القسم الثاني من القراءة
أما القسم الثاني في القصيدة ،يتغير فيه عنصر الزمن : " تثاءب المساء " ، زمن يؤدي به الشاعر معنى الحزن و يتدرج بنا عن طريق التداعي ، فيصلنا صوت الشاعر من أعماق الذكرى المنبثقة من طبقة الوعي السفلي ،و تحتل تداعيات الشاعر المنبثقة من ذاكرة الطفولة حيزا مهما في سلسلة التداعيات و تصدر عنها أغلب الومضات الواقعية النابعة من الماضي ، ويتقابل القسم الثاني مع القسم الأول ، فالطفولة فيه تنشد الفرح ، و في الثاني يتكثف معنى الحزن عن طريق ذكرى الموت ، كما أن الذاكرة لا تبني أحداثا منسقة في الزمان حسب مسار منطقي ، إنما تصدر من مخزون الألم و الحرمان .
و في هذا القسم ربط الشاعر بين الجو الممطر الموحي بالكآبة و بين كآبة الطفل اليتيم و عمق حزنه بسؤاله ، وهنا يضمن الشاعر الخطاب الشعري مضمونا قصصيا : قصة يتمه واصطدامه بالموت ، كما صور الشاعر معاملة الكبار للصغار في قضية الموت فهم لا يصرحون بها و لو همسا ، و يضمن الشاعر قصة الصياد الحزين الذي يلعن المياه و المطر ليضيف مأساة جديدة دون أن يصرح بها فنفهم أن المطر تحولت إلى مصدر شقاء بعد أن كانت مصدر سعادة
و يتدرج الشاعر في رسم علامات الحزن في الوجود ، فيبدؤها بحزن الطفولة المصدومة بالموت و يربطها بحزن الصياد الشقي و بحزنه ، فتبدو معاناته المكثفة ، و تبرز صورة المطر المتناقضة و يتوجه الشاعر إلى كل الذوات و يصبح الخطاب مرثية تكسبه لغة المراثي لونا قاتما ( دموع _ لحود _تنشج _المزاريب ) .
و يستعيد الشاعر في هذا القسم طيف الحبيبة ، يبوح لها بحزنه بسبب المطر ، و يستعيد جملة من الأحداث كان فيها غريبا بعيدا عن وطنه ، يصوغها في شكل ذكريات و في نفس تفجعي و يتحول الخليج إلى رمز يجسد فيه الشاعر معنى الغربة و الضياع و يساهم الصدى في تعميق غربته صدى يرجعه الخليج كالنشيج و يضاعف الاستفهام حزنه ،و يأتي خطاب الشاعر مترجرجا مثل الدموع يؤديه كاف التشبيه :(كالدم المراق ، كالجياع ، كالحب ، كالأطفال كالموتى ) ضرب من الاختناق أو ما يشبه الاحتضار .
في القسم الثالث يتحول السياب من ذاكرة الغريب اللاجئ إلى ذاكرة المناضل المقموع في العراق ، ويوظف كلمة العراق توظيفا سياسيا واضحا و يتدرج في تعرية واقع وطنه و يحمل مدلول المطر معنى الثورة على القهر الاجتماعي و السياسي ،و يربط بين المطر و بين جوع الفقراء الدائم و يتفاءل بالثورة التي تهب الحياة لكل الناس .
و هنا يصور المأساة الجماعية من خلال نشيد المهاجرين ، نلمس عمق الفاجعة ، فالجوع دائم رغم خصوبة الأرض و الرحى لا تطحن حبا بل تطحن الحجر ،و التمر الرديء و في دورا نها تدعو إلى الثورة و تظهر مرة أخرى ثنائية الحياة والموت و تتحول تجربة الشاعر من بعدها الذاتي إلى بعد إنساني أعمق ، لتعانق جرح الإنسان في كل زمان و في كل مكان ويصبح الخطاب الشعري احتجاجا على لسان المضطهدين للتعبير عن تطلعاتهم ولتحقيق حياة فضلى
و بلوغ إنسانيتهم كما لعبت الأصوات دورا هائلا في التعبير عن الثورة ، إذ خلقت جوا حماسيا مكثفا أداه صوت الرحى و نداء الشاعر و أصوات المهاجرين ،و زاد الشاعر هذا الواقع إيقاعا دراميا بتضمينه قصة الغريق المجسدة لمأساة الإنسان و صراعه مع الطبيعة .
