"خديعة الانسحاب من العراق على مراحل"
يحيى اليحياوي
في يوم الثلاثين من يونيو الماضي, يونيو العام 2009, أكملت القوات الأمريكية المتواجدة بالعراق منذ العام 2003, أكملت انسحابها من وسط وداخل المدن العراقية, بأفق "الانسحاب التام" بحلول العام 2011...أو هكذا يقال ويزعم.
هو إجراء تقني صرف, لا يتعدى في شكله كما في مضمونه, عملية إعادة في الانتشار لقوات مسلحة كانت بداخل المدن, فإذا بها تنتقل إلى محيطها وتخومها المباشرة, من بين ظهراني قواعد محصنة, للأمريكان بداخلها سلطة الأمر والنهي, مادامت ملكهم بمنطوق العرف الجاري, كما بمنطوق القوانين المنظمة لذلك, أعني القوانين السارية على القواعد العسكرية الأجنبية المتواجدة هنا وهناك بأرجاء العالم.
وهي عملية شكلية بالأساس, مادامت القوات المتواجدة بداخل هذه القواعد قادرة على ولوج المدن من جديد, بسبب موضوعي أو دونما سبب يذكر, اللهم إلا ربما رغبة قد تكون جامحة في ابتزاز جهة ما, أو حبا طائشا في استعراض القوة من جديد, أو بغرض بعث رسائل محددة لهاته الجهة كما لتلك, قد يكون مفاد إحداها القول بأن الأمريكان لا يزالوا ببلاد الرافدين, لا رادع لحركتهم أو مقلصا من سلوكهم, حتى وإن بدوا مرابطين بقواعد بعيدة.
وهي, فضلا عن ذلك, عملية محكومة بحسابات سياسية خالصة, ليس فقط بمنطوق ما تعهد به الرئيس الأمريكي باراك أوباما, ولكن أيضا (دع عنك موازين الربح والخسارة الماديين) بمنطوق "الاتفاقية الأمنية", التي وقعتها الإدارة الأمريكية السابقة, وباتت المقنن الأساس للتواجد الأمريكي بالعراق.
بكل زوايا الرؤية والنظر إذن, يبدو أنه ليس ثمة انسحابا حقيقيا من العراق من لدن الأمريكان, بل مجرد إعادة التموقع للقوات الأمريكية بإطار قواعد عسكرية رسمية هذه المرة, بعدما كانت ذات القوات مرابطة, من ذي قبل, بداخل المدن, بأبنية ونقط جغرافية متعددة ومشتتة.
ومع ذلك, أو على الرغم منه, فقد اعتبر الأمريكان ذلك "نصرا باهرا", فيما اعتبرته "الحكومة العراقية", ومن يدور في فلكها من أحزاب وطوائف وملل ونحل, اعتبروها جميعا, مكسبا "تاريخيا", بدليل اعتبار يوم الثلاثين من يونيو يوم "استكمال السيادة", واعتماد ذات اليوم من كل سنة يوما وطنيا, تماما كما اعتمدوا يوم التاسع من أبريل (يوم دخول القوات الأمريكية العاصمة بغداد) "يوم التحرير".
قد لا يتعب المرء كثيرا في استدعاء الدواعي لذات الانسحاب, ولا في إيجاد المسوغات, الذاتية منها تحديدا, التي ثوت خلف "نشوة الانتصار", التي أبداها هذا الطرف كما ذاك. فالأمريكان دفعوا بمبرر احترام بنود الاتفاقية الأمنية, والالتزامات التي قطعها الرئيس أوباما بنيته "ترك" بلاد الرافدين تماما, بغرض تركيز كل الجهد على أفغانستان, ودفعوا أيضا ب"تحسن" الوضع الأمني, الذي, إن تدهور أو تقوض أو تراجع منسوبه, فإنه بمقدورهم معاودة التدخل, لأجل "إسناد" الحكومة في استعادته وتعضيده.
أما "الحكومة العراقية", فتدفع بمسوغ "قدرتها" على ضمان الأمن, وب"جهوزية" جيشها وقواها للحفاظ عليه بداخل المدن, حتى وإن تطلب منها الأمر, بين الفينة والأخرى, فرض حالة الطوارئ, أو اللجوء إلى العنف الخشن لاسترداده بهذه النقطة المضطربة أو تلك.
