مقارنة بما يعانيه العراق اليوم)... أتذكر جيدا ما كان يربطني بها وبالمرحوم الشاعر الفذ بدر شاكر السياب من أواصر الزمالة والهموم الأدبية المشتركة وماكان لي من دور عابر وسيطا بينهما...
وتمر الأيام وإذا بنا نلتقي مرة أخرى في مغترب واحد أتاح لي متابعة ما تنشر والتعريف ببعض قصائدها حول محن العراق المتتابعة.
لن أنسى قط قصائدها في حب العراق، وشعرها الرثائي تندب فيه بغداد، البصرة، العمارة، أبناء العراق الأبرياء، نخيل العراق، معالمه الحضارية، ضحايا حرب بربرية وحصار لا يقل عنها بربرية...
أتذكر جيدا تلميحاتها إلى شعارات "الإخاء العربي" و التمدن الغربي":
" أريقت دمانا
فهل سلم الشرف العربي الرفيع؟
أي عصر نحن فيه
أكان عصر الجاهلية؟
عار على وجه التمدن ما جرى في العامرية"
وأعرف جيدا اعتزازها العراقي العميق الجذور:
"بلادي ويملأني الزهو أني لها أنتمي و بها أتباهى
لأن العراقة معنى العراق....."
وأعرف جيدا إباءها الأسطوري وإن شاءت الظروف أن يخُذل وهي في المغترب الأمريكي:
"فرسا جموحا كنت لم أعثر ولم يسهل قيادي
بي من شموخ النخل والكرم المؤصل في بلادي
كان اعتزازي أن أجوع ولا أطاطىء كالنخيل
أنسيت يوما كبريائي حين ضيعني دليلي
فإذا يدي تمتد للصدقات
يرميها الذي قتل الحضارة للقتيل"
أعرف جيدا كيف شغلت ولا تزال تشغل اهتمام الآلاف من المعجبين والمعجبات بها في أرجاء الوطن العربي ومنافي العراقيين الغربية، وأعرف ما يطلق عليها إعجابا من أوصاف أو تسميات: "نخلة العراق السامقة"... "قيثارة النهرين"... "أميرة العشق و العذوبة"... "النجمة المتألقة في تاريخ الشعر العراقي"، وغيرها من التسميات أو مظاهر التكريم: حفلات هنا وهناك... أوسمة... دروع.
كنت أعرف ذلك كله وغيره، ولكن لم أكن أعرف إلا قبل أيام، وكنت في الحقيقة أؤثر ألا أعرف كيف تعيش في مغتربها وهي على وشك أن تحتفل بعيد ميلادها الثمانين.
لم أصدق أنها تحيا على ضمان اجتماعي أمريكي محدود، وأنها محرومة من حقها في ضمان وطنها الاول.
كيف تحرم من دخل تقاعدها العراقي الذي تستحقه كغيرها ممن أكمل المدة القانونية في خدمة العراق؟ دع عنك أنها تستحق موردا عراقيا بحكم إسهامها الإبداعي سنوات طويلة في خدمة العراق وتراثه الأدبي.
أليس من نكد الدنيا، ومن المفارقات المأساوية، أن تحرم من حقها في تقاعدها العراقي وتعيش على مورد مغتربها الضئيل الذي لايتناسب و متطلبات حياتها اليومية؟
ثم أجد نفسي مضطرا إلى تساؤل آخر: أمن العدل أو المنطق أن أتوقع من عراق اليوم قرارا عادلا وعاجلا بشأن حق شاعرة العراق في رواتب تقاعدها؟ ومرد هذا التساؤل أسباب كثيرة تمس العراق أخجل حتى من التنويه بها.
وبالرغم من ذلك، أراني مضطرا إلى التساؤل مرة أخرى: أي عدل أن تحرم شاعرة العراق الأولى من حقها المشروع؟ ومن المسؤول عن التمادي في حرمانها من هذا الحق؟
وأخيرا: أمن العبث أن نتوقع لهذا التساؤل صدى ايجابيا لدى المسؤولين؟
* صالح جواد الطعمة أستاذ في جامعة إنديانا
السبت يناير 21, 2017 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» قصيده بعنوان كافي
الجمعة ديسمبر 19, 2014 7:50 am من طرف عدنان المعموري
» عن لسان ام الشاعر الراحل رحيم المالكي
الأحد يوليو 06, 2014 1:52 pm من طرف عدنان المعموري
» القصيدة التي أغضبت سلاطين المنطقة الخضراء
الثلاثاء أكتوبر 02, 2012 12:44 pm من طرف عدنان المعموري
» قصة مؤثرة عن غيرة النساء
الجمعة يونيو 29, 2012 1:06 am من طرف عدنان المعموري
» أبن شقيق الجعفري يكشف تفاصيل الاعتداء عليه بالضرب من قبل أبن شقيقة المالكي وأقربائه
الأربعاء مايو 23, 2012 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب / صاحب الضويري
السبت مايو 12, 2012 12:24 am من طرف عدنان المعموري
» خانقين..الوردة البيضاء..مدينة التآخي والسلام
الخميس فبراير 16, 2012 12:16 pm من طرف حسين:خانقين
» هدية لكم جميعا..مع باقات من النرجس من على سفوح جبال كردستان
الخميس فبراير 16, 2012 5:21 am من طرف حسين:خانقين
» الأشعة..منافعها واضرارها وهذا الحديث مع طبيبة اختصاصية في م. خانقين
الخميس فبراير 16, 2012 5:06 am من طرف حسين:خانقين
» دعوة للمشاركة
الخميس أكتوبر 06, 2011 9:22 am من طرف د.مسلم بديري
» قصص قصيرة جدا
الإثنين يوليو 18, 2011 5:00 pm من طرف د.مسلم بديري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:47 am من طرف عدنان المعموري
» زعلتك صدك
الثلاثاء يونيو 21, 2011 1:22 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب /للشاعر صاحب الضويري
الإثنين يونيو 13, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» أكميله للشاعر عارف مأمون
الإثنين أبريل 04, 2011 8:17 am من طرف عدنان المعموري
» كل ساعة انذبح من عرست لليوم وكل ساعة انسحك بجدام تذكارك
الإثنين أبريل 04, 2011 8:13 am من طرف عدنان المعموري
» قراءة الواقع الثقافي في العراق
السبت مارس 12, 2011 1:13 pm من طرف قاسم المعموري
» اشعل فتيلها الكادحون والرافضون للظلم
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:05 pm من طرف قاسم المعموري