قصيدة أنشودة المطر ،جاءت في شكل ابتهال ، مزج فيها الشاعر بين الغنائية الحالمة و بين الواقعية الحادة ، و جاء فيها الرمز على جملة من الثنائيات منها : الحياة و الموت _الذات و الموضوع _الجفاف و الخصب _الظلام و النور _الحزن والفرح . و يبرز صوت الشاعر مبتهلا في حضرة عشتار الهة الخصب و العطاء ، ربة الطبيعة والحياة المتجددة و التي تستمد صفاتها من عناصر الطبيعة . كما لعب الرمز دور الرابط الأساسي لجميع العلاقات ، فتبنى
الحركة من الأنثى رمز الطبيعة إلى الأم و من الأم إلى العراق إلى الخليج ، إلى المطر ، حلقة دائرية تمثل دورة الحياة .
و نهض الرمز بوظيفة أخرى هامة في كسر خط الغنائية الرومانسية الحالمة و خلق حركة انفعالية توحي بنغم تفجعي
يبرز عمق المفارقات المتجذرة في عمق الوجود المجسدة للصراع الإنساني في جل مظاهره .
إن الرمز في قصيدة أنشودة المطر ،كسر هندسة القصيدة التقليدية ، و جعل بنيتها تجمع بين الشعر والغناء و القصة و الخطاب الباطني و تستقطب موضوعات متعددة يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي و تنفصل عما يسمى في النقد بالغرض و تجعل الحياة بكل مفارقاتها غرضها الرئيسي .
و نلاحظ حركة التداعيات التي تصلنا عبر صوت الشاعر الذي يحملنا من الحاضر إلى الماضي ثم يربط الحاضر بالمستقبل ، ثم يتحرك صوته من الغور إلى السطح و من الذات إلى الواقع الخارجي و تفصح ذاكرة الشاعر عن مخزونها في شكل ومضات واضحة ، تنبثق من ذاكرة الطفل و من ذاكرة الغريب اللاجئ و من ذاكرة المناضل المقموع ،و هذه التداعيات بمثابة الأساس الذي تتكئ عليه القصيدة و قد ظهرت في شكل صور تتوالد فصارالنص تراكما من الصور ، أولها صور تنبني على التشبيه وهي طريقة تحصر الصورة في مجرد وظيفة الوصف أما
الصور التي بناها الشاعر على الطباق فقد استطاعت أن تبرز المفارقة الكامنة في عمق الحياة .
و يبدو التناغم بين الصورة و الموسيقى الداخلية ، فنلاحظ كثرة الأصوات المتضمنة لحرف الشين ، المؤدية لوشوشة صوت المطر ، و بعض الصور أداها الشاعر بأسلوب الجناس و الطباق و الوسائل البلاغية القديمة و بهذا التلوين من التصوير ، تخرج قصيدة أنشودة المطر عن التصنيف الكلاسيكي إذ الصورة فيها وحدة بنائية محورية توحي بالأفكار و تلح عليها، وارتكز إيقاع القصيدة الداخلي على أسلوب التعاود وهو أهم عواملها فقد تكررت كلمة : مطر : 35 مرة و كلمة خليج : 7 مرات ،و كلمة الردى :5 مرات و كلمة العراق : 5 مرات . و تكرار جملة ( ياواهب … ) و ( في كل قطرة مطر ) و تكرار اللازمتين الأولى تختص بالمدى و الثانية تتعلق بالمطر و عموما فإن طابع العبارة يغلب عليها طابع الماء : (نهر .مجداف .يغرق . بحر .سحاب . غيوم .مطر . قطرة خليج .. الخ ).