قد يكون ثمة بعض من الحقيقة والصواب في هذا الطرح كما في ذاك, إذ الانسحاب من المدن إنما هو حقا إعمال حرفي لبنود الاتفاقية الأمنية, ولوعود الرئيس أوباما في حملته الانتخابية, كما أن ذات الانسحاب هو ثمرة "تحسن" في الوضع الأمني, سيما بالمناطق السنية حيث كان للصحوات دور فعال في ذلك... كل ذلك مع استحضار حقيقة أن عودة الأمريكان لقلب المدن, هو أمر وارد, إما من تلقاء نفسها, أو بطلب من "الحكومة العراقية".
ليس لدينا أدنى تمنع في أن ينسحب الأمريكان من المدن (حتى وإن تحصنوا بقواعدهم في أطرافها وحواشيها), فقد تسببوا في استفزاز ساكني ذات المدن, بعدما أمعنوا في إيذاء أهلها. وليس لدينا أدنى ممانعة في أن يستتب الأمن بداخل هذه المدن, إذ ضحايا العنف هم بالبداية وبالمحصلة, مواطنون أبرياء, مسالمون, أرهقتهم سنون الحصار الظالم, فما بالك بسنوات الاحتلال المرة. ليس لدينا كثير تحفظ على ذلك, بقدر تحفظنا على اعتبار ذات الانسحاب مدخلا "للانسحاب الكامل والشامل" للقوات الأمريكية من بلاد الرافدين, وتسليم السيادة كاملة شاملة للعراقيين.
إن الأمريكان, وإن "انسحبوا" من أسابيع قليلة ماضية, من المدن العراقية, فلن ينسحبوا بأفق العام 2011 من العراق إلا بشروط, تبدو لنا أقرب إلى إعادة الاحتلال, منها إلى ضمان الاستقلال, فما بالك بتحصيل السيادة, أو بعضا منها:
+ إن الأمريكان لن يرحلوا عن العراق, إلا بعدما يضمنوا لهم قواعد عسكرية بكل مناطقه وجهاته. ولن يتركوه إلا بعدما يكون لذوات القواعد القول/الفصل في حاضر العراق (والمنطقة) كما في مستقبله ومستقبلها...وبكل الأحوال فالأمريكان لم يأتوا للعراق ليخرجوا منه دون ضمانات محددة وثابتة.
+ والأمريكان لن يرحلوا عن العراق إلا بترتيبات سياسية, تشرعن لهم التواجد ببلاد الرافدين, كما بالمنطقة, وتجعل منهم عنصرا في المعادلة لا يمكن التجاوز عليها, أو الالتفاف عليه, تحت هذا المسوغ أو ذاك, حتى وإن كان مسوغ السيادة ذاته.
لا يروم التلميح هنا إلى الحاجة العضوية للأمريكان من لدن حكومات على طراز ما أقاموه بالعراق, بل وأيضا إلى الكيانات الطفيلية التي لن يكتب لها الوجود (حال الأكراد حصرا) إلا والأمريكان بجانبهم.
إن الذي من شأنه أن يفسد كل هذه الحسابات, ويعطي مفهوم السيادة كامل مضمونه وأبهى تجلياته, ويقطع الحبل الذي أقامه الأمريكان مع عملاء لهم, استقدموهم معهم بالعام 2003, إنما هي المقاومة العراقية. هي التي ستحسم كل هذه المساجلات المجانية بقولها الثابت: لا تحرير ولا سيادة بدون خروج آخر جندي أمريكي من بلاد الرافدين.
تحية للمقاومة العراقية من المغرب, هنا بأقصى الوطن العربي.
يحيى اليحياوي
باحث وأكاديمي من المغرب
يحيى اليحياوي
في يوم الثلاثين من يونيو الماضي, يونيو العام 2009, أكملت القوات الأمريكية المتواجدة بالعراق منذ العام 2003, أكملت انسحابها من وسط وداخل المدن العراقية, بأفق "الانسحاب التام" بحلول العام 2011...أو هكذا يقال ويزعم.
هو إجراء تقني صرف, لا يتعدى في شكله كما في مضمونه, عملية إعادة في الانتشار لقوات مسلحة كانت بداخل المدن, فإذا بها تنتقل إلى محيطها وتخومها المباشرة, من بين ظهراني قواعد محصنة, للأمريكان بداخلها سلطة الأمر والنهي, مادامت ملكهم بمنطوق العرف الجاري, كما بمنطوق القوانين المنظمة لذلك, أعني القوانين السارية على القواعد العسكرية الأجنبية المتواجدة هنا وهناك بأرجاء العالم.