إن ما يمكن الإشارة إليه أن إثراء القصيدة بالبناء القصصي الدرامي بلغ أقصاه في أنشودة المطر ،وقد ألغت رومنسية الماضي بشكل غير واضح و رسمت الخطوط الكبرى للقصيدة العربية المعاصرة مجسدة قلق البحث و التجديد في أفق مستقبلها .
و لعلنا نتساءل عن توظيف بدر شاكر السياب للأسطورة في هذه القصيدة ، وللإجابة لابد من الإشارة أن قصائده السابقة لم تكن الأسطورة فيها دائما قادرة على الالتحام العضوي لما جاء فيها من ثقل في التوظيف و لما كانت الألغاز فيها واردة لتضليل الرقابة ، ولكنه في قصيدة "أنشودة المطر "،أم ديوانه المسمى بها ابتكر فيها رمزا خاصا به هو "المطر "، جعله يلف النص و يتغلغل في جسده ، له شحنة دلالية ثرية وهو العمود الذي انطلاقا منه تتفرع القصيدة في اتجاهين ، اتجاه أسطوري واتجاه واقعي .
كما نسجل كيف تناول السياب موضوع الخصب في الطبيعة فقد وثب به وثبة عبقرية و حمل المطر رمز الثورة الاجتماعية التي يريد أن تتفجر في العراق ،و كيف جسد بإيقاع صوت المطر صورة درامية في المفارقات بين الخير
و الشر و المجاعة و الاخضرار ، لقد جعل السياب كلمة مطر رمزا أفرغ فيه معاناته و رؤياه .
إن الأبعاد الأسطورية في القصيدة أهم مفاتيح فضاء المعنى و الإلمام بأسطورة الخصب الأساسية ، أسطورة أدونيس و عشتروت ، فضاء دلالي تتجدد منه دورة الحياة ، و تنبع منه جل العلاقات : علاقة الابن بأمه _علاقة الأنثى بالطبيعة _علاقة الفصول بالموت و الميلاد _علاقة الصياد بالماء _علاقة الغريق باللؤلؤ _ علاقة الماء بالماء في دورته _علاقة الذكر بالأنثى علاقة الوطن بالأرض الأم عشتروت _علاقة الشاعر بالمجتمع _
إن الأسطورة عالم لخلق فضاء الصورة و البنية الأسطورية عمارة تشكل عروق الواقع و أنسجته .و أنشودة المطر رمز الأمل و الانتصار على القمع و البوار ،و الأسطورة فيها عالم لخلق فضاء الصورة و بنيتها عمارة تشكل عروق الواقع و أنسجته و جمع حقلها الدلالي تجربة السياب السياسية و الاجتماعية و الذاتية و الرؤيا الشعرية التحديثية ورغم ما فيها من أصداء شعر أليوت و من أساطير الخصب البابلية و الكنعانية بشكل عام تبقى إنجازا باهرا من إنجازات الشعر العربي في الخمسينات .
أما القسم الثاني في القصيدة ،يتغير فيه عنصر الزمن : " تثاءب المساء " ، زمن يؤدي به الشاعر معنى الحزن و يتدرج بنا عن طريق التداعي ، فيصلنا صوت الشاعر من أعماق الذكرى المنبثقة من طبقة الوعي السفلي ،و تحتل تداعيات الشاعر المنبثقة من ذاكرة الطفولة حيزا مهما في سلسلة التداعيات و تصدر عنها أغلب الومضات الواقعية النابعة من الماضي ، ويتقابل القسم الثاني مع القسم الأول ، فالطفولة فيه تنشد الفرح ، و في الثاني يتكثف معنى الحزن عن طريق ذكرى الموت ، كما أن الذاكرة لا تبني أحداثا منسقة في الزمان حسب مسار منطقي ، إنما تصدر من مخزون الألم و الحرمان .
و في هذا القسم ربط الشاعر بين الجو الممطر الموحي بالكآبة و بين كآبة الطفل اليتيم و عمق حزنه بسؤاله ، وهنا يضمن الشاعر الخطاب الشعري مضمونا قصصيا : قصة يتمه واصطدامه بالموت ، كما صور الشاعر معاملة الكبار للصغار في قضية الموت فهم لا يصرحون بها و لو همسا ، و يضمن الشاعر قصة الصياد الحزين الذي يلعن المياه و المطر ليضيف مأساة جديدة دون أن يصرح بها فنفهم أن المطر تحولت إلى مصدر شقاء بعد أن كانت مصدر سعادة
و يتدرج الشاعر في رسم علامات الحزن في الوجود ، فيبدؤها بحزن الطفولة المصدومة بالموت و يربطها بحزن الصياد الشقي و بحزنه ، فتبدو معاناته المكثفة ، و تبرز صورة المطر المتناقضة و يتوجه الشاعر إلى كل الذوات و يصبح الخطاب مرثية تكسبه لغة المراثي لونا قاتما ( دموع _ لحود _تنشج _المزاريب ) .
و يستعيد الشاعر في هذا القسم طيف الحبيبة ، يبوح لها بحزنه بسبب المطر ، و يستعيد جملة من الأحداث كان فيها غريبا بعيدا عن وطنه ، يصوغها في شكل ذكريات و في نفس تفجعي و يتحول الخليج إلى رمز يجسد فيه الشاعر معنى الغربة و الضياع و يساهم الصدى في تعميق غربته صدى يرجعه الخليج كالنشيج و يضاعف الاستفهام حزنه ،و يأتي خطاب الشاعر مترجرجا مثل الدموع يؤديه كاف التشبيه :(كالدم المراق ، كالجياع ، كالحب ، كالأطفال كالموتى ) ضرب من الاختناق أو ما يشبه الاحتضار .
في القسم الثالث يتحول السياب من ذاكرة الغريب اللاجئ إلى ذاكرة المناضل المقموع في العراق ، ويوظف كلمة العراق توظيفا سياسيا واضحا و يتدرج في تعرية واقع وطنه و يحمل مدلول المطر معنى الثورة على القهر الاجتماعي و السياسي ،و يربط بين المطر و بين جوع الفقراء الدائم و يتفاءل بالثورة التي تهب الحياة لكل الناس .
و هنا يصور المأساة الجماعية من خلال نشيد المهاجرين ، نلمس عمق الفاجعة ، فالجوع دائم رغم خصوبة الأرض و الرحى لا تطحن حبا بل تطحن الحجر ،و التمر الرديء و في دورا نها تدعو إلى الثورة و تظهر مرة أخرى ثنائية الحياة والموت و تتحول تجربة الشاعر من بعدها الذاتي إلى بعد إنساني أعمق ، لتعانق جرح الإنسان في كل زمان و في كل مكان ويصبح الخطاب الشعري احتجاجا على لسان المضطهدين للتعبير عن تطلعاتهم ولتحقيق حياة فضلى
و بلوغ إنسانيتهم كما لعبت الأصوات دورا هائلا في التعبير عن الثورة ، إذ خلقت جوا حماسيا مكثفا أداه صوت الرحى و نداء الشاعر و أصوات المهاجرين ،و زاد الشاعر هذا الواقع إيقاعا دراميا بتضمينه قصة الغريق المجسدة لمأساة الإنسان و صراعه مع الطبيعة .
قصيدة أنشودة المطر ،جاءت في شكل ابتهال ، مزج فيها الشاعر بين الغنائية الحالمة و بين الواقعية الحادة ، و جاء فيها الرمز على جملة من الثنائيات منها : الحياة و الموت _الذات و الموضوع _الجفاف و الخصب _الظلام و النور _الحزن والفرح . و يبرز صوت الشاعر مبتهلا في حضرة عشتار الهة الخصب و العطاء ، ربة الطبيعة والحياة المتجددة و التي تستمد صفاتها من عناصر الطبيعة . كما لعب الرمز دور الرابط الأساسي لجميع العلاقات ، فتبنى
الحركة من الأنثى رمز الطبيعة إلى الأم و من الأم إلى العراق إلى الخليج ، إلى المطر ، حلقة دائرية تمثل دورة الحياة .
و نهض الرمز بوظيفة أخرى هامة في كسر خط الغنائية الرومانسية الحالمة و خلق حركة انفعالية توحي بنغم تفجعي
يبرز عمق المفارقات المتجذرة في عمق الوجود المجسدة للصراع الإنساني في جل مظاهره .