وهي عملية شكلية بالأساس, مادامت القوات المتواجدة بداخل هذه القواعد قادرة على ولوج المدن من جديد, بسبب موضوعي أو دونما سبب يذكر, اللهم إلا ربما رغبة قد تكون جامحة في ابتزاز جهة ما, أو حبا طائشا في استعراض القوة من جديد, أو بغرض بعث رسائل محددة لهاته الجهة كما لتلك, قد يكون مفاد إحداها القول بأن الأمريكان لا يزالوا ببلاد الرافدين, لا رادع لحركتهم أو مقلصا من سلوكهم, حتى وإن بدوا مرابطين بقواعد بعيدة.
وهي, فضلا عن ذلك, عملية محكومة بحسابات سياسية خالصة, ليس فقط بمنطوق ما تعهد به الرئيس الأمريكي باراك أوباما, ولكن أيضا (دع عنك موازين الربح والخسارة الماديين) بمنطوق "الاتفاقية الأمنية", التي وقعتها الإدارة الأمريكية السابقة, وباتت المقنن الأساس للتواجد الأمريكي بالعراق.
بكل زوايا الرؤية والنظر إذن, يبدو أنه ليس ثمة انسحابا حقيقيا من العراق من لدن الأمريكان, بل مجرد إعادة التموقع للقوات الأمريكية بإطار قواعد عسكرية رسمية هذه المرة, بعدما كانت ذات القوات مرابطة, من ذي قبل, بداخل المدن, بأبنية ونقط جغرافية متعددة ومشتتة.
ومع ذلك, أو على الرغم منه, فقد اعتبر الأمريكان ذلك "نصرا باهرا", فيما اعتبرته "الحكومة العراقية", ومن يدور في فلكها من أحزاب وطوائف وملل ونحل, اعتبروها جميعا, مكسبا "تاريخيا", بدليل اعتبار يوم الثلاثين من يونيو يوم "استكمال السيادة", واعتماد ذات اليوم من كل سنة يوما وطنيا, تماما كما اعتمدوا يوم التاسع من أبريل (يوم دخول القوات الأمريكية العاصمة بغداد) "يوم التحرير".
قد لا يتعب المرء كثيرا في استدعاء الدواعي لذات الانسحاب, ولا في إيجاد المسوغات, الذاتية منها تحديدا, التي ثوت خلف "نشوة الانتصار", التي أبداها هذا الطرف كما ذاك. فالأمريكان دفعوا بمبرر احترام بنود الاتفاقية الأمنية, والالتزامات التي قطعها الرئيس أوباما بنيته "ترك" بلاد الرافدين تماما, بغرض تركيز كل الجهد على أفغانستان, ودفعوا أيضا ب"تحسن" الوضع الأمني, الذي, إن تدهور أو تقوض أو تراجع منسوبه, فإنه بمقدورهم معاودة التدخل, لأجل "إسناد" الحكومة في استعادته وتعضيده.
أما "الحكومة العراقية", فتدفع بمسوغ "قدرتها" على ضمان الأمن, وب"جهوزية" جيشها وقواها للحفاظ عليه بداخل المدن, حتى وإن تطلب منها الأمر, بين الفينة والأخرى, فرض حالة الطوارئ, أو اللجوء إلى العنف الخشن لاسترداده بهذه النقطة المضطربة أو تلك.
قد يكون ثمة بعض من الحقيقة والصواب في هذا الطرح كما في ذاك, إذ الانسحاب من المدن إنما هو حقا إعمال حرفي لبنود الاتفاقية الأمنية, ولوعود الرئيس أوباما في حملته الانتخابية, كما أن ذات الانسحاب هو ثمرة "تحسن" في الوضع الأمني, سيما بالمناطق السنية حيث كان للصحوات دور فعال في ذلك... كل ذلك مع استحضار حقيقة أن عودة الأمريكان لقلب المدن, هو أمر وارد, إما من تلقاء نفسها, أو بطلب من "الحكومة العراقية".
ليس لدينا أدنى تمنع في أن ينسحب الأمريكان من المدن (حتى وإن تحصنوا بقواعدهم في أطرافها وحواشيها), فقد تسببوا في استفزاز ساكني ذات المدن, بعدما أمعنوا في إيذاء أهلها. وليس لدينا أدنى ممانعة في أن يستتب الأمن بداخل هذه المدن, إذ ضحايا العنف هم بالبداية وبالمحصلة, مواطنون أبرياء, مسالمون, أرهقتهم سنون الحصار الظالم, فما بالك بسنوات الاحتلال المرة. ليس لدينا كثير تحفظ على ذلك, بقدر تحفظنا على اعتبار ذات الانسحاب مدخلا "للانسحاب الكامل والشامل" للقوات الأمريكية من بلاد الرافدين, وتسليم السيادة كاملة شاملة للعراقيين.
إن الأمريكان, وإن "انسحبوا" من أسابيع قليلة ماضية, من المدن العراقية, فلن ينسحبوا بأفق العام 2011 من العراق إلا بشروط, تبدو لنا أقرب إلى إعادة الاحتلال, منها إلى ضمان الاستقلال, فما بالك بتحصيل السيادة, أو بعضا منها:
+ إن الأمريكان لن يرحلوا عن العراق, إلا بعدما يضمنوا لهم قواعد عسكرية بكل مناطقه وجهاته. ولن يتركوه إلا بعدما يكون لذوات القواعد القول/الفصل في حاضر العراق (والمنطقة) كما في مستقبله ومستقبلها...وبكل الأحوال فالأمريكان لم يأتوا للعراق ليخرجوا منه دون ضمانات محددة وثابتة.
+ والأمريكان لن يرحلوا عن العراق إلا بترتيبات سياسية, تشرعن لهم التواجد ببلاد الرافدين, كما بالمنطقة, وتجعل منهم عنصرا في المعادلة لا يمكن التجاوز عليها, أو الالتفاف عليه, تحت هذا المسوغ أو ذاك, حتى وإن كان مسوغ السيادة ذاته.
لا يروم التلميح هنا إلى الحاجة العضوية للأمريكان من لدن حكومات على طراز ما أقاموه بالعراق, بل وأيضا إلى الكيانات الطفيلية التي لن يكتب لها الوجود (حال الأكراد حصرا) إلا والأمريكان بجانبهم.
إن الذي من شأنه أن يفسد كل هذه الحسابات, ويعطي مفهوم السيادة كامل مضمونه وأبهى تجلياته, ويقطع الحبل الذي أقامه الأمريكان مع عملاء لهم, استقدموهم معهم بالعام 2003, إنما هي المقاومة العراقية. هي التي ستحسم كل هذه المساجلات المجانية بقولها الثابت: لا تحرير ولا سيادة بدون خروج آخر جندي أمريكي من بلاد الرافدين.
تحية للمقاومة العراقية من المغرب, هنا بأقصى الوطن العربي.
يحيى اليحياوي
باحث وأكاديمي من المغرب
السبت يناير 21, 2017 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» قصيده بعنوان كافي
الجمعة ديسمبر 19, 2014 7:50 am من طرف عدنان المعموري
» عن لسان ام الشاعر الراحل رحيم المالكي
الأحد يوليو 06, 2014 1:52 pm من طرف عدنان المعموري
» القصيدة التي أغضبت سلاطين المنطقة الخضراء
الثلاثاء أكتوبر 02, 2012 12:44 pm من طرف عدنان المعموري
» قصة مؤثرة عن غيرة النساء
الجمعة يونيو 29, 2012 1:06 am من طرف عدنان المعموري
» أبن شقيق الجعفري يكشف تفاصيل الاعتداء عليه بالضرب من قبل أبن شقيقة المالكي وأقربائه
الأربعاء مايو 23, 2012 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب / صاحب الضويري
السبت مايو 12, 2012 12:24 am من طرف عدنان المعموري
» خانقين..الوردة البيضاء..مدينة التآخي والسلام
الخميس فبراير 16, 2012 12:16 pm من طرف حسين:خانقين
» هدية لكم جميعا..مع باقات من النرجس من على سفوح جبال كردستان
الخميس فبراير 16, 2012 5:21 am من طرف حسين:خانقين
» الأشعة..منافعها واضرارها وهذا الحديث مع طبيبة اختصاصية في م. خانقين
الخميس فبراير 16, 2012 5:06 am من طرف حسين:خانقين
» دعوة للمشاركة
الخميس أكتوبر 06, 2011 9:22 am من طرف د.مسلم بديري
» قصص قصيرة جدا
الإثنين يوليو 18, 2011 5:00 pm من طرف د.مسلم بديري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:47 am من طرف عدنان المعموري
» زعلتك صدك
الثلاثاء يونيو 21, 2011 1:22 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب /للشاعر صاحب الضويري
الإثنين يونيو 13, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» أكميله للشاعر عارف مأمون
الإثنين أبريل 04, 2011 8:17 am من طرف عدنان المعموري
» كل ساعة انذبح من عرست لليوم وكل ساعة انسحك بجدام تذكارك
الإثنين أبريل 04, 2011 8:13 am من طرف عدنان المعموري
» قراءة الواقع الثقافي في العراق
السبت مارس 12, 2011 1:13 pm من طرف قاسم المعموري
» اشعل فتيلها الكادحون والرافضون للظلم
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:05 pm من طرف قاسم المعموري