إن الرمز في قصيدة أنشودة المطر ،كسر هندسة القصيدة التقليدية ، و جعل بنيتها تجمع بين الشعر والغناء و القصة و الخطاب الباطني و تستقطب موضوعات متعددة يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي و تنفصل عما يسمى في النقد بالغرض و تجعل الحياة بكل مفارقاتها غرضها الرئيسي .
و نلاحظ حركة التداعيات التي تصلنا عبر صوت الشاعر الذي يحملنا من الحاضر إلى الماضي ثم يربط الحاضر بالمستقبل ، ثم يتحرك صوته من الغور إلى السطح و من الذات إلى الواقع الخارجي و تفصح ذاكرة الشاعر عن مخزونها في شكل ومضات واضحة ، تنبثق من ذاكرة الطفل و من ذاكرة الغريب اللاجئ و من ذاكرة المناضل المقموع ،و هذه التداعيات بمثابة الأساس الذي تتكئ عليه القصيدة و قد ظهرت في شكل صور تتوالد فصارالنص تراكما من الصور ، أولها صور تنبني على التشبيه وهي طريقة تحصر الصورة في مجرد وظيفة الوصف أما
الصور التي بناها الشاعر على الطباق فقد استطاعت أن تبرز المفارقة الكامنة في عمق الحياة .
و يبدو التناغم بين الصورة و الموسيقى الداخلية ، فنلاحظ كثرة الأصوات المتضمنة لحرف الشين ، المؤدية لوشوشة صوت المطر ، و بعض الصور أداها الشاعر بأسلوب الجناس و الطباق و الوسائل البلاغية القديمة و بهذا التلوين من التصوير ، تخرج قصيدة أنشودة المطر عن التصنيف الكلاسيكي إذ الصورة فيها وحدة بنائية محورية توحي بالأفكار و تلح عليها، وارتكز إيقاع القصيدة الداخلي على أسلوب التعاود وهو أهم عواملها فقد تكررت كلمة : مطر : 35 مرة و كلمة خليج : 7 مرات ،و كلمة الردى :5 مرات و كلمة العراق : 5 مرات . و تكرار جملة ( ياواهب … ) و ( في كل قطرة مطر ) و تكرار اللازمتين الأولى تختص بالمدى و الثانية تتعلق بالمطر و عموما فإن طابع العبارة يغلب عليها طابع الماء : (نهر .مجداف .يغرق . بحر .سحاب . غيوم .مطر . قطرة خليج .. الخ ).
إن ما يمكن الإشارة إليه أن إثراء القصيدة بالبناء القصصي الدرامي بلغ أقصاه في أنشودة المطر ،وقد ألغت رومنسية الماضي بشكل غير واضح و رسمت الخطوط الكبرى للقصيدة العربية المعاصرة مجسدة قلق البحث و التجديد في أفق مستقبلها .
و لعلنا نتساءل عن توظيف بدر شاكر السياب للأسطورة في هذه القصيدة ، وللإجابة لابد من الإشارة أن قصائده السابقة لم تكن الأسطورة فيها دائما قادرة على الالتحام العضوي لما جاء فيها من ثقل في التوظيف و لما كانت الألغاز فيها واردة لتضليل الرقابة ، ولكنه في قصيدة "أنشودة المطر "،أم ديوانه المسمى بها ابتكر فيها رمزا خاصا به هو "المطر "، جعله يلف النص و يتغلغل في جسده ، له شحنة دلالية ثرية وهو العمود الذي انطلاقا منه تتفرع القصيدة في اتجاهين ، اتجاه أسطوري واتجاه واقعي .
كما نسجل كيف تناول السياب موضوع الخصب في الطبيعة فقد وثب به وثبة عبقرية و حمل المطر رمز الثورة الاجتماعية التي يريد أن تتفجر في العراق ،و كيف جسد بإيقاع صوت المطر صورة درامية في المفارقات بين الخير
و الشر و المجاعة و الاخضرار ، لقد جعل السياب كلمة مطر رمزا أفرغ فيه معاناته و رؤياه .
إن الأبعاد الأسطورية في القصيدة أهم مفاتيح فضاء المعنى و الإلمام بأسطورة الخصب الأساسية ، أسطورة أدونيس و عشتروت ، فضاء دلالي تتجدد منه دورة الحياة ، و تنبع منه جل العلاقات : علاقة الابن بأمه _علاقة الأنثى بالطبيعة _علاقة الفصول بالموت و الميلاد _علاقة الصياد بالماء _علاقة الغريق باللؤلؤ _ علاقة الماء بالماء في دورته _علاقة الذكر بالأنثى علاقة الوطن بالأرض الأم عشتروت _علاقة الشاعر بالمجتمع _
إن الأسطورة عالم لخلق فضاء الصورة و البنية الأسطورية عمارة تشكل عروق الواقع و أنسجته .و أنشودة المطر رمز الأمل و الانتصار على القمع و البوار ،و الأسطورة فيها عالم لخلق فضاء الصورة و بنيتها عمارة تشكل عروق الواقع و أنسجته و جمع حقلها الدلالي تجربة السياب السياسية و الاجتماعية و الذاتية و الرؤيا الشعرية التحديثية ورغم ما فيها من أصداء شعر أليوت و من أساطير الخصب البابلية و الكنعانية بشكل عام تبقى إنجازا باهرا من إنجازات الشعر العربي في الخمسينات .
السبت يناير 21, 2017 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» قصيده بعنوان كافي
الجمعة ديسمبر 19, 2014 7:50 am من طرف عدنان المعموري
» عن لسان ام الشاعر الراحل رحيم المالكي
الأحد يوليو 06, 2014 1:52 pm من طرف عدنان المعموري
» القصيدة التي أغضبت سلاطين المنطقة الخضراء
الثلاثاء أكتوبر 02, 2012 12:44 pm من طرف عدنان المعموري
» قصة مؤثرة عن غيرة النساء
الجمعة يونيو 29, 2012 1:06 am من طرف عدنان المعموري
» أبن شقيق الجعفري يكشف تفاصيل الاعتداء عليه بالضرب من قبل أبن شقيقة المالكي وأقربائه
الأربعاء مايو 23, 2012 12:06 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب / صاحب الضويري
السبت مايو 12, 2012 12:24 am من طرف عدنان المعموري
» خانقين..الوردة البيضاء..مدينة التآخي والسلام
الخميس فبراير 16, 2012 12:16 pm من طرف حسين:خانقين
» هدية لكم جميعا..مع باقات من النرجس من على سفوح جبال كردستان
الخميس فبراير 16, 2012 5:21 am من طرف حسين:خانقين
» الأشعة..منافعها واضرارها وهذا الحديث مع طبيبة اختصاصية في م. خانقين
الخميس فبراير 16, 2012 5:06 am من طرف حسين:خانقين
» دعوة للمشاركة
الخميس أكتوبر 06, 2011 9:22 am من طرف د.مسلم بديري
» قصص قصيرة جدا
الإثنين يوليو 18, 2011 5:00 pm من طرف د.مسلم بديري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» قصيدة (جيش الشيب) للشاعر الشاب سعد السوداني
الجمعة يونيو 24, 2011 11:47 am من طرف عدنان المعموري
» زعلتك صدك
الثلاثاء يونيو 21, 2011 1:22 pm من طرف عدنان المعموري
» يا احبيب /للشاعر صاحب الضويري
الإثنين يونيو 13, 2011 11:49 am من طرف عدنان المعموري
» أكميله للشاعر عارف مأمون
الإثنين أبريل 04, 2011 8:17 am من طرف عدنان المعموري
» كل ساعة انذبح من عرست لليوم وكل ساعة انسحك بجدام تذكارك
الإثنين أبريل 04, 2011 8:13 am من طرف عدنان المعموري
» قراءة الواقع الثقافي في العراق
السبت مارس 12, 2011 1:13 pm من طرف قاسم المعموري
» اشعل فتيلها الكادحون والرافضون للظلم
الثلاثاء مارس 08, 2011 1:05 pm من طرف قاسم المعموري